تسعى الجزائر، إلى تعزيز استخدام اللّغة الإنجليزية في الجامعات، خاصة في التخصصات العلمية والتقنية وحتى الطّب، بهدف مواكبة التطورات العالمية في مجالات التعليم والبحث العلمي، حيث يعتبر هذا التوجه خطوة إيجابية تدعم تطور الجامعة الجزائرية، وتسهم في تحسين مستواها وتصنيفها على الصعيد الدولي.
قال الأستاذ عبد الرحمن بوثلجة لـ«الشعب”، إن قرار توسيع استعمال اللّغة الإنجليزية في العلوم التكنولوجية الدقيقة والطب بداية من الموسم الجامعي المقبل 2025/2026 بالجامعات الجزائرية يعدّ خطوة صائبة واستراتيجية، جاءت تتويجا لمسار بدأ منذ سنوات، وطبق عمليا في الموسم الجامعي الماضي من خلال تدريس طلبة السنة الأولى في التخصصات العلمية الدقيقة والتكنولوجية باللغة الإنجليزية.
كما أشار المتحدث إلى أن عملية تكوين الأساتذة تعد جزءا محوريا في مسار إصلاح الجامعة، حيث تتواصل الجهود لتأهيلهم وتمكينهم من استخدام اللّغة الإنجليزية في التدريس بكفاءة، وتتم هذه العملية من خلال عدّة مسارات، أبرزها التكوين داخل أقسام اللّغة الإنجليزية بالجامعات، بالإضافة إلى البرامج المكثفة التي تشرف عليها مراكز التعليم المكثف للغات، وهذا لضمان تقديم محتوى أكاديمي عالي الجودة يتماشى والمعايير الدولية.
وفي السياق، ثمّن بوثلجة المبادرات التي أطلقتها بعض الجامعات، على غرار جامعة التكوين المتواصل، لتكوين الأساتذة في اللّغة الإنجليزية التقنية، وتحضيرهم لنيل شهادة ليسانس في هذا التخصّص، معتبرا أن هذه الجهود تصّب جميعها في هدف واحد يتمثل في تعميم استعمال الإنجليزية في الجامعة الجزائرية.
وأكد محدثنا أن تعميم استعمال اللّغة الإنجليزية، لاسيما في التخصصات العلمية والطبية، يعد أمرا مهما، بالنظر إلى أن العلوم والطب يتطوران باستمرار على الصعيد العالمي، واللّغة المعتمدة اليوم في هذا المجال هي الإنجليزية، آملا أن يشمل هذا التوجه كافة التخصصات، بما في ذلك العلوم الاجتماعية والإنسانية، مبرزا أن الأمر لا يتعلق باستبدال الفرنسية بالإنجليزية، بل باعتماد لغة أصبحت اليوم الأكثر انتشارا واستعمالا في التكنولوجيا والبحث العلمي.
وشدّد بوثلجة على ضرورة مواصلة هذا المسار دون الأخذ بأي اعتبارات جانبية، لأن الجامعة الجزائرية يجب أن توضع فوق كل الحسابات، ودعا إلى اتخاذ إجراءات داعمة أخرى، من بينها وضع تحفيزات خاصة للتخصصات التي تعتمد التدريس باللّغة الإنجليزية، وكذلك للبحوث التي تنجز بها وتنشر في مجلات علمية مميّزة ومرموقة.
وفي هذا الإطار، أشاد المتحدث بالاجتماع الأخير لوزارة التعليم العالي الذي ناقش آليات تحفيزية للبحوث المنشورة في مجلة “نيتشر ساينس” متعدّدة التخصصات، معتبرا أن هذا التوجّه جدّ إيجابي، مقترحا أن يتم توسيع هذه الآليات لتشمل البحوث المنشورة في مجلات من صنف “أ+”، والتي تمثل أفضل 10بالمائة من المجلات العالمية في تخصصاتها.
وأوضح - في السياق - أن الهدف من اعتماد اللّغة الإنجليزية لا يقتصر فقط على التدريس، بل يشمل كذلك تحسين تصنيف الجامعات الجزائرية عالميا والانتقال إلى نموذج الجامعة من الجيل الرابع، المبني على التواصل والانفتاح العلمي من خلال تكنولوجيا الإعلام والاتصال الحديثة.
وأشار بوثلجة إلى ضرورة تشجيع النشر في المجلات المصنفة دوليا مثل “الموقع العلمي سكوبس” وعدم الاكتفاء بالمجلات المحلية التي لا تساهم في رفع ترتيب الجامعات ولا تعزّز التنافسية العلمية، لاسيما في التخصّصات التي تدرّس بالعربية، كما شدّد على أهمية وضع آليات تحفيزية لتمييز جودة البحوث، وتخلق بيئة جامعية حقيقية قائمة على الجدّية، الابتكار، ومبدأ الاستحقاق العلمي.
في المقابل، أفاد بوثلجة أنه لا شيء يمنع من تدريس بعض تخصّصات العلوم الاجتماعية والإنسانية، على غرار العلوم الاقتصادية والتجارية وعلم الاجتماع، باللّغة الإنجليزية، وأوضح أن العديد من المقاييس الأخرى في مختلف التخصّصات يمكن أيضا تقديمها بهذه اللّغة، في إطار انفتاح الجامعة الجزائرية على المعايير الأكاديمية العالمية.
وأضاف قائلا: “أدرك أن هذا التوجه قد يواجه نوعا من التحفّظ، خصوصا وأننا في الجزائر اعتدنا على ما هو سهل ومألوف، إلا أنني أرى أن اعتماد اللّغة الإنجليزية في التدريس يعدّ خطوة إيجابية واستراتيجية تصّب في مصلحة الجامعة الجزائرية وترتقي بمستواها إلى مصّاف الجامعات العالمية”.
وأكد الباحث أن النهوض بالجامعة الجزائرية مسؤولية الجميع تتطلب تضافر الجهود وتقديم المصلحة الوطنية على كل الاعتبارات، مشيدا بالتوجّهات الحالية التي تنتهجها الوزارة، ومؤكدا أهمية الاستمرار في هذا المسار الطموح الذي يسهم في تعزيز جودة التعليم العالي.