لا يمكن لأيّ طرف المزايدة على التضحيات الجزائرية ونموذج المقاومة والانتصار
لا يمكن لأي طرف أن يزايد على الجزائر في مكافحة الإرهاب، فهي وبشاهدة المجتمع الدولي، فاعل رائد في التصدي للظاهرة، وكانت سباقة لتحذير العالم منها. كما أنها انتصرت عليها بتضحيات أبنائها دون مساعدة أحد، ودون أن تسمح بامتداد شرارتها خارج حدودها. فالجزائر لم تكن يوما وفي أحلك محنها عبئا على الآخرين، بل ساهمت وبقوة في حل مشاكل الآخرين.
تعتبر الجزائر، بشهادة الجميع، الدولة الوحيدة في العالم التي استطاعت القضاء على ظاهرة الإرهاب المحلي، دون مساعدة من أية دولة أخرى، وفي وقت فرض عليها حصار دولي غير معلن، تمكنت من تطوير استراتيجية خاصة لمواجهة الظاهرة التي حذرت منها كثيرا ومن أنها عابرة للحدود. وبفضل استشرافها هذا، أصبحت التجربة الجزائر في مكافحة الارهاب مطلوبة في كل المنابر للاستفادة منها، وذلك أكسب الجزائر سمعة دولية حسنة وجعلها عضوا بارزا في المنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب.
وحصلت الجزائر في الأسابيع الماضية، على لقب نصير الاتحاد الإفريقي في مكافحة الإرهاب، حيث اعترف مجلس الأمن الدولي بدورها ممثلة في رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون، الذي اختاره نظراؤه الأفارقة لتولي هذه المسؤولية التي تثقل كاهل القارة، نظرا لتداعياتها الوخيمة والمعقدة.
وجاء هذا الاعتراف، تتويجا للنقاش رفيع المستوى لمجلس الأمن الدولي، حول مكافحة الإرهاب في أفريقيا، الذي عُقد في 21 جانفي 2025. وقد أدت الجزائر دورا هاما خلال أشغال الاجتماع لإظهار النضج المتزايد للبنية الأمنية القارية، وبالنتيجة استطاعت انتزاع اعتراف أممي بالدور الأساسي الذي تضطلع به الآليات الأفريقية القائمة، لا سيما لجنة أجهزة المخابرات والأمن الأفريقية (CISSA)، ووحدة مكافحة الإرهاب التابعة للقوة الأفريقية الجاهزة، وأفريبول (AFRIPOL).
وقد جعلت الجزائر من مكافحة الإرهاب في القارة الإفريقية أولوية قصوى، وترغب في مشاركة خبرتها في هذا المجال، بحسب ما أكده سفير الجزائر الدائم لدى الأمم المتحدة، عمار بن جامع، مطلع جانفي الماضي، خلال عرضه برنامج عمل مجلس الأمن تحت رئاسة الجزائر.
مبادئ وثوابت الجزائر
خلال ترؤسها للجنة مجلس الأمن الدولي لمكافحة الإرهاب، قدمت الجزائر ما أصبح يعرف بـ «المبادئ التوجيهية للجزائر»، بشأن تمويل الإرهاب باستخدام التكنولوجيات الحديثة. وتنص على توجيهات لتعزيز قدرات الدول على منع ومكافحة إساءة استخدام التكنولوجيا الحديثة لأغراض إرهابية، وهي المبادئ التي اعتمدها مجلس الأمن الدولي، منتصف جانفي الماضي، خلال رئاسة الجزائر له ما يمثل إنجازا دبلوماسيا جاء نتاج عملية تفاوض مكثفة ومضنية استمرت عاما كاملا تحت الرئاسة الجزائرية للجنة مكافحة الإرهاب.
ويكرس اعتماد هذه المبادئ وربطها باسم الجزائر في الوثائق الرسمية لمجلس الأمن، التزام الجزائر الدائم بمكافحة الإرهاب ودورها القيادي في هذا المجال. وتقترح الوثيقة المعتمدة نهجا عالميا يتمحور حول أربع ركائز استراتيجية، وهي تحليل المخاطر الناشئة، تكييف الأطر التنظيمية، تعزيز آليات الكشف والتقييم المنهجي لفعالية التدابير المتخذة. ويجسد هذا الهيكل الرؤية الجزائرية لتحقيق استجابة متوازنة للتحديات الأمنية المعاصرة.
نهج شامل
بالإضافة إلى كل ما سبق، تعتبر الجزائر عضوا مؤسسا للمنتدى الدولي لمكافحة الإرهاب، وذلك يؤكد التزامها الراسخ بالمشاركة في الجهود متعددة الأطراف وتعزيز التعاون الدولي في مكافحة الظاهرة. وهي تعمل من خلال تواجدها في مجلس الأمن الدولي للسنة الثانية على التوالي، على تعزيز تعاونها مع آليات ولجان الأمم المتحدة المتخصصة في مكافحة الإرهاب وتواصل دعم استراتيجية الأمم المتحدة العالمية لمكافحة الإرهاب، وتقدم تجربتها الناجعة التي اعتمدت فيها نهجا شاملا ومتكاملا يعالج الأسباب الجذرية، بما في ذلك عدم المساواة والفقر والجهل.
ومن هذا المنطلق، مدت الجزائر يدها للدول الأفريقية، سيما دول الجوار في الساحل، التي يعتبر الإرهاب التهديد الأول لها، من خلال التعاون العسكري ممثلا في لجنة الأركان العملياتية المشتركة cemoc والتي تقوم على مبدإ تنسيق العمل بين الدول، لكن في إطار الحدود السياسة لكل دولة، أي عدم خروج الجيش الجزائري لأية دولة أخرى، والعكس صحيح، ويقتصر التعاون على تبادل المعلومات والتحرك داخل الحدود.