فرنسا.. الخاسر الأكبر من مراجعـة اتفـاق الشراكة
الاتفـاق تضمن بنـودا مجحفـة تصـب في مصلحة الاتحاد على حسـاب بلادنــا
على الأوروبيين أن يفهموا بأن الجزائر لم تعد سوقا للمنتجات غير المطابقة للمعايير
أكد خبراء اقتصاديون أن اتفاق الشراكة بين الجزائر والاتحاد الأوروبي وُقِّع العام 2002، تم في ظروف تختلف عن الظروف الحالية تماما، إذ كانت الجزائر في موقف ضعف جراء الحصار الدولي، غير المعلن، المفروض عليها آنذاك. لكن ومع تغير الظروف والتطور الذي بلغته الجزائر في السنوات الخمس الاخيرة، أصبح لزاما مراجعة الاتفاق وإلزام الاتحاد الأوروبي بتنفيذ البنود الخاصة به والتي لم ينفذ أيا منها طيلة العقدين الماضيين.
قال الخبير والمستشار الاقتصادي، البروفيسور مراد مواشي في اتصال مع الشعب أمس، إن اتفاق الشراكة بين الجزائر والاتحاد الأوروبي تضمن بنودا مجحفة تصّب في مصلحة الاتحاد الأوروبي على حساب الجزائر، وتم مبدئيا الاتفاق على إعفاء السلع الأوروبية من الضرائب والرسوم الجمركية، في مقابل استثمارات أوروبية هنا في الجزائر، ونقل التكنولوجيا والعمل على مساعدة الجزائر على تنويع اقتصادها، لكن بعد عشرين سنة من الاتفاق اتضح أن الخزينة العمومية خسرت ملايير الدولارات نتيجة تلك الإعفاءات دون أن ينفذ الاتحاد الأوروبي الالتزامات الخاصة به، وبالتالي لم يكن الاتفاق مبنيا على أساس المنفعة المتبادلة بل خدمة طرف واحد هو الاتحاد الأوروبي.
إلزام الاتحاد الأوروبي
وتابع البروفيسور كواشي يقول “لذلك طالبت الجزائر بإعادة النظر في الاتفاق ومراجعته في العديد من النقاط أهمها البنود المتعلقة بالاستثمارات الأوروبية هنا بالجزائر، والتي يجب أن نلمسها فعليا، مراجعة الرسوم والإعفاءات على السلع الأوروبية، ومراجعة شروط تقديم التسهيلات للسلع الجزائرية التي تصدّر للاتحاد الأوروبي، حيث لاحظنا في الآونة الأخيرة فرض قيود على منتجات جزائرية على غرار ما فعلته فرنسا مع منتج جزائري شهير لاقى رواجا كبيرا هناك، تفعيل هذا البند من شأنه أن يساهم في رفع قيمة الصادرات خارج المحروقات التي تريد الجزائر أن تبلغها والمقدّرة بـ 29 مليار دولار في 2030.
وأوضح الخبير أن الجزائر تسعى من خلال مراجعة الاتفاق، إلى الحفاظ على مصالحها من جهة والحفاظ على علاقاتها مع الاتحاد الأوروبي من جهة أخرى، إذ يبقى شريكا استراتيجيا هاما للجزائر، وهذا حق مشروع للجزائر التي استطاعت الوفاء بجميع التزاماتها خاصة الطاقوية تجاه الاتحاد الأوروبي، في عز الأزمة الطاقوية، ولم تستخدم ورقة الغاز وحيدت الاقتصاد في المسائل السياسية، لكنها تريد في الوقت نفسه تعظيم مصالحها الاقتصادية مع الحفاظ على الشراكة المتميزة مع الاتحاد الأوروبي.
ويمكن القول أيضا، يقول المتحدث، إن اتفاق الشراكة السابق لم يتضمن بنودا تلزم الاتحاد على تطوير قطاعات بعينها، وبالتالي كان من مصلحة دول الاتحاد الأوروبي أن تبقى الجزائر دولة مستوردة للسلع الأوروبية ليست دولة منتجة أو مصنعة. وهنا مربط الفرس حيث تحول الاقتصاد الجزائري في السنوات الأخيرة من دولة مستهلكة إلى دولة تبحث عن اقتصاد حقيقي ومتنوّع، وهذا قد لا يعجب بعض الأطراف داخل الاتحاد لكن يمكن القول إن الاتفاق السابق كانت جميع بنوده تسعى لترسيخ فكرة بقاء الجزائر دولة مصدّرة للنفط والغاز الطبيعي، دولة ريعية، في حين يتكفل الاتحاد بإنتاج السلع والغذاء، وبالتالي تكون المبادلة، صادرات ريعية بأسعار منخفضة، واردات مصنّعة بأسعار باهظة، لكن تغيرت الظروف والجزائر اليوم تبحث عن اقتصاد متنوّع منتج مولد للقيمة المضافة، وعلى الأوروبيين أن يفهموا ويدركوا ذلك ويسعوا لتقديم التسهيلات اللازمة.
وختم كواشي بالقول “إن مستقبل العلاقات بين الجزائر والاتحاد الأوروبي نتوقع أن يكون أحسن بالنظر إلى عديد المعطيات أوّلها القرب الجغرافي، لكن على الأوروبيين أن يتعاملوا مع الجزائر وفق مبدأ رابح ـ رابح والمنفعة المتبادلة، فكلاهما بحاجة إلى الآخر، وهذا يستدعي اتفاق شراكة جديد يخدم المصالح الاقتصادية جميع الأطراف بعيدا عن النظرة الفوقية أو التحيز لجهة معينة”.
فرنسا الخاسر الأكبر
من جهته، قال الخبير والمستشار الاقتصادي تيغرسي الهواري، إن الاتفاق وقع في فترة كانت الجزائر تعاني حصارا دوليا، وكانت الجزائر بحاجة لانفتاح على العالم الخارجي، واليوم اختلف المنطق وأصبحت الجزائر في مركز آخر، وقد خسرت الجزائر أكثر من 400مليار دولار، حيث كانت الجزائر سوقا لمنتجات غير مطابقة للمعايير، لكن الآن على الاوروبيين أن يفهموا أن الجزائر بلغت مستوى جيدا من التقدم الاجتماعي والثقافي والاقتصادي والسياسي يختلف عن المرحلة التي وقع فيها اتفاق الشراكة العام 2002، والعالم اليوم يعيش مستوى التفكير نفسه، وعليه لابد من مراجعة الاتفاق الذي لم يكن في صالح الجزائر.
وأوضح أنه خلال كل هذه الفترة ولم يحدث استقطاب للتكنولوجيا مقابل تصدير الجزائر للغاز والبترول، رغم موثوقية الجزائر، حيث تعامل الاتحاد بخبث سيما فرنسا التي كانت تستحوذ على خمسين بالمائة من المبادلات التجارية بين الجزائر والاتحاد الأوروبي.
وعليه قال إنه لابد من مراجعة المبادلات التجارية فيما يخص تحويل التكنولوجيا كما نصت عليه البنود في الاتفاق الاول، والاستثمارات وتحويل رؤوس الأموال حيث لا توجد شركات أوروبية مهمة تعلق الثروة في الجزائر، وأيضا حرية تنقل الاشخاص، حيث نلاحظ أن التأشيرات لا تمنح، لأنه بغياب هذه العوامل لا يمكن أن نتحدث عن شراكة.
وأضاف أنه في مراجعة اتفاق الشراكة فإن فرنسا ستكون الخاسر الأكبر بالنظر إلى حجم صادراتها إلى الجزائر المشار إليه أعلاه.