ركّزت مداخلات شخصيات وطنية وسياسية، ممن عرفوا الراحل عبد الحميد مهري، على مواقف وقرارات تركت بصمة في الحياة السياسية والثقافية، سواء إبان الثورة التحريرية أو بعد الاستقلال، حيث استطاع جمع مليوني دولار للثورة عن طريق تنظيم أسبوع ثقافي في دمشق، وجمع مبلغ مالي ساعد به الطلبة الذين انقطعت بهم السبل في تونس عن طريق مشاركته في فرقة مسرحية جابت الشرق الجزائري، ولم تتوقف نضالات صاحب الشخصية القوّية، حيث كان بشهادة الجميع رجل حوار، وضع مصلحة بلاده فوق كل اعتبار، سنوات العشرية السوداء حتى لا تنجر إلى الفتنة والهاوية.
توّقف الدكتور، علي بن محمد، الوزير الأسبق للتربية، أمس، في منتدى الذاكرة لجمعية مشعل الشهيد، عند جهود الراحل عبد الحميد مهري، حينما أوكلت إليه مهمة أمينا عاما لوزارة التربية، حيث قاد مثلما قال «الجوق» الذي أشرف على عملية الإصلاح الشامل للقطاع، فمنذ 1962 عرف القطاع عدة محاولات لإزالة الإختلالات التي أقامتها السلطات الإستعمارية في المنظومة التربوية، غير أنها لم تكن إصلاحا شاملا، بل ترميما، إلى غاية تقلد عبد الكريم بن حمود مهمة تسيير حقيبة الوزارة في عهد الرئيس هواري بومدين، الذي أوكل بدوره المهمة إلى الراحل مهري للقيام بإعداد تصوّر نظام جديد لوزارة التربية لإعادة هيكلتها، بالاعتماد على فلسفته و نظرته الشاملة.
أوضح أنه أول من دعا إلى عدم تشتيت التعليم بين مديري التعليم الابتدائي، المتوسط والثانوي، وأن يكون مديرا واحدا للتعليم، كما شدد على ضرورة الخروج من النظرة التقليدية للتعليم على أنه رصّ للأذهان بالمعلومات بدون تكوين، مهمة لم تكتمل بعد تغيير الحكومة في أفريل 1977 حيث قام وزير التربية الجديد مصطفى الأشرف بتسريح 25 إطارا من الوزارة، من بينهم عبد الحميد مهري وكل من لمس الإصلاح، ليعود مهري إلى دار المعلمين في بوزريعة، ورفض ترأس لجنة التربية والثقافة بحزب جبهة التحرير الوطني، حينما اقترحها عليه العقيد محمد الصالح يحياوي.
من جهته، المجاهد و المؤرخ العربي زبيري، توقف عند صفتي «التواضع» و «حبه للحوار» تميزا بهما الراحل وجعلتا منه رجلا عظيما وصاحب الشخصية القوية، حيث تمكن من تسوية العديد من المشاكل بفضل الحوار، وذهب إلى أبعد من ذلك، حينما قال أإنه لا تكفي جلسة أو عدة جلسات للحديث عن صفات الراحل التي أثّرت على الحياة الثقافية والسياسية، و التي لم «نعد نجدها» في الوقت الراهن، وهو ما يجعل مستقبلنا يتجه للهاوية، فقد كان يؤمن أن المسؤول يجب أن يكون ذا مستوى ثقافي و تعليمي وسياسي كذلك.
الدكتور محمد الصغير بلعلام، وصف المجاهد الراحل بـ «القمة»، فقد قام بشيء لم يستطع أحد من ممثلي جبهة التحرير الوطني بالخارج إبان الثورة التحريرية القيام به، حيث استطاع جمع مليوني دولار عن طريق تنظيم أسبوع ثقافي بدمشق، كما كسب تأييد الشعب السوري للقضية الجزائرية، كما اضطر إلى تكوين فرقة مسرحية نظمت عدة عروض، بشرق البلاد لجمع مبالغ مالية لمساعدة الطلبة الجزائريين الذين انقطعت بهم السبل بتونس.
أجمع الأساتذة والذين عرفوا الراحل، بعد الاستقلال، سواء في حزب جبهة التحرير الوطني، أو في مؤسسة «مولود قاسم نايت بلقاسم»، على أن مهري رحمه الله شخصية ذات ثقافة عالية، وقف في وجه الأزمة التي كادت تعصف بالبلد سنوات التسعينات، حيث كان رجل حوار، ولم يستعمل أسلوب الإرهاب أو العنف السياسي، وعمل كل ما في وسعه لتجفيف ينابيع الغضب حتى لا تنجر البلد إلى الفتنة والهاوية.