يصر المواطن الجزائري على إثبات نفسه وإسماع صوته عندما يستدعيه الوطن لأداء الواجب، وتوجهه أول أمس، إلى مراكز ومكاتب التصويت لاختيار الرئيس الجديد للبلاد، يعكس مدى وعيه بما يحاك ضده لسلب إرادته في التعبير الحر، مسقطا بذلك الأجندات الخارجية والمحاولات «اليائسة» لعرقلة المسار الانتخابي وكبح حقه الدستوري في اختيار رئيس جديد للبلاد.
الجزائريون خالفوا توقعات الأطراف التي راهنت على إفشال الاستحقاق الانتخابي، بتجنيد أشخاص في الداخل والخارج أوكلت إليهم مهمة «قطع الطريق» على الراغبين في التصويت ومنعهم من الالتحاق بمكاتب ومراكز الاقتراع باستعمال وسائل القمع والترهيب، بعيدا عن الممارسات الديمقراطية، في محاولات معزولة انتصرت عليها الإرادة الشعبية، وحب الوطن، فالجميع ممن خرجوا وأدلوا بأصواتهم في ثامن انتخابات رئاسية، حركتهم المصلحة العليا للوطن، وانتخبوا من «أجل الوطن» وليس لفائدة الأشخاص لأنهم يدركون جيدا أهمية خيارهم في استكمال مسيرة البناء الديمقراطي، وإعادة الاعتبار لهيبة الدولة.
وبغض النظر عن التحاليل التي سترافق الأرقام الرسمية لنتائج الانتخابات التي أعلنت عنها السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات، يبقى لمشاركة أكثر من 9 ملايين ناخب جزائري في الاستحقاق الرئاسي ليوم 12 ديسمبر، أكثر من دلالة ومعنى، إذ يفوق هذا الرقم بكثير بل بأضعاف عدد الرافضين للانتخابات بحجة عدم توفر الشروط المواتية لإجرائها.
ومألوف عن الجزائريين، التفافهم حول الوطن وتضامنهم «اللامشروط» حينما تستدعي الضرورة، ولعل الهبة الشعبية التي صنع ملحمتها شباب قيل عنهم إلى وقت قريب إنهم استقالوا من العمل السياسي، تؤكد مدى وعي هذه الفئة بشكل خاص بأهمية المشاركة في الموعد الانتخابي لإخراج البلاد من حالة الانسداد و»كف أيدي التخريب» عن مؤسسات الدولة، فالمرحلة صعبة تتطلب تضافر جهود الجميع لرد الخطر الأجنبي، ولم شمل أفراد الوطن الواحد، حول مشروع وطني يضع المصلحة العليا فوق أي اعتبار، ويعيد بناء اقتصاد حقيقي بعيدا عن اقتصاد الريع المعتمد على المحروقات وتقليص الفوارق الجهوية في التنمية والتوزيع العادل للثروات، بالإضافة إلى إدراج إصلاحات سياسية هامة بخصوص الدستور، قانون الانتخابات واستقلالية السلطات وغيرها من المسائل التي تحتاج إلى إعادة النظر لتصحيح الاختلالات وسد الثغرات أمام «الواهمين» بتحويل الجزائر عن مسارها الذي أحكم رسمه أبطال الثورة في بيان أول نوفمبر.