الوثبة الاقتصاديــة فـوق كـل اعتبـار

فضيلة بودريش

أقرّ كفاح الشعب الجزائري المستميت منذ عقود نهجه المستقيم، واختار رؤيته الواضحة الشفافة، لملامح دولته المستقلة التي تسودها المساواة وتستند إلى قوة الحق وسلطة القانون، روح كفاح راهنت على قيمة العمل كمفتاح لبلوغ الغايات الكبرى التي كانت تبدو نوعا ما مستحيلة، لأن الإلحاح على تحدي الإنجاز، كان المحرك الخفي والظاهر في وثيقة بيان أول نوفمبر الخالدة، ومن الطبيعي أن يستند البيان الاستراتيجي لثورة الحرية، إلى كلمة العمل 8 مرات كاملة، ليجعل من البعد الاقتصادي حاضرا بشكل مبكر حتى مع الاستعدادات الأولى لتفجير ثورة التحرير المجيدة.

تبين بعد عقود عديدة من فجر الاستقلال، أن روح نوفمبر مازالت ملهمة للأجيال، ليس في الفن والأدب والإبداع بشكل خاص، بل في العطاء بنزاهة وجد، لازالت تلح أنه ينبغي على كل مواطن من موقعه سواء كان مسؤولا أو عاملا بسيطا، أو طالبا للعلم، أي كل القوى الفعالة تجعل من المصلحة الوطنية فوق كل الاعتبارات، كما رسم معالمها مهندسو الثورة، وأول من سطر مسار عودة الجزائر إلى هويتها وسيادتها الأصلية.
بيان أول نوفمبر جاء عميقا يحمل رؤية بعيدة النظر، تؤسس بذكاء لحياة الجزائريين عبر عدة أجيال، حرص على تسليحهم بذخيرة الإخلاص وشحذ هممهم بالوطنية، ومدهم بروح الصبر والنفس الطويل، مدركا أن الأهداف الكبرى تتطلب احتراقا طويلا، والصمود إلى الوصول لمرحلة التحقيق النهائية، وتفطن «النفمبريون» بملكتهم الاستشرافية مبكرا أن الفساد آفة معرقلة تجهض الأحلام، وتثبط العزائم وتعادي كل رقي وتقدم قد يبلغه البشر، والقطيعة معه تكون بالإصلاح الجذري العميق كعملية جراحية رادعة لاستئصال ورمه، ويمكن أن نستنبط من تلك الخطوط الخضراء للبيان، التي لن تجف دماؤها مهما تقدم الزمن، كيف يمكن أن نستدرك بالقوة والطاقة الجماعية للشعب، الأخطاء ونتجاوز الإخفاقات بنجاحات أخرى أكثر أهمية وتأثير.
وما يمكن أن نستمده اليوم من البيان بعمق مضمونه ودقة دلالته، الاستفادة من تفاصيل عباراته الداعية إلى التحلي بالشفافية والوضوح، نابذا الفساد مهما كان شكله وموضعه، ولفت إلى أهمية نهج الإصلاح كورقة رابحة من شأنها قلب الموازين وتتويج الغايات، استجابة لتطلعات وآمال الشعب، وعول كثيرا على تجميع وتنظيم الطاقات السليمة وتعبئة الموارد الوطنية لتجاوز التحديات الراهنة، على كثرتها، لتغير واقع تكرس بسلوكيات مشينة تغلبت فيها المصالح الضيقة للأشخاص والمجموعات على امتيازات البلد.
بالأمس كما اليوم، الجزائر في ظرف حسّاس، بعد مكسب الحرية، لأن مكاسب أخرى مازالت بعيدة المنال، تحتاج إلى نفس العزيمة وذات القرار الصارم والجريء، لإستعادة المسار الطبيعي لتفجير معركة نمو، لأن الجزائر الجديدة التي تتنفس الحرية، وتتلمس حدود السيادة على أطراف حدودها، ما أحوجها إلى جعل العمل والاحتراق في صدارة الأولويات، أن ينخرط الجميع في بوتقة وخارطة دقيقة ومنظمة للتحرك نحو بناء اقتصاد قوي متماسك يستوعب الجميع من دون تهميش أو إقصاء، ينتج الثروة وينفتح على العلم والابتكار.
نحتاج إلى من ينتقد ويحدد موضع الخطأ و يقترح الحلول المناسبة، التي تجعل من الدورة الاقتصادية محل اهتمام الجميع، بداية من الجبهة الاجتماعية وعالم الشغل إلى الجامعة خزان الكفاءات، وإلى المسييرين المحنكين الذين يضعون نصب أعينهم المصلحة الوطنية فوق أي اعتبار.
الشعب كله مدعو أن يكون في الموعد لبلوغ أعلى سقف من الأداء الاقتصادي، وليجعل الوثبة الاقتصادية فوق كل اعتبار، خطوات ثابتة نحو الأمام بأياد من حديد وعقول ذكية مبدعة، وقامات نزيهة، يمكن ضخ الثروة بما يغطي الحاجة المحلية، ويحقق الرفاه الإجتماعي عبر التصدير والاستثمار المنتج.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19813

العدد 19813

الخميس 03 جويلية 2025
العدد 19812

العدد 19812

الأربعاء 02 جويلية 2025
العدد 19811

العدد 19811

الثلاثاء 01 جويلية 2025
العدد 19810

العدد 19810

الإثنين 30 جوان 2025