تلعب المرأة دورا أساسيا في التغيير الهادف إلى تجسيد مشروع الجمهورية الجديدة، وكما كانت بالأمس تمثل نصف المجتمع وتشرف على تربية نصفه الآخر هي اليوم تعمل في مختلف المجالات المتواجدة فيه من أجل تأكيد استمرارية رسالة «جميلات» الجزائر، وسواء كانت ربة بيت أو باحثة أو سيدة أعمال هي تبقى دائما أكبر من أي رقم، ناقشت «الشعب» شخصيات نسوية للتعرف على آرائهن حول مكانة المرأة في جزائر الغد الجديدة ومدى ارتباطها بمسيرة اللواتي حاربن من أجل الاستقلال.
سجلت «الشعب» في هذا الاستطلاع اتفاقهن حول أهمية محافظة المرأة على جزائريتها التي اعتبرنها طريقها نحو التميز والابداع، ونحو جزائر جديدة معتزة وفخورة بمكونات هويتها الأصيلة.
فريدة خمّار: المرأة أصالة، هوية وعمل لغد أفضل
أكدت رئيسة كرسي «الإيسيسكو» للمرأة في العلوم والتكنولوجيا التابع لمنظمة «اليونيسكو» البرفيسور فريدة خمّار أن الإرادة القوية، العمل بجد والأخلاق هي أهم العوامل التي مكنت المرأة الجزائرية من الاستمرار فيما بدأته المجاهدات والشهيدات في الثورة التحريرية، لأنها وبعد الاستقلال مباشرة أخذت على عاتقها مهمة بناء وتشييد الوطن، فقد كافحت وناضلت من أجل مواصلة تعليمها العالي وولوج عالم الشغل فقط من أجل تحقيق حلم «جزائر قوية ومتطورة» كانت فريدة خمار واحدة ممن حملنه بين أضلعهن وهي ما تزال صغيرة، مؤكدة أنها لم يُمح من ذاكرتها أبدا مشهد النسوة على أسطح القصبة وهن يضربن «المهراس» ساعة منتصف الليل مع تعالي الزغاريد تضامنا مع الشهيد أحمد زبانة الذي أعدم صباح ذلك اليوم بالمقصلة.
وقالت خمار إن المرأة عانت كثيرا من مستعمر حاول جاهدا قتل وتشريد الجزائريين وسلخهم عن أرضهم، لكن الأمهات اللواتي كن أميات في سوادهن الأعظم زرعن داخل كل طفل حب الوطن، فكانت الفتيات الصغيرات من أمثالها يساعدن أمهاتهن في خياطة العلم الجزائري الذي كان مصدر فخر لهن، لذلك كانت تلك الأمهات سببا في تنشئة جيل لا يؤمن بالمستحيل بل كان العمل وتحدي الصعوبات أول مهمة وضعها نصب عينيه غداة الاستقلال، وهو ما كان وراء خروج المرأة للدراسة والعمل، فاستطاعت تجاوز الصورة النمطية للمجتمع من خلال التزامها بالجدية والمثابرة والتشبع بأصالتها وهويتها.
وهنا، كشفت خمار أن جزائر الغد لا تبنيها امراة تطالب بحرية لا تحترم قيم ومبادئ المجتمع، لأنها بذلك تنسلخ من الهوية الجزائرية الأصيلة التي ربت الجيل الثائرعلى الظلم، فلن تكون «جزائرية» باتباعها النموذج الغربي أو الأمريكي لأن الحرية لا تعني التخلص من مكونات الهوية التي تميزنا عن الشعوب الأخرى و لن تكون نسخة عن المرأة الخليجية لأنها تتشارك معها فقط في بعض الأمور وليست مطابقة لها، يجب أن تعي المرأة –حسبها- أن تطورها وتحررها لا يكون على حساب مبادئها وأخلاقها وأصالتها، فمنذ الاستقلال استطاعت الانخراط في عملية البناء من أجل تشريف الجزائر لا هدمها، مؤكدة أن امتلاك الشجاعة لقول هذا ديننا وتلك هويتنا وهذه لغتنا هي أول خطوة نحو تمكين المرأة لتكون نموذج الجزائرية «الفحلة» المتفردة بخصائصها ومميزاتها عن النماذج الأخرى.
وصرحت خمار أن المرأة اليوم أمام مهمة نبيلة أكبر مكافأة لها فيها هو بناء مجتمع واعٍ يقدس العمل ويؤمن بجزائر جديدة وقوية، لتحقيق هذا الهدف عليها أن تكون امرأة حرة، مستقلة، محافظة على أصالتها التي تتجسد في كل تصرفاها وسلوكاتها، فما قدمته المرأة عبر التاريخ خاصة في الثورة التحريرية يثبت أنها لم تزغ يوما عن جزائريتها ومكونات هويتها.
وتساءلت هنا إن فهمت المرأة اليوم رسالة حسيبة بن بوعلي التي فضلت الموت على الاستسلام، لم تتخل عن إيمانها بجزائر جزائرية رغم المتفجرات التي وضعت لقتلها ورفقائها، لم تنكسر عزيمتها في المضي قدما لأنها لقنت المستعمر درسا بجهادها من أجل الحرية وجوهر المرأة الجزائرية بطريقة استشهادها، معتبرة أن العلم مهم لكن تربية الأبناء هي الأساس، خاصة الأمهات الشابات اللواتي يجب تشجيعهن على المضي قدما نحو مسيرة مهنية متألقة لكن مع تذكيرهن دائما بدورهن كأمهات.
وقالت البروفيسور خمار إنها من خلال إشرافها على مخبر للأبحاث حول المناطق الجافة وزيارتها إلى مختلف مناطق الصحراء الجزائرية وجدت نساء يعملن في الخفاء من أجل بناء وترقية المجتمع بتربية تعتز بهويتها وأصالتها، وهناك لمست تحرر المرأة بكل ما تحمله الكلمة من معنى فبدون خروجهن عن أصالتهن استطعن تحقيق ذواتهن وسط المحيط الذي يعشن فيه، وقالت إن أمثالهن تعلق لهن ميداليات وليس ميدالية واحدة لأنهن يمثلن الاستمرارية الحقيقية للدور المحوري الذي لعبته المرأة في الثورة التحريرية.
وتتمنى خمار أن تكون المرأة في جزائر الغد «فحلة» تهتم بشؤون عائلتها بالإشراف على تربية أبنائها ومرافقتهم من خلال ترسيخ مبدأ الاحترام، تشارك في ترسيخ معالم بناء دولة متطورة من خلال إرادتها القوية والعمل الجاد دون الابتعاد والانسلاخ عن أصالتها، وقالت إنها عبر مسيرتها على مدى أربعين سنة أو أكثر وجدت أن تعلم التقنيات والذهاب إلى المخابر لصنع الأدوية خاصة في وضع كالذي يعيشه العالم بسبب كوفيد-19 ممكن وينفع المجتمع، لكن لا يجب إغفال حقيقة أن الأخلاق هي عمود كل شيء في بناء المجتمعات.
جوهر هاشمي: الجزائر الجديدة تبنيها المرأة المتحررة لا المنسلخة
ترى رئيسة جمعية المرأة الناشطة لولاية تيزي وزو جوهر هاشمي أن دور المرأة الجزائرية عبر التاريخ كان محوريا وأساسيا من «تين هينان» و»الكهينة» إلى لالا فاطمة نسومر وصولا إلى الحرب التحريرية أين شاركت في المعركة الكبرى من أجل استرجاع الأرض المسلوبة، فكانت المجاهدة، المناضلة، والمسبلة وقبل ذلك الأم التي ربت رجالا لا يهابون الموت من أجل الجزائر، مشاركتها جنبا إلى جنب مع أخيها الرجل كتب اسمها بحروف من ذهب في ذاكرة الجزائر المنتفضة ضد المستعمر، ورغم تعليمها المحدود فرضت نفسها خاصة في الاقتصاد الريفي بل نجدها العمود الفقري في كل عائلة داخل المنزل وخارجه.
وقالت هاشمي إن المرأة بعد الاستقلال استطاعت تحقيق الكثير من المكاسب بتوليها أعلى المناصب في الدولة إذ منحها الدستور حق التعليم ما مكنها من تعزيز دورها في بناء المجتمع، لكنها تأسفت من تأثر بعض النساء بمفاهيم دخيلة على المجتمع الجزائري بسبب العالمية التي أعطتها مفهوما مغايرا لتحررها، يكون على حساب القيم والمبادئ الأصيلة، وكشفت أن المرأة الجزائرية عبر التاريخ لم تكبلها القيود التي نراها اليوم فحتى العنف ضد النساء كان أقل، لأن العائلة الجزائرية في الماضي كانت جد محافظة وتحترم مكانة الأم داخلها.
وأكدت في نفس السياق أن المفاهيم الدخيلة كالديمقراطية والحريات هي التي أفسدت مسار المجتمع، بسبب تراجع المرأة عن الأهداف النبيلة التي كانت تحملها تلك المجاهدات والشهيدات اللواتي ضحين بالغالي والنفيس من أجل جزائر حرة، حقيقة توجد نساء لم يحدن عن مسار «جميلات» الجزائر وهن اللواتي ضمن استمرارية الرسالة النوفمبرية رغم وجود بعض النساء الباحثات عن الانسلاخ عن المجتمع الجزائري بحجة «التحرر».
فشبكات التواصل الاجتماعي جعلتهن يقتنعن بحرية بعيدا عن أصالتهن ما حوّلهن إلى مجرد استنساخ لنماذج نسوية من مجتمعات أخرى، وجعلهن بلا هوية، لا جوهر لهنّ يميزهن عن البقية ما يجعلهن عاجزات عن تمثيل المرأة الجزائرية في المجتمعات الدولية، فالشعوب التي لا تحترم قيمها لا مكانة لها في التاريخ.
وكشفت هاشمي أن «جزائريتنا هي طريقنا إلى المستقبل»، لذلك تعمل الجمعية على تعزيز ذات الإنسان، فتقصير المرأة في لعب دورها المحوري في بناء المجتمع جعل التشاؤم يسيطر عليه، فعبر قرون خلت كانت المرأة تعمل على تعزيز احترام الذات عند الطفل ما يمنحه ثقة وفخرا بهويته، فالرجال لا يصنعهم المال والرفاهية لا تصنع النساء، بل هما نتيجة احترام الثقافة وقيم المجتمع وهما العاملان اللذان تتطور بوجودهما المجتمعات، متأسفة في الوقت ذاته عن صور زرع الكراهية، العنف، التشاؤم والجهوية المنتشرة في مختلف مناطق الوطن.
وأبدت هاشمي تفاؤلها بتحقيق مشروع جزائر الغد الجديدة، فقط يجب أن تتحمل المرأة مسؤوليتها تجاه وطنها بزرع حب الوطن ووحدة الشعب الجزائري ومبادئ هويته في أطفال سيكونون رجال تلك الجزائر التي نسعى إلى تحقيقها، الأخطاء موجودة – حسب هاشمي-لكن استدراكها ممكن.
سلسبيل ربيحة كتيتني: ...الرسالة مستمرة
قالت الناشطة الطلابية سلسبيل ربيحة كتيتني إن المرأة الجزائرية استطاعت الارتقاء بمكانتها في المجتمع حيث أصبح لها وجود متزايد في الحياة العامة وفي مختلف المجالات اجتماعية واقتصادية، ما يعتبر أحد أبرز ركائز التغيير في أي مجتمع، فقد أصبحت تمارس مهنا كانت تشكل بالنسبة لها منطقة محرمة، لكن فعاليتها ودورها المحوري الذي لعبته عبر التاريخ مكنها من بلوغ أعلى مراتب الدولة بل وتطمح إلى رئاسة الجمهورية.
وكشفت أن مواكبتها لمسار التغيير الحاصل في المجال الاقتصادي أصبح جليا حتى إنها أصبحت تدخل المنزل بعد زوجها وتلعب دور الرجل والمرأة في حالة غياب الأب هذا التغيير الاجتماعي الحاصل يعمل على تطوير الحياة العامة، أما بالنسبة للتغيير الاقتصادي فهي اليوم تمثل نسبة مهمة من كتلة العمال في الجزائر، وأصبح هناك سيدات أعمال يترأسن شركات في مختلف المجالات الصناعية، ما اعتبرته كتيتني انعكاسا لدورها وفعاليتها في مختلف الميادين فاستمرارها ودورها في التغيير يقاس بالسياسات العمومية ومستوى أدائها فيها.
واعتبرت المرأة اليوم استمرارية لتلك المرأة المجاهدة والشهيدة مهمتها فقط تغيرت، فبعدما حملت على عاتقها تحرير وطن من عبودية مستعمر سلبه حرية أرضه وحاول يائسا سلب هويته، هي اليوم تحمل على عاتقها مهمة تحقيق مشروع وطن هو جزائر جديدة تتناغم وتطلعات أجيال كاملة، المرأة في ثورة التحرير ربت جيلا ثائرا لا يقبل الذل والهوان وهي اليوم تربي جيلا لا يقبل بالمرتبة الدنيا بين الشعوب.
لذلك كانت آفاقها تعتمد على ما تطمح إلى تحقيقه من خلال المتغيرات الجديدة التي تتمثل في زيادة تواجدها في الحياة العامة بفرض نفسها، ولتجاوز النظرة القاصرة للمجتمع، وعن طريق تبنيها لمشاريع تعزّز لديها فكرة ولوجها لمختلف المجالات كسيدة أعمال، أستاذة، طبيبة ومربية، وصرحت أن من هنّ في سنها من الطالبات يبحثن عن فرض أنفسنّ من خلال مشاريع تجعلهن يلعبن دورا مهما في المجتمع، وليس فقط العمل بدون هدف.
وتطمح الطالبة كتيتني إلى غدٍ أفضل تتجسد فيه جزائر جديدة قوية، لن تتحقق دون إرادة قوية يملكها الشباب من أجل التغيير، فالقرارات السياسية وحدها لا تكفي لا بد من انخراط هذه الفئة في مشروع الانتقال إلى مرحلة أخرى لوضع أسس مشروع الجزائر الجديدة، فـ»المستحيل تكسره العزيمة في صناعة الغد باستغلال كل معارفنا وقوتنا». أما الفئة الضعيفة من النساء هي تبحث في الجزائر الجديدة عن مجتمع تخلص من النظرة الدونية لها في كونها «تاع كوزينة»، فرغم ما بلغته المرأة من مناصب عليا ما زال البعض ينظرون إليها بمحدودية معتبرين أنها غير قادرة على إثبات إمكاناتها وفعاليتها خارج المهام المنزلية.