خيم الحزن، أمس، على مدينة عين ياقوت بولاية باتنة، مسقط رأس الراحل أحمد ڤايد صالح، حيث أصبحت محجا لكل المعزين من مختلف ولايات الوطن، بعد أن نصبت خيم العزاء بكل الفضاءات العمومية وأمام المنازل وبجانب المدرسة القرآنية أحمد قايد سي عثمان التي أولاها الراحل كل الاهتمام والرعاية.
وصلنا إلى عين ياقوت حيث وجدنا أقارب الراحل كما كل سكان الأوراس والجزائر، في حالة من الحزن والأسى على فقدانه، فمن أفراد العائلة من سافر إلى العاصمة لحضور مراسم الدفن ومنهم من قرر البقاء لإستقبال وفود المعزين وسط أجواء روحانية غمرتها الدعوات للراحل بالرحمة والمغفرة والثواب.
وخلال جولتنا بالمدينة لم يكن من الصعب إيجاد من يتحدث عن البطل كون كل سكان عين ياقوت يشهدون له بالفضل والكرم والشجاعة والوطنية، حيث أكد في هذا الصدد الحاج محمد أحمد ڤايد ابن عم الراحل وقريبه، أن الجزائر خسرت برحيل ڤايد صالح رجلا من طينة الكبار ووطنيا قلما يتكرر في هذا الزمن، حيث كشف عمي محمد في تصريحات لكل ممثلي وسائل الإعلام والمواطنين الذين توافدوا أمس بقوة على مجلس العزاء بمسقط رأس الراحل أن المجاهد البطل ڤايد صالح التحق مبكرا بصفوف الثورة المباركة عندما كان عمره لا يتجاوز 17 سنة، بعد أن استشار عمه الطيب (والد عمي محمد ابن عم الراحل)، في الصعود للجبال والالتحاق بمجاهدي الرعيل الأول، حيث ترك له عمه المجاهد الطيب حرية الاختيار ليقتنع الراحل بضرورة الجهاد في سبيل الله والوطن.
وبعد مرور شهر من التحاقه من منطقة عين ياقوت بولاية باتنة، بالمجاهدين المرابطين بجبال منطقة الأوراس الشامخة، علمت فرنسا بالتحاق الفتى أحمد ڤايد صالح بالثوار، الأمر الذي دفع بجنودها ومخبريها إلى القدوم لقرية عين ياقوت والاستفسار عن الأمر، فالتقت بعمي محمد ابن عم الراحل وكذا بعمه بشير ـ حسب شهادة عمي محمد- الذين قدموا للفرنسيين وثائق ثبوتية عن العائلة، ليبادروهم بالسؤال عن المجاهد أحمد ڤايد صالح وهل هو من أقاربهم أم لا ليجيبهم عم الراحل بأنه كان لديه أخ هاجر منذ سنين طويلة ولا يعرفون أي شيء عنه، غير أن إصرار الفرنسيين على القبض على هذا المجاهد الصغير جعلهم يقنبلون منزل والده الذي اضطر تحت ملاحقة الإستعمار له ولعائلته إلى مغادرة ولاية باتنة والاستقرار في ولاية عنابة ليواصل منها الجهاد في سبيل الوطن.
ورغم بعد المسافة في ذلك الوقت بين باتنة وعنابة إلا أن الراحل لم ينقطع عن زيارة مسقط رأسه والتواصل مع أفراد عائلته الذين يزورونه بين الحين والآخر سنوات الستينيات، حسبما أفاد به عمي محمد، الذي عدد مناقب الفقيد وخصاله في حب الوطن والذود عنه.
محب للوطن وحافظ للقرآن الكريم
كما تحدثت شهادات أخرى لأقاربه عن شجاعة الرجل وأخلاقه العالية كونه ينتمي لعائلة ثورية مجاهدة حافظة للقرآن الكريم، أسس المدرسة القرآنية أحمد قايد سي عثمان التي زارها قبل شهرين والتقى فيها بحفظة كتبا الله المنتمين للمدرسة وقرأ رفقتهم بعض ما تيسير من القرآن وكرمهم حسب شهادات بمبالغ مالية معتبرة نظير حفظهم كتاب الله والتواجد الدائم والمستمر بالمدرسة القرآنية التي حرص الراحل على تعميرها وترميمها وإعادة الإعتبار لها، والتكفل من حر ماله بنقل وإيواء وإطعام مرتادي المدرسة تعظيما للقرآن والعلم والعلماء.
كما يروي مواطنون بعين ياقوت الكثير عن كرم الفريق وحبه للفقراء والمساكين وأهل مسقط رأسه، خاصة فئة كبار السن والأطفال والتلاميذ حفظة القرآن الكريم، حيث أكد أحد مرتادي المدرسة القرآنية أحمد ڤايد سي عثمان، زيارات الفريق للمدرسة في كل مناسبة وفرصة تتاح له، ليكرم التلاميذ بنفسه ويقضي وقتا معهم يتلون كتاب الله ويتدبرونه رفقة مقرئي المدرسة.
وفي هذا الصدد، تحدث بعض أولياء تلاميذ المدرسة والقيمين عليها، عن حلم الراحل في تنظيم رحلة لأبنائهم تكريما لهم لحفظهم كتاب الله، وهي الأمنية التي لم يكتب لها القدر أن تتحقق في حياته، بعد أن خطفه الموت وانتقلت روحه لبارئها.
وتضم الزاوية القرآنية، حاليا، حسبما أفاد المسؤولون عنها أكثر من 200 طفل وطفلة، منهم من حفظ أكثر من 46 حزبا. كله يحسب للفقيد الذي دأب على زيارة المدرسة ومرافقة التلاميذ، من مختلف الفائت العمرية، حتى من ذوي الاحتياجات الخاصة الذين يوليهم عناية وأهمية خاصة، وهو ما أكده أحد الأطفال الذي يعاني من إعاقة وحفظ ربع القرآن الكريم من حرص الراحل على تفقد المدرسة وتكريمه في آخر زيارة له.