تعرف القوائم الحرة أو المستقلة للانتخابات التشريعية حجا من طرف الراغبين في دخول معترك الموعد الانتخابي لـ 12 جوان المقبل، ما يعكس تحولا جذريا في خيارات الباحثين لولوج عالم الممارسة السياسية، ليكون التموقع تحت قبعة حزب معين الرقم الأخير في قائمة الخيارات التي يملكها المهتمون بالترشح.
المتتبع للشأن السياسي في الجزائر يجد أن القوائم الحرّة تلقى إقبالا كبيرا من كل من يرى نفسه مؤهلا ليكون نائبا برلمانيا لتكون مفتاحه لدخول الانتخابات التشريعية القادمة وقبة البرلمان، بعدما كانت الأحزاب السياسية الطريق الأقصر والأقرب لدخول الحياة السياسية، تحوّل كبير في نظرة المجتمع للممارسة السياسية بعيدا عن القالب الحزبي لهذا النشاط.
تراكمات العشرين سنة السابقة من تمييع العمل السياسي أفقد المواطن والمجتمع بصفة عامة ثقته في مختلف التشكيلات السياسية، فعلى اختلاف توجهاتها وإيديولوجياتها فشلت في السنتين الأخيرتين وضع بصمة فارقة في الحياة السياسية للجزائريين، ولعلّ إقبال الدولة على المجتمع المدني بجعله الوسيط الفاعل بين السلطة والمجتمع، يعطي صورة واضحة عن المكانة التي تحتلها الأحزاب في الحياة السياسية اليوم.
حملات التمييع التي مورست طوال الفترة الماضية على الممارسة السياسية بتزاوج غير شرعي بين المال والسياسة، اختصرتها كلمتين «ولاء» و»معارضة» يعمل أصحابها على التموقع في الخارطة السياسية لتحقيق مآرب شخصية وضيقة بعيدة كل البعد عن الصالح العام، وقد كان للمواطن أحداث كثيرة على مدار كل تلك السنوات كانت خاتمتها «الكادنة».
اختيار القائمة الحرّة كوسيلة لولوج الحياة السياسية تعبير واضح عن ردّة فعل مختلف الشرائح الاجتماعية تجاه الأحزاب السياسية، لأنها فشلت في مهمة الوقوف في وجه الفساد ولو بممارسة المهام المنوطة بها من خلال مناضليها المتواجدين في الهيئات التشريعية والتنفيذية، ولعلّ تورّط بعض الرموز الحزبية في قضايا فساد كان النقطة الفاصلة في تفضيل الراغبين في الممارسة السياسية الديمقراطية للقوائم الحرّة هروبا من أي شبهة فساد.
التغيير إذاً معادلة يتجاوز الفاعلين فيها حسابات المصلحة الشخصية الى تحقيق المصلحة العامة بأن يكون المواطن طرفا حاسما فيها، من خلال تجاوزه أحد أهم معوّقات الممارسة السياسية في الجزائر باكتسابه ثقافة سياسية تمكنه من الاختيار بعيدا عن الاستمالة والخضوع أو البقاء على الهامش، مكتفيا بدور المتلقي فقط، بالرغم من كونه الورقة الرابحة لأي راغب في ممارسة السياسة.