قيدوم رجل من طينة الكبار

لم تستهوه المناصب وقاوم «لوبيات» الصحة

سعيد بن عياد

الراحل يحيى قيدوم الذي وري الثرى، بعد صلاة ظهر أمس الأربعاء بقسنطينة ، من طينة الكبار، فقد ترك بصمته بارزة في ذاكرة القطاعات التي تولاها واشتغل بها، من بينها تلك التي تولّى تسييرها، خاصة لما كان على رأس وزارة الصحة وأثناء نضاله في حزب الأرندي.
علاوة على كفاءته في جراحة العظام، فإن للرجل خصالا وضعته دوما في المركز اللائق، حيثما حل وارتحل؛ خصال ومواقف جريئة بقدر ما وجدت استحسان الكثيرين من حوله، فقد كانت لدى آخرين غصة في حلوقهم، معتبرينه، بلا شك، خطرا على مصالحهم الضيقة؛ فالرجل الشفاف مصدر إزعاج.
من ميزاته التي منحته كل ذلك الاحترام، ممن تعامل معه بدون خلفيات في مواقع المسؤولية أو النضال السياسي، البساطة والعفوية والإصغاء لمحاوريه مهما كان مركزهم المهني أو الاجتماعي.

حاول كسر لوبيات الصحة

مروره بوزارة الصحة كانت مرحلة بارزة في حياة الجراح الوزير، فقد حاول بما أمكن إحداث تغيير في مشهد الصحة العمومية لكن يكون قد واجه مقاومة شديدة من أصحاب المصالح في تسعينيات القرن الماضي، في ظل أزمة اشتدت على الوطن والمواطن، أراد أن يعيد الصحة للسكان ويرفع الغبن عن المرضى، لكن...
مرة في لقاء معه وكان يفتح باب مكتبه أمام الإعلام بدون ترتيبات مبالغ فيها، صرح لي «أنه عازم على خوض معركة ضد لوبيات الصحة والطب في المستشفيات وكسر الأمر الواقع الذي ألقى بظلاله على المرضى بعد ملاحظة ممارسات انتهازية، وذلك وفق رؤيته، باستقدام اخصائيين جراحين من الخارج». كانت المسألة مصيرية له وانشغالاً أرهقه في محيط متداخل يترصد ويسعى لإجهاض كل تغيير، خاصة بعد أن ارتسمت معالم المال في القطاع.

مواقف كلّفته عداء الأقربين

كان الوزير الذي يخرج إلى الميدان في زيارات تنتهي غالبا بإعلان قرارات عبر التلفزيون تقضي بتوقيف مديري مستشفيات تبين فشلهم في مواكبة الصلاح، سعيا لتحريك النخوة المهنية لدى غيرهم، لكن هيهات، رغم إبدائه تصميما لم يحقق المأمول بعد إبعاده من الوزارة حاملا معه بالتأكيد حسرة وألما وهو يدرك أن العلاج سوف يكون مكلفا للمواطن والمال يفعل فعلته في مجتمع تحاصره أمراض وعلل من كل الجهات.
نفس العقيدة كان يحملها في نضاله داخل التجمع الوطني الديمقراطي، جاعلا من هدوئه ونظرته للأمور قوة اقتراح ونقد لأوضاع كان يراها غير سوية، ووصل الأمر إلى إعلان معارضته لقيادات حزبه في مرحلة سابقة، مستنكرا ممارسات تجاوزها الزمن وتحدث شرخا تجاه المجتمع.
بالطبع، مواقف صريحة تكلف الرجل عداء بشتى الطرق إلى أن يكون قد اقتنع أن «دار لقمان» تبقى على حالها ولا أمل في العلاج وقد أنصفه الزمن بعد أن أخرج الحراك ما في قاع القدر.

خصال الاستقامة وحب الخير

حقيقة الرجل حاول تجسيد ثقافة التحام السياسي بالمواطن، فلم يكن متكبرا أو متعاليا، بل كان وفقا لأفكاره وقناعاته لم يغتر بمنصب وزير ولا ببريق الأضواء، بقدر ما رسم صورة المسؤول الكفء والمقتدر، ليرحل تاركا نفس الصورة في مخيلة من عرفوه، مثل وزير الصحة البروفيسور عبد الرحمان بن بوزيد، الذي أشاد، في برقية تعزية، بخصال الفقيد يحيى قيدوم، واصفا إياه بالأخ والزميل الذي «يعد- كما أضاف - من أبرز جراحي العظام في الجزائر وخارجها، عاش مؤمنا بأن مهنة الطب خدمة إنسانية، عرف بالاستقامة وحب الخير، عاش مخلصا لوطنه ومحبا لمهنته ووفيا لمبادئه، قبل أن يعرب عن تعازيه لعائلة المغفور له.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19813

العدد 19813

الخميس 03 جويلية 2025
العدد 19812

العدد 19812

الأربعاء 02 جويلية 2025
العدد 19811

العدد 19811

الثلاثاء 01 جويلية 2025
العدد 19810

العدد 19810

الإثنين 30 جوان 2025