كلمات تأبين في حق مهندس الوفاق الوطني والتحول الديمقراطي السلمي
في جنازة وطنية ورسمية مهيبة حضرها العديد من قادة الدول، ودع التونسيون أمس رئيسهم الراحل الباجي قايد السبسي الذي توفي الخميس عن 92 عاما، وشيّعوه الى مثواه الأخيربمقبرة الجلاز وسط العاصمة تونس.
الجنازة انطلقت عند الساعة الحادية عشرة صباحًا بالتوقيت المحلي من قصر قرطاج، بحضور قادة ومسؤولين كبار من دول عدة، عربية وغربية، يتقدّمهم الرئيس عبد القادر بن صالح، والرئيس الفلسطيني محمود عباس، ورئيس حكومة الوفاق الليبية فائز السراج، والأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، والفرنسي إيمانويل ماكرون، وملك إسبانيا فيليب السادس، والبرتغالي مارسيلو دي سوزا، بالإضافة إلى شخصيات وطنية ونواب، ووزراء، ومنظمات عالمية، وسفراء دول عربية وأجنبية.
وبينما تولى الجيش تأمين المعزين الحاضرين، شددت السلطات إجراءاتها الأمنية، وأغلقت طرقا كثيرة مر عبرها أو بالقرب منها موكب جنازة الرئيس الراحل، وانتشرت قوات الأمن في أغلب مناطق العاصمة وقرب مقبرة الجلاز حيث وري الجثمان الثرى.
و قد أعلن حافظ قايد السبسي ابن الرئيس الراحل، أن الدعوة مفتوحة لجميع التونسيين لحضور الجنازة.
رجل إجماع وتوافق
وبالمناسبة ، ألقى العديد من الزعماء كلمات التأبين ، حيث قال الرئيس التونسي المؤقت محمد الناصر في كلمته ، إن الرئيس الراحل نجح في تأمين الانتقال الديمقراطي واستقرار البلاد، وأضاف أنه كان مهندس الوفاق الوطني، و حريصا على إنجاح الخيار الديمقراطي. ودعا الحاضرين إلى الوقوف دقيقة حدادا على الراحل.
من جانبه أورد الرئيس الجزائري عبد القادر بن صالح في كلمته إن فقدان السبسي «خسارة لتونس و للجزائر والعرب والمسلمين وكافة محبي السلام في العالم».
وذكر في كلمة التأبينية بمواقف الفقيد تجاه الجزائر حيث ناصر القضية الجزائرية قائلا : «لقد عرفناه في أيام المحنة وكان الى جانبنا ووقف معنا, دعمنا وناصر قضيتنا. كما عرفناه بعد الاستقلال وكان دائما من بين الذين هندسوا وعملوا من أجل تثمين العلاقات بين بلدينا».
واشاد السيد بن صالح بمواقف الفقيد في الدفاع «عن الحق عن العدالة» و عمله «على بناء وطنه والدفاع عنه», معربا عن امله ان يتجاوز الشعب التونسي هذا «الامتحان خاصة في ظل هذا الظرف الدقيق الذي تعرفه تونس الشقيقة».
قاد تونس الى برّ الأمان
بدوره قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ، إن السبسي كان مناضلا وإنه تعلم منه الكثير من الحكمة، وأضاف «أود التعبير عن مناخ الطمأنينة في تونس رغم أجواء الحزن التي تخيم على البلاد».
وودعت الناطقة الرسمية باسم رئاسة الجمهورية سعيدة قراش، الرئيس التونسي بكلمات مؤثرة قائلة :« رئيسنا، نهار اليوم سيكون طويلًا على تونس التي أحببت وأفنيت حياتك في خدمتها، وعلى التونسيين الذين أردت منحهم أحسن ما عندك من أفكار والتزام ومحبة وقدرة على الحلم الجماعي الذي أخرجتنا به من سنوات الاغتيالات، والخوف، والفوضى، والرعب بعد الثورة».
هذا و قال وزير أملاك الدولة والشؤون العقارية التونسي الأسبق سليم بن حميدان ، بمناسبة تشييع الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي في أحد الحوارات الصحافية ، إن «تعيين محمد الناصر رئيسا مؤقتا في ظرف وجيز ساعتين تقريبا وتحديد موعد الانتخابات الرئاسية وتقديمها بالإجماع، هو دليل على أن تونس ستبقى مثالا للتجربة الديمقراطية في الدول العربية». وأشاد بن حميدان بخصال الفقيد الرئيس الباجي قايد السبسي بفضل نزعته غير الإقصائية التي يسرت التداول السلمي على السلطة». مضيفا «من الخصال التي سيذكرها التاريخ للرئيس السبسي أنه لم يتجه نحو إقصاء خصومه السياسيين بل التعايش معهم».
وحّد تونس عندما كان حيا وكذلك وهو ميت
عقب مراسم الوداع في قصر قرطاج، انطلق موكب الجنازة باتجاه مقبرة الجلاز على بعد نحو 25 كيلومترا، حيث يرقد اليوم إلى جانب أفراد من عائلته.
ومنذ الصباح الباكر اجتمع أمام مقبرة الجلاز بتونس العاصمة سياسيون ومواطنون ومناضلون قدامى ووفود عربية يرددون النشيد الوطني ويطلقون الزغاريد، مؤكدين أن الرئيس التونسي الراحل الباجي قايد السبسي وحد تونس عندما كان حيا وكذلك وهو ميت، حيث التقى جميع الفرقاء السياسيين وعموم المواطنين.
ورغم الارتفاع الكبير لدرجات الحرارة جاء التونسيون من كل حدب وصوب، أطفالا وشيوخا نساء وشبابا باكين أحيانا، صامدين أخرى، مؤكدين أنهم فقدوا أبا ورجل دولة بامتياز.
وعلى جنبات الطرقات الرابطة بين ضاحية قرطاج وتونس وقف عدد كبير من الرجال والنساء والأطفال يبكون رحيل السبسي رافعين صوره وأعلام تونس ومرددين النشيد الوطني.
هذا و قد تزامنت وفاته مع الاحتفال بذكرى إعلان الجمهورية عام 1957، و بالمناسبة الأليمة ، أعلنت الحكومة التونسية الحداد سبعة أيام، ونكست الأعلام وألغيت النشاطات الفنية في البلاد، كما أعلنت الجزائر وموريتانيا وليبيا ومصر والأردن ولبنان الحداد ثلاثة أيام.
انتقال سلس
بعد ساعات من وفاة السبسي، أدى رئيس مجلس نواب الشعب محمد الناصر (85 عاما) اليمين الدستورية ليتولى الرئاسة مؤقتا وفق ما ينص الدستور.
من جانبها، ذكرت الهيئة المستقلة للانتخابات أن الاستحقاقات الرئاسة ستجري في 15 سبتمبر المقبل، بعد أن كانت مقررة في 17 نوفمبر، علما بأن تونس تنتظر إجراء انتخابات برلمانية في السادس من أكتوبر.
وتوفي السبسي قبل أشهر من انتهاء ولايته أواخر العام الجاري، وكان شخصية بارزة في تونس منذ الإطاحة بالرئيس السابق زين العابدين بن علي عام 2011، وبعد توليه منصب رئيس الوزراء في العام ذاته انتُخب السبسي رئيسا بعد 3 سنوات، ليصبح أول رئيس للبلاد يتم اختياره عبر الاقتراع المباشر بعد الاحتجاجات، ثم قام بتأسيس حزب «نداء تونس»، الذي يشارك في الحكومة الائتلافية.
أثنى كثير من التونسيّين على الانتقال السريع والسلس للحكم الخميس، في بلد يُعتبر الناجي الوحيد من تداعيات الربيع العربي ويُواصل مسيرته نحو الديموقراطية على الرّغم من التحدّيات والأزمات الاقتصادية والاجتماعية وتهديدات الجماعات الجهاديّة المسلّحة.