لن تتخلّى الدولة عن المتعاملين الاقتصاديّين وأصحاب المقاولات الذين تضرّروا من فيروس «كوفيد 19»، على إثر غلق نشاطهم طيلة أشهر الحجر الصحي سواء تعلّق الأمر بالدعم المالي أو إرجاء تسديد مستحقّاتهم الجبائية والبنكية، لكن ينبغي على هذه المؤسّسات أن تستعد بعد مرحلة تجاوز الفيروس، في تفعيل نجاعة نشاطها والتحلي بشفافية أكبر في التصريح الضريبي بأرباحها، وأن تلتزم بمعايير السّوق سواء تعلق برفع سقف تنافسيتها في طرح المنتوج أو التشغيل للأيادي العاملة، وفقا لما ينص عليه القانون.
تدخل المؤسّسات الصّغيرة والمتوسّطة في مرحلة ما بعد الوباء في امتحان صعب، لمدى قدرتها على إثبات تموقعها في أسواق داخلية وخارجية، ويبدو أنّ المسار الجديد للإنعاش الاقتصادي يحتّم عليها الانخراط بقوة في تحدي الإنتاج والتصدير، وقبل ذلك تغطية الطلب المحلي، والمساهمة في امتصاص البطالة. إذا الاعتماد على المورد البشري وعلى مخابر البحث العلمي قد يقلب المعادلة، ويجعل من مقاربة رفع مستويات النمو هدفا قابلا للتجسيد بتثمين قيمة العمل ومضاعفة الجهد واحترام القانون. وينبغي أن تقابل التّسهيلات والمرافقة التي أقرّها رئيس الجمهورية لمختلف المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، اجتهادا أكبر وعدم ادّخار أي جهد في بناء نسيج اقتصادي قوي مستحدث للثروة، ويكون في مستوى تطلعات الجزائريين.
تأتي هذه الإجراءات الدّاعمة للمتعاملين الاقتصاديين وأصحاب المهن الحرة، في وقت تحتاج الجزائر إلى رسم خارطة للصّناعات وأخرى للسياحة، لتحديد على ضوء ورقة استشرافية ما تحتاجه في الوقت الراهن وعلى المديين المتوسّط والبعيد، والقطاعات التي تعرف إشباعا بالمؤسّسات الصّغيرة والمتوسّطة لا تكون خيارا، فعلى المستثمرين الجدد تغيير طبيعة مشاريعهم وتحديد استثمار يلقى طلبا محليا على منتجاتهم، لتحقيق التنوع والاكتفاء وكبح الواردات، وعلى سبيل المثال نجد في قطاع الصناعة الصيدلانية ما لا يقل عن 100 مصنع، تمكّن أصحابها من تصنيع عدة أنواع من الأدوية والمستلزمات الصيدلانية، والاستثمارات المستقبلية يجب أن تركز على إنتاج الأدوية التي يتم استيرادها وغائبة عن مصانعنا.
ونجد التشبع في قطاع الصناعة التحويلية للمواد الغذائية، حيث تمتلك الجزائر مركبات ضخمة ورائدة في القارة الإفريقية، تختص في صناعة العجائن والمشروبات والأجبان، ورغم أنّ الصناعة الكهرومنزلية والالكترونية قطعت أشواطا متقدّمة، على غرار المنطقة الصناعية لولاية برج بوعريريج، لكن يمكن عن طريق تحويل التكنولوجيا، تحسين وتنويع المنتوج سواء الموجه للاستهلاك المحلي أو للتصدير. والرّهان الحالي سيكون حول تطوير الصناعة الميكانيكية على ضوء مشروع طرح ثلاثة دفاتر شروط، لإقامة صناعة ميكانيكية متينة يبدأ فيها الاندماج من نسبة 30 بالمائة، ثم يشترط بعد مرحلة الانطلاق أن يرتفع بنسبة 10 بالمائة، وبعد سنتين أو ثلاثة يرتفع بنسبة 10 بالمائة، وهذا من شأنه أن يشجّع نشاط شركات المناولة وبروز أخرى عندما يكون السوق مفتوحا على النشاط.
وفي الشق المتعلق بالسياحة، فإن الاستثمار ينبغي أن يكون وفق المعايير المعمول بها عالميا، حتى يتسنى للمستثمرين مواكبة المنافسة الشرسة في الأاسواق الخارجية، ولاشك أنّ وجهة الجزائر على تنوّع مواردها السياحية، ستكون مغرية إذا تمّ الترويج لها بطريقة صحيحة، يبقى فقط تجاوز بعض النقائص التي تؤدّي للاختلال ونفور الزبائن، مثل تحسين خدمات الإيواء والإطعام وتوفير شبابيك صرف، فلا يعقل التعويل على السياحة كمصدر يستحدث الثروة ويجلب العملة الصعبة، في ظل استمرار نشاط وحركية السوق الموازية للعملة.
إذا أصحاب المقاولات والمؤسّسات الصّغيرة والمتوسّطة وجها لوجه مع المنافسة لترقية ما يطرح من منتوج بكلفة مقبولة، والالتزام بمعايير التسيير الحديثة التي وحدها تمكّن من تجاوز الأزمات، وكذا الاستناد إلى الكفاءات والاستنجاد بالمبتكرين.