رفض السيد خاطري أدوه، رئيس البرلمان الصحراوي، بـ»فوروم الشعب» رفضا قاطعا، إملاء الشروط المغربية المتعلقة بتسوية القضية الصحراوية، والتي تجاوزت الإطار المعمول به في الأعراف الدبلوماسية، وهذا عندما حاول الربط عنوة وعمدا مسار الحل بالحكم الذاتي.
واعتبر أدوه، هذا الربط بمثابة تعدٍ وتجنٍ لا وجود له في حوليات العمل السياسي المتعارف عليه، مما سيعقّد القضية أكثر فأكثر إذا ما وصل التمسّك بهذا الخيار السيء والفاشل في آن واحد، المرفوض من قبل المجموعة الدولية، حتى حلفاء هذا البلد يطالبونه اليوم باحترام القرارات الصادرة عن الأمم المتحدة والداعية إلى المفاوضات.
وفي مقابل ذلك، لم يتوان القيادي الصحراوي في مطالبة الأمم المتحدة بالإسراع في إجبار المغرب على الكفّ من كل هذه العراقيل التي تضرّ حقا بكل حيثيات المسألة، تفاديا لتضييع المزيد من الوقت، وهذا بإبلزامه على التعامل مع كل اللوائح حول تقرير مصير الشعب الصحراوي.
وفي هذا الشأن، فإن الآليات الأممية المتبعة، منها المبعوث الأممي هورست كوهلر، جديرة بأن تحتم على المغرب العودة إلى طاولة المفاوضات ولا تتركه يملي شروطه المرفوضة بتشجيع من لدن بعض الأطراف التقليديين، الذين فسحوا له المجال لكل هذا التمرّد الملاحظ في سلوكاته تجاه المجموعة الدولية وما أقرّته اللوائح.
وتبدي الأوساط السياسية في المغرب، تخوفات غير مسبوقة تجاه التقرير الذي أعده المبعوث الأممي كوهلر حول التصور السياسي للقضية الصحراوية والذي سيعرضه في أكتوبر القادم على ضوء الإتصالات والمشاورات التي أجراها خلال زيارته الأخيرة للمنطقة. وهذه التخوفات مصدرها، سقوط تلك الطروحات المغربية، المتمسك بها منذ إندلاع النزاع في منتصف التسعينيات، والتي لم يعد لها أي أثر على الصعيد الدولي، وإنكشاف أمرها، وعدم قدرتها على الصمود أمام خطاب القادة الصحراويين، المبني حقا على مبادئ الشرعية، واحترام اللوائح والقرارات الصادرة عن مجلس الأمن في حين أن البلد المحتل مازال إلى يومنا هذا يتلاعب بها، وعوّضها بتلك الخزعبلات من حكم ذاتي والجهوية المتقدمة وغيرها، إعتاد على اعتمادها عنوة وبتشجيع من بعض الأطراف المغررة به.
لذلك، فإن الواقعية السياسية للصحراويين، هي التي بوّأتهم في تلك المرتبة المحترمة من قبل المجموعة الدولية، كمطالبته بتقرير مصيره، وتنظيم الإستفتاء، وإجراء المفاوضات.. كما أوصت به أدبيات الأمم المتحدة وكل الآليات الأخرى التابعة لها.
الصحراويون لم تتغير مواقفهم السياسية قيد أنملة.. هم أوفياء للخط المتبع منذ الغزو المغربي لأراضيهم، بعد «مسيرة العار»، وشراء ذمم الناس، والتآمر على الوفود الصحراوية في الخارج.. كل هذا باء بالفشل لأن قضيتهم عادلة، يؤمنون بها إيمانا قاطعا.
هذه النظرة الاستراتيجية والاستشرافية، لم تتزعزع واستمرت ثابتة إلى يومنا هذا، لذلك جلبت لهم كل ذلك التقدير العالي، تفاعل معها السيد كوهلر بشكل مثير ومدهش عندما لاحظ كل تلك الحكمة والهدوء لدى القيادة والشعب الصحراوي.
هذه الميزة السياسية الفريدة لا نجدها عند أي شعب في المعمورة، زادت من قاعة الآخر، أي القوي المحبة للأمن والسلم، في حق هؤلاء بالعودة إلى وطنهم المحتل، وأكبر دليل على ذلك حادثة الڤرڤرات التي تصرف فيها الصحراويون بتعقل خارق، ومسؤولية نادرة، لما صدر عن الأمم المتحدة، بعد حوار طويل مع مسؤوليهم السياسيين والعسكريين.
هذا كله جعل المغرب في موقع لا يحسد عليه، وما هو مجسّد، وبالأحرى راسخ لدى المجموعة الدولية، هو أن المغرب يرفض رفضا قاطعا الإنصياع للأمم المتحدة، وكل ما يقترح عليه مصيره التجاهل والقفز عليه.. والعودة للمربع الأول، أي السير على طريق الاحتلال.
وشعورا بهذا الإنحراف في دبلوماسيته، حاول المغرب هذه المرة، إعتماد المهادنة مع المبعوث الأممي، وهذا عندما تفادى الملك محمد السادس الحديث عن القضية الصحراوية في خطاب عيد العرش. في حين أن مقربيه ومستشاريه اعتادوا على شحن أقواله في كل مناسبة، في شكل شروط مسبقة.. عبارة عن رسائل للمبعوثين الأمميين الذين عانوا أيّما عناء من الممارسات اللامسؤولة للمغاربة كان آخرها كريستوفر روس الذي اعتبر «شخصية غير مرغوب فيها» يمنع عليه دخول المغرب.
ويرى المتتبعون أن المغاربة فهموا دروس الماضي، وهذا بالعودة إلى الشرعية الدولية، بما فيها الإتحاد الإفريقي الذي وضع آلية مفاوضات بين الطرفين، تكون الإطار المفضّل مستقبلا.. كي يستعيد الإتحاد المبادرة في هذا الشأن، خاصة المبعوث الإفريقي الذي ينتظر الشروع في مهمته المكلف بها في الملف الصحراوي.
لذلك، فإن الكثير من الدول التي كانت تشجعه بالأمس على التمرد، تدعوه اليوم إلى الإذعان للأمم المتحدة والجلوس إلى طاولة المفاوضات، لأنه الخيار الوحيد لتسوية القضية الصحراوية والذي طال إنتظاره.