مواقفنـا تستمد قوتهـا من ثوابــت تاريخيـة لا تقبـل الدحـض أو التدليس
نحمـل صـوت إفريقيــا والأمــة العربيـة بمجلـس الأمـن
فلسطـين أولوية الأولويات.. وقضية الصحراء الغربية قضية تصفية استعمــار
التحضير للقمة الثالثـة بــين الجزائــر وتونــس وليبيــا بطرابلــس مطلـع السنـة
أكد وزير الدولة، وزير الشؤون الخارجية والجالية الوطنية والشؤون الإفريقية، أحمد عطاف، أن عام 2024 كان عنوانا لتقوية انتشار الدبلوماسية الجزائرية على الصعيدين الدولي والإقليمي. وجدد التمسك بوضع القضية الفلسطينية على رأس أولويات الجزائر داخل مجلس الأمن الدولي، مفيدا بإسداء رئيس الجمهورية توجيهات سمحت بالتكيف مع التحولات على الساحة الدولية والدفاع عن مصالح البلاد.
كشف أحمد عطاف، أمس، عن برمجة الجزائر، لبندين رئيسيين، خلال فترة رئاستها لمجلس الأمن الدولي، والتي ستنطلق غدا وتدوم شهرا كاملا. وجدد التزامها بمحددات عهدتها غير الدائمة في الدفاع عن القضايا العربية والإفريقية والمساهمة في حل المشاكل المطروحة على الهيئة الأممية.
وكان عطاف يتحدث، في ندوة صحفية، بمقر وزارة الشؤون الخارجية، استعرض فيها حصيلة عام كامل من النشاط الدبلوماسي على الصعيدين الثنائي والمتعدد، خلال 2024. أين حققت الجزائر إسهامات نوعية في جميع فضاءات انتمائها العربية والإفريقية والمتوسطية وخارجها، حيث لعبت دورا نشطا في الدفع نحو حل القضايا الدولية المطروحة على طاولة مجلس الأمن الدولي.
وقال وزير الدولة، وزير الشؤون الخارجية، إن الجزائر حضرت بندين، هما تنظيم اجتماع وزاري بمجلس الأمن لمناقشة القضية الفلسطينية بصفة خاصة والأوضاع في الشرق الأوسط بصفة عامة، وأيضا تنظيم اجتماع وزاري حول مكافحة الإرهاب في إفريقيا.
وأوضح، أن دليل دبلوماسيينا بمجلس الأمن الدولي، هو “التعليمات الواضحة لرئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، والتي كانت ولاتزال تشكل خارطة طريق لعهدة الجزائر بمجلس الأمن”.
القضية الفلسطينية.. أولوية الأولويات
ووفق هذا التوجه، أكد الوزير مواصلة وضع القضية الفلسطينية كأولوية الأولويات في عمل البعثة الجزائرية، عبر الدفاع باتجاه وقف إطلاق النار ورفع الحصانة عن الكيان الصهيوني، والعمل المستمر على حصول فلسطين على عضويتها الكاملة بالأمم المتحدة.
وذكر أن حرص الجزائر على تمكين فلسطين من صفة العضو الكامل، نابع من الحرص على تجسيد هذا الهدف ومن ثمة الذهاب إلى المفاوضات مع الكيان الصهيوني، لأن هذا الأخير “تراجع عن مبدإ الأرض مقابل السلام، وأصبح يعمل على مبدإ السلام مقابل السلام دون إعادة الأراضي التي يحتلها أو القبول بقيام دولة فلسطين المستقلة”.
وأشار الوزير، إلى بعض منجزات الدبلوماسية الجزائرية، منذ انضمامها لمجلس الأمن، حيث يحسب لها أنها تقدمت بعديد مشاريع القرارات والبيانات لكبح جماح العدوان الصهيوني على غزة. كما سعت لحشد مزيد من الدعم للقضية الفلسطينية، وإعادة طرح ملف العضوية الكاملة لفلسطين. وتحركت أيضا عقب اتساع العدوان على غزة ليشمل لبنان، سوريا، اليمن وإيران.
وبخصوص طرح ملف مكافحة الإرهاب في القارة الإفريقية، على مجلس الأمن، شهر جانفي، فأوضح عطاف أن هذه الآفة باتت التهديد الأكبر للقارة الإفريقية، ناهيك عن كون رئيس الجمهورية منسقا للاتحاد الإفريقي بشأن مكافحة الإرهاب. مفيدا بطرح بند ثالث يتعلق بتعزيز التعاون بين جامعة الدول العربية والأمم المتحدة.
سوريـا.. نتابـع عـن قـرب
عطاف وفي رده على الأسئلة المتعلقة بتطورات الوضع في سوريا، قدم رؤية الجزائر للأحداث في هذا البلد الشقيق والقائمة على المبادئ التأسيسية للسياسة الخارجية الجزائرية منذ فجر الاستقلال والقائمة “على الاعتراف بالدول وليس بالحكومات”، قائلا إن هذه المحددات لطالما سهلت مهمة الأجيال المتعاقبة للدبلوماسيين الجزائريين.
وأكد عطاف، أن السفارة الجزائرية في سوريا، تواصل عملها بصفة عادية “ولها كل الاتصالات التي تقوم بها”. مفيدا بأن صلب الموضوع هو مستقبل سوريا، والذي يجب أن يبنى على 3 ركائز هي، أن “سوريا تسع الجميع ويشارك في وضع مستقبلها الجميع، الحرمة الترابية لها ووحدتها الترابية وأن تكون الأمم المتحدة الإطار الأفضل للإشراف على أي حوار يمكن أن ينجزه الفرقاء السوريون من أجل صنع مستقبل بلادهم”.
وأضاف عطاف، بأن سوريا باتت تتصدر أولويات الجزائر في الوقت الراهن، إذ “تتابع عن قرب تطورات الأوضاع هناك”، معتبرا أنه من السابق لأوانه الجزم “بأي تحليل أو تنبؤ بتطورات الأوضاع في سوريا، حيث الجميع في حالة ترقب”.
وتابع بأن “كل الاتصالات التي يجريها مع الأشقاء العرب والأصدقاء الأوروبيين، بشأن سوريا، تطرح فيها أسئلة أكثر من الأجوبة”، وأكد أن الأهم يظل بناء إجماع دولي حول ما يمكن القيام به لمساعدة كل السوريين على المشاركة في إخراج بلادهم من الوضع الحالي.
وكشف، عن وجود إجماع حول خيار اضطلاع الأمم المتحدة بقيادة حوار أو محادثات لمعالجة الملف السوري، معلنا عن وجود تخوفات لكثير من الدول من مسألة عودة الإرهابيين إلى بلدانهم، حيث يقدر عددهم بالآلاف، ويجري العمل على وضع آليات للتعامل مع الملف على مستوى أممي.
إفريقيـا.. ملفـات حساسة
عطاف، عاد خلال ذات الندوة الصحفية، إلى جولته الأخيرة لعديد من البلدان الإفريقية، بصفته مبعوثا خاصا لرئيس الجمهورية وحامل رسائله لقادة هذه البلدان، كاشفا أنها انصبت على العلاقات الثنائية وحرص الجزائر على توطيدها وتعزيز التفاعل بينها وبين هذه الدول.
وإلى جانب طلب دعم هذه البلدان، لمرشحة الجزائر السفيرة سلمة مليكة حدادي، لمنصب نائب رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي، فقد تم تناول ملفات حساسة أراد رئيس الجمهورية التشاور بشأنها مع نظرائه الأفارقة. وأفاد عطاف، بأن الانتخابات المقبلة في الاتحاد الإفريقي، ليست طريقا معبدا، حيث سيحسم الاقتراع بأغلبية الثلثين وليس بالأغلبية النسبية، وأكد توفير كل الظروف التي تسمح “لمرشحة الجزائر بنيل منصب نائب رئيس المفوضية والذي سيكون هو الآخر محل تصويت”.
ومن بين الملفات التي راسل الرئيس تبون نظراءه بشأنها، ملف توسيع التواجد الإفريقي بمجلس الأمن الدولي، وقال: “إن هناك توافقا مبدئيا على أحقية القارة بمقعدين دائمين بالمجلس وإضافة مقعدين غير دائمين (تصبح 5 مقاعد غير دائمة)، ولهذا لابد من فتح نقاش بين الأفارقة حول آليات الوصول لهذا التمثيل”.
وأضاف عطاف، أن عضوية إفريقيا في مجموعة 20 ومطلبها بالتواجد في الهيئات المالية العالمية، مثل صندوق النقد الدولي وكذا سيطرة الاتحاد الإفريقي على بعثات حفظ السلام في القارة الإفريقية، تتطلب مشاورات لتقديم آليات وتصورات حول هذه الملفات. ولهذا –يضيف عطاف- يحتاج الاتحاد الإفريقي إلى مفوضية قارية قوية، تقدم للبلدان مقترحات وتصورات ومواقف وأجوبة، بشأن التمثيل الخارجي للقارة، ما يزيد من أهمية الانتخابات المقبلة لتجديد قيادة المفوضية القارية.
نحن مهنيون نتحرك بناء على مصالح الدولة
بخصوص التوترات في الساحل الإفريقي، تطرق وزير الدولة، وزير الشؤون الخارجية والجالية الوطنية بالخارج والشؤون الإفريقية، لأول مرة، للدور الروسي في المنطقة، وقبل أن يفصل في الموضوع، قال عطاف: “نحن مهنيون، نتحرك بناء على مصالح الدولة الجزائرية، نقيم ونعالج.. وقيمنا وعالجنا مصالحنا”. ليكشف عن استحداث آلية مع “الأصدقاء الروس لها طابع مؤسساتي، تجتمع كل 3 أشهر، لتقييم الأوضاع وعرض التصورات والانشغالات ومعالجة المواضيع”.
وأكد أنه “وبعد 4 لقاءات أثبت هذه الآلية جدواها ومكنت من التقدم في معالجة الملفات”. أما عن مضمون اللقاءات، فأفاد الوزير بأن الطرف الجزائري “أقنع الطرف الروسي، بما تعتبره بلادنا بديهيات في التعامل مع ملف الساحل الإفريقي، وهو الحل السلمي والوساطة”.
وقال: “أقنعناهم بأن الحل العسكري غير ممكن، لأنه جرب في الماضي وفشل”. وذكر بقيام الجزائر تاريخيا بـ8 وساطات في المنطقة، 4 لصالح “الأشقاء في النيجر” و4 لصالح “الأشقاء في مالي”.
وكان موقف الجزائر واضحا، من محاولة تصنيف بماكو للحركات السياسية في الشمال كعصابات إرهابية، “لأن هذه الحركات معترف بها من قبل مجلس الأمن كطرف موقع على اتفاق الجزائر للسلم والمصالحة، ولا يمكن أن تحول بين عشية وضحاها إلى تنظيمات إرهابية”. وأضاف عطاف، “من الخطإ، فعل ذلك، لأنها جماعات سيتم التفاوض معها في المستقبل، لأن الوساطة قادمة، طال الزمن أو قصر، ولابد من أخذ العبرة من التاريخ”.
وكشف أن الجزائر سنة 2014، وقبل قيادتها لآخر عملية وساطة بين الماليين، طلب منها القيام بذلك سنة 2013، قبل أن تتراجع بماكو وتذهب بالوساطة نحو بلد آخر، “لكنها عادت إلينا فيما بعد، وقبلنا وكان هناك اتفاق للسلم والمصالحة”.
دور متنـــامٍ لوكالـــة التعـاون الدولي
كما أكد عطاف الدور المتنامي للوكالة الجزائرية للتعاون الدولي من أجل التضامن الدولي والتنمية في إفريقيا، من خلال مباشرتها لعدد من المشاريع في البلدان الإفريقية. وأعلن أنها بصدد إنجاز 4 مشاريع بدولة النيجر، كما تشرف على بناء الطريق الاستراتيجي بين تندوف والزويرات الموريتانية على مسافة 850 كلم (أكبر مشروع لها حاليا)، إلى جانب مشاريع في كل من الموزمبيق، أوغندا وتنزانيا.
وكشف الوزير، عن وجود طلبات عديدة لبلدان إفريقية تصل رئيس الجمهورية، تريد دعم الجزائر بالخبرات في مجال الطب والطاقة، وهو ما ستضطلع به الوكالة الجزائرية للتعاون الدولي.
الصحراء الغربية.. والتدليس المغربي
وزير الخارجية، أكد أن مقترح الحكم الذاتي، مصدره فرنسا، مثلما تحدث رئيس الجمهورية، في خطابه للأمة، لافتا إلى أنه أريد به قطع الطريق على تنظيم الاستفتاء لتقرير المصير، عبر ربح الوقت ومحاولة إقناع المجتمع الدولي بالاحتلال كأمر واقع.
وأوضح، أن نية المغرب “ليس التوصل إلى حل للنزاع، وإنما اتخذ من خرافة الحكم الذاتي مطية لإقناع الأطراف الدولية باحتلاله للصحراء الغربية، ولو كان جادا لطرحه على الخصم المتمثل في الجمهورية العربية الصحراوية، لكنه لم يفعل، رغم أن المقترح الفرنسي طرح لأول مرة سنة 2007”.
وعلى هذا الأساس –يقول عطاف- “يستمد الموقف الجزائري قوته من ثوابت تاريخية لا تقبل الدحض أو التدليس. قضية الصحراء الغربية تصفية استعمار لم يكتمل مسارها، وبكون الشعب الصحراوي مؤهلا لممارسة حقه في تقرير المصير وأن التواجد المغربي في الأراضي الصحراوية احتلال دخيل مكتمل الأركان”.
وأكد عطاف، أن عمل الجزائر على تقوية علاقات حسن الجوار، كللت بقبول مبادرة الجزائر باستحداث آلية للتشاور والتنسيق مع كل من تونس وليبيا، معلنا عن التحضير للقمة الثالثة بالعاصمة الليبية طرابلس، مطلع السنة المقبلة.
وبخصوص الوضع في ليبيا، أكد الوزير وجود عراقيل تعيق تعيين مبعوث أممي جديد إلى هذا البلد، بفعل الخلافات التي تنشب بين بعض الأطراف المتصارعة على الملف الليبي، مشيرا إلى أن مسألة الجهة التي ينبغي عليها أن تنظم انتخابات عامة “تمثل مأزقا ومحل خلاف يجري العمل على تجاوزه على مستوى الأمم المتحدة”.