صرخات جزائريين بالخارج بعد 8 أشهر من غلق الحدود

عالقون يموتون في المنفى وأهاليهم يودّعونهم بـ«المسنجر»

استطلاع: هيام لعيون

«مات أبي ولم أشيّعه إلى مثواه الأخير. تطلّقت بسبب المشاكل والضغوط وحاليا إنهرت نفسيا، أنا عالقة في الخارج من دون وثائق، المستقبل الدراسي لأولادي ضائع، افتحوا الحدود لنا أرجوكم، كل العالم «مفتوح» إلا الجزائر، أصبحنا نلجأ إلى تونس للوصول إلى بلادنا، لماذا؟.. ماذا يحدث؟ لماذا نحن فقط من دون الجنسيات الأخرى؟»...
هذه صرخات مغتربين جزائريين وعالقين في المهجر، بعد قرار السلطات العليا في البلاد، وقف حركة النقل الجوي منذ مارس 2020، في إطار الإجراءات الاحترازية المتخذة لحماية الوطن من انتشار فيروس «كوفيد-19» بطريقة يصعب السيطرة عليه.

«كل الآهات واحدة وكل القصص واحدة تتجلى في حرماننا من العودة إلى وطننا وإلى أحضان أسرنا وأولادنا وأهالينا ودفن موتانا»، هذه واحدة من آهات أحد المغتربين وصلتنا تلخص عمق مأساة المهاجرين والعالقين في الضفة الأخرى، رصدها استطلاع لـ «الشعب» مع المهاجرين والعالقين بسبب غلق الحدود، لخّصت هذه الصرخة كل معاناتهم التي اخترقت الحدود.
ونحن نستمع إليهم عن طريق الهاتف وفي رسائل صوتية وفي تعليقاتهم التي لم تتوقف بمجرد أننا وضعنا منشورا على الصفحات الخاصة بالمغتربين، يتعلق بتجاربهم مع «الغلق»، فصدحت أصوات تحمل الكثير من القصص والروايات الأليمة الممزوجة بالدموع والألم والقهر، طيلة 8 أشهر ماضية، منذ أن قررت السلطات العليا غلق الحدود الجوية والبحرية، فيما أبقت على استثناءات إجلاء جثث الجزائريين سواء كانت تحمل فيروس كوفيد-19 اللعين، أو كانت جثث عبثت بها مختلف الأمراض.

شهادات من عمق المأساة

تقول فاطمة زهراء، المقيمة في مرسيليا، «ماذا أروي لكم وماذا عساي أقول. تعرضت لمشاكل كبيرة مع زوجي، حيث وصلت مشاكلنا إلى مقار الشرطة هناك بسبب الإعتداء عليّ ضرباً، وأنا هنا من دون أهل ولا أقارب، قاربت الجنون وأصبحت مدمنة على المهدئات، وبالرغم من ذلك لم أجد بدا سوى مواصلة المعركة ليومنا هذا، لمحاولة إعادة ترتيب البيت من جديد لكن هيهات، هيهات... لازالت المشاكل تلاحقني، فلو كانت الحدود مفتوحة لحملت حقيبتي وسافرت إلى أهلي في الجزائر. وما زاد من لهيب ما أعيشه، أنني أخفيت الأمر عن أهلي خوفا من القلق الذي قد أسببه لهم... يارب فرج علينا»، اختتمت فاطمة كلامها بهذا الدعاء.
ليفتح السيد «م.ر»، أحد الجزائريين نقلا عن معاناة والده المقيم في باريس، جراحه قائلا: «تجربتي كانت مأساوية، فغلق الحدود دفع ثمنه «بابا لعزيز»... أبي غادرنا في 2 ديسمبر 2019 إلى فرنسا من اجل العلاج وكان يمنّي النفس بالعودة إلى أرض الوطن، لكن هيهات وأقسم بالله العظيم أنه كان لا يملّ من السؤال عن فتح الحدود وجوابي كان دائما: «مابان حتى خبر يا بابا»، إلى أن قرر أبي دخول أرض الوطن وقالها بالحرف الواحد الأسبوع المقبل، سأنزل الى أرض أجدادي، حتى وصل الأمر به إلى حزم كل حقائبه... نعم أبي كان عند وعده ودخل أرض الوطن يوم 1 نوفمبر 2020 في رحلة خاصة وبدون جواز سفر، فقد حُمِل على متن صندوق حفظ الجثث، وكان الموت تأشيرته الوحيدة للعودة، رفقة 37 صندوقا آخر... ربي يرحمك بابا لعزيز ويعوضك عن غربتك جنة الخلود إن شاء الله».
وبالدموع المنهمرة تقول السيدة «م.م» وهي تتحدث إلينا، «تسعة شهور وأمي مريضة بسرطان المعدة، تبكي ليل نهار تريد رؤيتي أنا وأولادي الصغار، وبعد سباق ماراطوني مع الزمن وأنا أطوف في كل مكان وأتحدث مع أي مسؤول لمساعدتي لكن دون جدوى... اليوم توفيت أمي، ماتت مسكينة ولآخر لحظة وهي تحدّق فينا من وراء البحار... وبعد أن نزلت آخر دمعة من عينها انتقلت الروح إلى بارئها. والله موقف دمرني، شاهدت موت أمي واحتضارها عبر تقنية «المسنجر» فقط. وبالرغم من أنني قصدت القنصلية هنا، إلا أنهم أخبروني أن ما بيدهم من حيلة. مع العلم كل إخوتي صغار وأنا متكفلة بهم وحتى أبي متوفي أيضا، وقد تركت عملي في الجزائر معلقا مند شهور... بالله عليكم أخبروني ماذا أفعل».

للصبر حدود

وتقول السيدة «م.ع»: أنا زوجي العالق لأكثر من عام في فرنسا، وهو في الأصل يعمل هناك وكان يحضر معظم المناسبات الدينية والعائلية، وكان ينزل الى الجزائر كل 3 أشهر، أصبح اليوم أصغر أبنائي يتهرب من الحديث مع والده في الهاتف والآخرون يسألون عن موعد عودته ويعبرون لي عن مدى اشتياقهم إليه. تخيلوا القهر واليأس الذي أصبحت أتحمّله وحيدة بخمسة أولاد في ظل ظروف هذا الغلق والحجر، تعب نفسي وجسدي كبير».
معاناة أخرى يرويها المغترب بإسبانيا محمد بوجمعة قائلا: «كنت صابرا محتسبا أمري الى الله وأمنّي النفسَ يوميا بفتح الحدود، لكن والله العظيم اتصلوا بي أول أمس وأخبروني بوفاة عمي، ليخبروني لاحقا أن الوالدة مريضه.. ربي يجيب الخير برك».
ويقول «مراد.س»، المقيم بليون الفرنسية، «توفي والدي - رحمة الله عليه - ولم أره ولا زالت الحرقة في قلبي والله المستعان».
أما السيد «ب.ب» فيخبرنا أن معاناته لا تتوقف بسبب أنه أضحى ضحية سماسرة المال بليبيا، يعيدونه بنقله إلى الجزائر، لكن بعد أخذ الأموال يختفون في ليبيا. وبعد أن سدت السبل بليبيا، لجأت الى القنصلية الجزائرية بتونس، لكنهم أخبروني أنني لا أملك بطاقة قنصلية، ولابد من الحصول على ورقة عبور ووو.. لقد تُهت هنا وليس لدي المشرب والمأكل أنا ضائع في ليبيا... أنقذونا».

جزائريون... يعانون في صمت

أما معاناة الجزائريين هنا في افتقاد أهاليهم في الضفة الأخرى، فلا تقل مأساة، حيث تخبرنا السيدة «ش.أ»، أن والدها دخل غرفة الإنعاش بنيس الفرنسية، وقد قصد فرنسا السنة الماضية من أجل موعده الطبي، فوجد نفسه عالقا هناك لقرابة سنة كاملة، ولولا الأطباء المعالجين الذين كانوا يتحدثون إلينا عبر «الفايبر» وتشغيل الكاميرا لرؤية أبي يرقد في غيبوبته لجنّ جنوننا. والحمد لله، اليوم خرج من دائرة الخطر، لكنه لايزال تحت العناية المشددة للأطباء هناك». طبقا لها.
كما تروي لنا سيدات جزائريات معاناتهن مع أزواجهن العالقين بديار الغربة. فمنهم من كان في مهمة عمل ووجد نفسه محاصرا هناك، ومنهم من كان في تجارة أو حتى للتداوي.
يروي لنا «حسين.ع»، أحد المهاجرين انه شاهِدٌ على معاناة الكثير من الجزائريين. زوجان قصدا باريس للعلاج من أجل إنجاب الأولاد، ولم يعودا. ولولا أنني أملك شقة منحتهما إياها للاحتماء من الشارع، لكان مصيرهما قسوة الشارع في ديار الغربة، خاصة مع حلول الأيام الباردة بفرنسا.

تونس... آخر الحلول

الكثير من الجزائريين لجأوا إلى السفر إلى تونس للولوج خلسة الى أرض الوطن، مخاطرين بكل شيء، أولها أنها طريقة غير قانونية، حيث يقول السيد «ع.ب» أنا اليوم في الجزائر بعد ان استقللت طائرة تونسية من أجل رؤية إبنتي التي ولدت ماي الماضي. المهم أنني في أرض الوطن وبعدها لا يهمني».
وتقول السيدة ت.ي، «زوجي عالق بكندا منذ 10 أشهر تقريبا، وأنا هنا في الجزائر يتيمة الأبوين ومن دون أطفال وليس لديّ مدخول مالي، حتى أصبحت أستدين المال من هنا وهناك وكثرت المشاكل بيني وبين زوجي العالق هناك وجفت القلوب أيضا، وحدثت بيننا مشاكل كبيرة.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19473

العدد 19473

السبت 18 ماي 2024
العدد 19472

العدد 19472

الجمعة 17 ماي 2024
العدد 19471

العدد 19471

الأربعاء 15 ماي 2024
العدد 19470

العدد 19470

الثلاثاء 14 ماي 2024