استئناف الحوار الاستراتيجي والعلاقات الثنائية بين البلدين

الجزائر- باريس.. ملفات مفتاحية لترجمة المرحلة الجديدة

 

 الدولة الفرنسية مطالبة بإثبات حسن النية وتنفيذ كافة الالتزامات

اتفقت الجزائر وفرنسا، على طي صفحة الخلافات وتفعيل آليات التعاون الثنائي في معظم المجالات على أساس «متكافئ» و»مفيد» للجانبين، وتم ضبط أجندة زمنية للقاءات بين المستويات «الأمنية والاقتصادية والسياسية» للبلدين. يبقى أن المضي قدما في هذا المرحلة الجديدة منوط بإثبات باريس لحسن النية وتنفيذ كافة الالتزامات التي تقوم عليها العلاقات الثنائية.
علي مجالدي
لا شك أن زيارة وزير الخارجية الفرنسي إلى الجزائر، جاءت، برأي مراقبين، في سياق محاولات باريس ترميم علاقاتها مع الجزائر، خاصة بعد التوترات المتكررة التي شهدتها الأشهر الأخيرة. وقد يكون إعلان الجانب الفرنسي عن رغبته في حل الخلافات وبناء علاقات متكافئة خطوة إيجابية، تتطلب تجسيد النوايا إلى خطوات ملموسة من الجانب الفرنسي، بعيدا عن أجندات الاستقطاب الداخلي المرتبط بالانتخابات.
 ولأن الجزائر أصبحت اليوم قوة إقليمية وازنة، ولن تقبل بعلاقات قائمة على منطق الهيمنة أو الإملاءات، أو الإساءات الباطلة، يبقى أمام باريس أن تثبت بأن التعامل مع الجزائر يجب أن يتم وفق قواعد الندية والاحترام المتبادل، بعيدًا عن عقلية الاستعمار التي لم تفارق بعض التيارات السياسية الفرنسية، وخاصة اليمين المتطرف الذي يكنّ عداءً تاريخيًّا للجزائر.
وحملت زيارة وزير الخارجية الفرنسي جان نوال بارو، إدارك باريس أن علاقتها مع الجزائر، لا يمكن أن تتأسس على منطق التبعية أو الخضوع لإرادة طرف على حساب الآخر. وبهذا الصدد، يبرز الخطاب الرسمي، بقيادة رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون، كموقف ثابت يقوم على مبدإ تعزيز السيادة وحقها في رسم سياساتها الداخلية والخارجية وفق مصالحها الوطنية العليا، ولها قوانينها ومصالحها التي يجب أن تحترم.
شروط لعلاقة ندية ومتوازنة
في هذا السياق، يؤكد د. منصوري عبد القادر، أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في تصريح «للشعب»، أن تقييم الزيارة الأخيرة لوزير الخارجية الفرنسي والحكم عليها بالنجاح أو الفشل، يرتبط بشكل وثيق بمدى استعداد باريس للتعامل مع الجزائر كشريك مستقل يتمتع بالندية الكاملة. ويعتبر منصوري أن الموقف الجزائري ليس متصلبًا، كما قد يراه البعض، بل هو تعبير طبيعي عن رغبة الجزائر في بناء علاقات متوازنة تقوم على الاحترام المتبادل.
ويشير د.منصوري إلى أن الجزائر تتبنى سياسة جديدة قائمة على تحقيق مصالحها دون التنازل عن سيادتها. وقد تجلى هذا النهج في مطالبتها بمراجعة اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي، وهو طلب مصلحي يهدف إلى تحسين شروط التعاون بما يتماشى مع المصالح الوطنية الجزائرية. ويضيف الدكتور، أن الجزائر، بقيادتها الرشيدة تحت إشراف الرئيس عبد المجيد تبون، قد وضعت نهجًا واضحًا عنوانه «الجزائر أولًا»، مما يعزز من استقلالية قراراتها ويفرض على شركائها التعامل معها بمبدإ الندية.
التعاون الأمني
علاوة على ذلك، أوضح الدكتور لونيس نبيل، المتخصص في الدراسات الأمنية والدولية، في تصريح «للشعب»، أن التعاون الأمني بين الجزائر وفرنسا يعد من أبرز الملفات التي تستدعي التنسيق الفعلي بين البلدين. فالمنطقة تشهد تهديدات أمنية متزايدة، خاصة في الساحل الإفريقي، حيث تنتشر الجماعات الإرهابية والجريمة المنظمة وتجارة المخدرات.
 وقد أكد وزير الخارجية الفرنسي خلال زيارته، أنه حصل من الجانب الجزائري، على موافقة إعادة بعث التعاون الأمني بين البلدين، وهو ما يتطلب تجاوبًا فرنسيًا حقيقيًا مع ضوابط الجزائر.
لكن الدكتور لونيس يشير إلى أن هذا التعاون لن يحقق النتائج المرجوة ما لم تتجاوز فرنسا ازدواجية مواقفها تجاه المنطقة، خاصة فيما يتعلق بقضية الصحراء الغربية التي تعتبرها الجزائر مسألة تصفية استعمار يجب حلها في إطار الشرعية الدولية. ويعتبر أن دعم فرنسا لحلول غير شرعية يتناقض مع مواقفها المعلنة بشأن احترام القانون الدولي، مما يشكل عقبة حقيقية أمام بناء شراكة ندية ومستدامة.
ملفات مفتاحية لتحسين العلاقات
في سياق متصل، يشكل التعاون القضائي بين البلدين أحد أبرز التحديات المطروحة على طاولة المفاوضات، فالجزائر تطالب بتسليم مطلوبين متورطين في قضايا الإرهاب أو الفساد السياسي والمالي. ويعتبر الدكتور لونيس أن هذا الملف يشكل اختبارًا حقيقيًا لمدى جدية فرنسا في بناء علاقة متكافئة مع الجزائر.
كما يعتبر ملف الذاكرة من القضايا التي تعيق بناء علاقة سليمة، فالجزائر تطالب باعتراف فرنسا بجرائمها الاستعمارية، بما في ذلك التجارب النووية التي أجرتها في الجنوب الجزائري والمساعدة في تجاوز التداعيات البيئية المستمرة إلى اليوم نتيجة للإشعاع النووي وكذلك تعويض الضحايا.
كما تطالب الجزائر باعتراف رسمي بكل المجازر المرتكبة، خاصة مجازر الثامن ماي 1945 في سطيف، قالمة وخراطة، واستخدام الأسلحة الكيماوية ضد المدنيين، كما حصل في الأغواط سنة 1852.
ورغم اعتراف العديد من المؤرخين الفرنسيين بارتكاب فرنسا جرائم ضد الإنسانية في الجزائر، إلا أن باريس ملزمة باتخاذ خطوات ملموسة في هذا الاتجاه. ولايزال الخطاب الفرنسي يعاني من تناقضات واضحة، حيث يتم الترويج لفكرة «الرسالة الحضارية» للاستعمار، وهو تبرير يتناقض مع الحقائق التاريخية والشهادات التي تؤكد ارتكاب فرنسا لجرائم مروعة في الجزائر.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19761

العدد 19761

الأربعاء 30 أفريل 2025
العدد 19760

العدد 19760

الثلاثاء 29 أفريل 2025
العدد 19759

العدد 19759

الإثنين 28 أفريل 2025
العدد 19758

العدد 19758

الأحد 27 أفريل 2025