أرقام الإصابات بفيروس كورونا تنزل إلى النصف

شبح الموت يطارد الجزائريين رغم تراجع عدد الإصابات

فتيحة كلواز

 مواطنـون حائرون بين التهـوين والتهــويل

 التراخي أول خطوة يتقدم بها الفيروس نحو ضحاياه

يعرف عدد الإصابات الجديدة بكوفيد-19 تراجعا ملحوظا، أبعد عن أذهان الكثيرين شبح «الموت» والعدوى، بالرغم من أن انخفاض العدد لا يعني أبدا القضاء على الوباء. معركة حقيقية يخوضها الساهرون على تطبيق الإجراءات الوقائية والتدابير الاحترازية على ارض الواقع لإرغام المتهاونين والمتراخين على احترامها والالتزام بها.
سألت «الشعب» المواطنين عن واقع التزامهم بالإجراءات الوقائية والتدابير الاحترازية على ضوء انخفاض عدد الإصابات الجديدة، بعد ان تجاوزت في الأسابيع السابقة عتبة الألف إصابة في 24 ساعة، وهو ما تطلب اتخاذ إجراءات أكثر صرامة ومشددة من طرف الحكومة.

شجارات يومية من أجل ارتداء الكمامة؟؟

ربط محمد صوغيلي، سائق حافلة لنقل المسافرين، احترام المواطنين لإجراءات الوقاية بمنحنى عدد الإصابات، حيث قال: «منذ عودة نشاط نقل المسافرين بعد الحجر الكلي، دخلنا في شجارات يومية مع المسافرين، الذين غالبا ما يرفضون الالتزام بارتداء القناع الواقي رغم وجود لافتة تؤكد إجباريته، حيث يتحجج بعضهم بالقول إنهم أحرار أو أنهم لا يؤمنون بالمرض، او انهم في سن تسمح لهم بمقاومته، الأمر الذي جعلني وزميلي القابض في كثير من الأحيان نصر على ارتدائها لدرجة منع المتعنتين من ركوب الحافلة، وفي نهاية معركتنا مع المسافرين نجد أنفسنا أمام مسافر يضع الكمامة لذقنه او يرتديها بالطريقة الخاطئة، ما يجعلها لا تؤدي دورها الصحي في الحد من العدوى.
لكن ومنذ ارتفاع عدد الإصابات الى 1000 إصابة او يزيد في اليوم الواحد لمسنا التزاما كليا بارتدائها، حيث كان الخوف مسيطرا على الجميع دون استثناء».
واستطرد محمد قائلا لـ»الشعب»، إن الأسبوع الأخير وبمجرد تراجع العدد من الآلاف إلى المئات، تراخى المسافرون في ارتداء القناع الواقي وعاد إلى نقطة الصفر، ووجد نفسه بين عقوبة الحجز على الحافلة وغرامة مالية تقدر بـ5 آلاف دج من طرف الشرطة أو الدرك الوطني في حالة عدم ارتداء المسافرين للقناع الواقي، وبين مسافر يرفض تطبيق الإجراءات الوقائية وكأنه خارج سلسلة العدوى.
وقالت سليمة. س -بائعة- في هذا الصدد، إن المواطنين غالبا ما يعتبرون التزامهم بالإجراءات الوقائية ضعفا او استسلاما غير مبرر لمرض يَرَونه مجرد نزلة برد، رغم التحذيرات العالمية للأخصائيين والأطباء من شراسة هذا الفيروس. لكن العقلية الجزائرية تلاعبت بالجائحة العالمية ونزعت على الفيروس الشرس «تاجه» وحولته الى مجرد «نزلة برد» يقتل فقط المسنين، وصرحت «الانانية التي أجدها عند بعض الزبائن تجعلني أصاب بصدمة كبيرة، لأن الفيروس حتى وإن كان حقيقة يصيب أو يقتل فئة عمرية معينة لا يجب أن نكون سببا في إصابتهم، أو نجعل من أنفسنا الناقل السلبي للعدوى».
وأكدت سليمة في هذا الصدد: «أصيب والدي بالعدوى بعد استهتار أخي وتراخيه في التقيد بالإجراءات الوقائية. وصل والدي إلى حالة حرجة من المرض كانت حياته في الأخير ثمنا غاليا دفعه أخي. أتذكر والدتي عندما علمت بالأمر طردته من المنزل واتهمته بقتل والدي وقالت إنها لن تسامحه، خاصة وان والدي كان يعاني انسداد الشرايين والقصور الكلوي، كان الأمر بالنسبة لنا كارثة حقيقية، لأن الصدمة النفسية التي أصيب بها أخي كبيرة لدرجة وصوله إلى مرحلة الانهيار العصبي».
وأضافت قائلة: «لابد من إدراك الجميع ان الوباء خطير ولا أحد خارج دائرة العدوى. على الجزائري ان يعي ان منحنى الإصابات لا يعبر عن درجة التراخي او الالتزام بتدابير الوقائية، فبلدانا وصلت الى صفر إصابة في اليوم الواحد في اقل من شهر تضاعفت الإصابات فيها ثلاث مرات ووصلت الى عشرات الالاف».
أما فلة بن تواتي، ماكثة بالبيت، فصرحت في حديثها لـ «الشعب»: «منذ مارس الماضي ونحن نعيش حالة استثنائية لم نعرفها من قبل. فالعدو الذي يتربص بكل واحد منا مجهول وغير مرئي، مست أثاره كل جوانب الحياة وليس الجانب الصحي فقط، وأصبح الانسان مجبرا على أخذ احتياطاته حتى من اقرب الناس إليه خوفا من العدوى، هو الفيروس الذي أصبح المبرر القوي للابتعاد عن الآخر، حتى أفراحنا وأحزاننا لم تعد نفسها، كل تفاصيل الحياة تغيرت وأصبحت تتبع نظاما جديدا لم نعرفه من قبل، رغم صعوبته تعودنا عليه لكن بقي البعض يراهن على رعونته لإثبات ان الوباء ليس بتلك الخطورة، كما يدعي البعض».
وترى فلة أن منحنى الإصابات الجديدة لكوفيد-19 هو المتحكم الأول بالتزام المواطن بالإجراءات الوقائية والتدابير الاحترازية، حيث لاحظت انه وبمجرد انخفاض العدد او تراجعه، يتخلى الكثير من المواطنين عن الحذر والوقاية، ورغم ان الإصابات وصلت الألف، الا ان تراجعها جعل الإجراءات الوقائية حبيسة «بورصة» منحنى يراهن الكثيرون على عودته الى نقطة الصفر.

غياب الثقافة الصحية

في السياق نفسه، أوضح موسى زرقاوي، ممرض بإحدى العيادات الخاصة، أن المواطن الجزائري تعود الهلع عند ارتفاع الإصابات والتراخي عند تراجعها، ما يعكس فهمه الخاص للأزمة الصحية الاستثنائية التي تعيشها الجزائر، على غرار باقي دول العالم، فلا يمكن لوباء قتل أكثر من مليون شخص في العالم وأصاب أكثر من 71 مليون شخص في عشرة أشهر، أن يوضع في خانة نزلة برد تعالجها أعشاب ووصفات تقليدية.
وأضاف المتحدث، أن الوباء أبان عن غياب ثقافة صحية لدى الجزائري بسبب خلطه بين ما هو طبي وما هو طب بديل وما هو مجرد شعوذة، فلا يعقل أن نجد من يؤمن بوجود علاج سحري للفيروس التاجي، رغم عجز أكبر المخابر الدولية عن أيجاده، لابد من إعادة النظر في الطريقة الأمثل التي يصبح بها ملمّا بالأمور الطبية والصحية على الأقل الحد الأدنى منها.
وفي الإطار نفسه، كشفت المختصة في التخدير نصيرة شرقي، أن الوضع الوبائي في الجزائر يحتاج الى صرامة أكبر في تطبيق العقوبات والغرامات، المنجرة عن عدم احترام الإجراءات الوقائية والتدابير الاحترازية، بسبب التراخي الذي نلاحظه من المواطنين الذين أصبحوا يرتدون القناع الواقي من اجل ابعاد سلطة القانون، فلا يمكن ان يكون القناع الواقي عند البعض مجرد وسيلة لتفادي توقيف الشرطة او الحجز او الغرامات المالية.
وأكدت، انه بالرغم من الاحترام الكبير للإجراءات الوقائية في الأسابيع السابقة، عرفت الأيام الأخيرة عودة ظاهرة التراخي والاستهتار وسط المواطنين الذين جعلوا من عدد الإصابات المقياس الذي يحددون وفقه مدى التزامهم بالإجراءات الوقائية. فرغم كل التوصيات التي يقدمها الأطباء بوجوب احترامها حتى وان انخفضت حالات الإصابة، إلا أن الجزائري لا يرى في 400 إصابة في اليوم الواحد خطرا او تهديدا للصحة العامة.
الازدواجية التي يعيشها الجزائري تجعله غير ملم بالآثار الوخيمة لهذه الجائحة التي ستكشف الأيام القادمة الكثير من أسرارها.
وصرحت شرقي، أن عدد مرضى كوفيد-19 في المستشفيات في انخفاض، لكن لا يعني ذلك العودة الى حالة اللامبالاة والاستهتار، لأن الجزائر وكباقي دول العالم لا تملك حلا ناجعا للأزمة الصحية سوى الإجراءات الوقائية والتدابير الاحترازية، لذلك حتى وان اختار المواطن التراخي لابد من الإبقاء على صرامة القانون. فالردع يكون السبيل الوحيد لإجبار الجميع على الالتزام بالوقاية خاصة التباعد الجسدي وارتداء القناع الواقي.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19813

العدد 19813

الخميس 03 جويلية 2025
العدد 19812

العدد 19812

الأربعاء 02 جويلية 2025
العدد 19811

العدد 19811

الثلاثاء 01 جويلية 2025
العدد 19810

العدد 19810

الإثنين 30 جوان 2025