تؤسّسان لها على التكافؤ والمصالح المشتركـة.. الجزائر- عُمَـان:

شراكـة إستراتيجيـة تُرسّخ الصداقــة وتُعزّز التّعـاون العـربــي

علي مجالدي

 التنسيق الجـزائري - العمــاني نمـوذج يحتذى بـه في العــلاقـات العربيـة- العربيــة

 رصانة واحترام متبادل ضمن رؤية جزائرية لتحقيق الوحدة والتضامن في مواجهة التحديات العابرة للحدود

في سياقٍ إقليمي ودولي متسارعٍ، تتخلله تحديات اقتصادية، وتحولات جيوسياسية عميقة، ومخاطر متنامية على الأمن القومي العربي، جاءت زيارة السلطان هيثم بن طارق، سلطان سلطنة عمان، إلى الجزائر، لتُشكّل محطةً مهمة في مسار العلاقات الجزائرية- العُمانية، وتُجسّد إرادةً سياسيةً متبادلة لتعزيز التعاون الثنائي في مختلف المجالات، على أسس من التكافؤ والمصالح الاستراتيجية المشتركة.

تميزت هذه الزيارة، بحفاوة استقبال لافتة، ترأس خلالها رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون، مراسم الاستقبال، ومرافقة السلطان العماني في كل المحطات الرسمية، ولم تكن مجرد إجراءات بروتوكولية، بل حملت رسائل متعددة، فهي من جهة تعكس متانة العلاقات الجزائرية- العُمانية التي لطالما اتسمت بالرصانة والاحترام المتبادل، ومن جهة أخرى تندرج ضمن الرؤية الجزائرية لبناء فضاء عربي متكامل يقوم على الوحدة والتضامن في مواجهة التحديات العابرة للحدود.
علاوة على ذلك، فإن التوقيت السياسي للزيارة لم يكن عابرًا، بل جاء متقاطعًا مع تصاعد الأزمات بالمنطقة العربية، وفي ظل الحاجة الماسة إلى مواقف عربية موحدة بشأن القضايا السيادية، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، ورفض التدخلات الخارجية، وضرورة خلق تحالفات اقتصادية عربية قادرة على تعزيز الأمن الغذائي والطاقة والتكنولوجيا الحيوية.
ومن هذا المنطلق، يمكن قراءة هذه الزيارة كجزء من تموضع جزائري- عُماني عقلاني يراهن على الدبلوماسية الهادئة والتكامل البنّاء بدل الاستقطاب والتصعيد.
وشهدت الزيارة توقيعَ عددا من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم التي تؤسس لمرحلة نوعية جديدة في العلاقات الجزائرية العُمانية، كان أبرزها الاتفاق على إنشاء صندوق استثماري مشترك بقيمة 300 مليون دولار أمريكي، يُموَّل مناصفةً بين وزارة المالية الجزائرية وجهاز الاستثمار العُماني.
 ويُعد هذا الصندوق تجسيدًا ملموسًا لإرادة البلدين في تفعيل شراكات اقتصادية طويلة الأمد، حيث سيُوجَّه نحو تمويل مشاريع استراتيجية في قطاعات ذات أولوية، على غرار الطاقة المتجددة والصناعات البتروكيميائية والأمن الغذائي والتكنولوجيا المتقدمة، وهي مجالات تنسجم مع مساعي الجزائر في تحقيق التنويع الاقتصادي وتقليص التبعية لعائدات المحروقات.
علاوة على ذلك، تم التوقيع على سلسلة من الاتفاقيات القطاعية في مجالات التعليم العالي والبحث العلمي، والصحة، والصناعة الصيدلانية، والزراعة الصحراوية، والصيد البحري، وكلها تندرج في إطار نموذج التعاون «التقني والمعرفي» الذي يتجاوز البعد التجاري التقليدي.
ففي قطاع التعليم العالي، وُقّع برنامج تنفيذي للتعاون يمتد من 2026 إلى 2028، يهدف إلى تبادل المنح والخبرات، وتعزيز البحث العلمي المشترك، بما يعكس تقاطع الرؤى الجزائرية والعُمانية حول أهمية بناء رأس مال بشري عالي التأهيل كرافعة للتنمية.
وفي قطاع الصحة والصناعة الصيدلانية، تأتي مذكرة التفاهم لتفتح آفاقًا أمام استثمارات عُمانية محتملة في قطاع تصنيع الأدوية بالجزائر، خاصة في ظل التحفيزات التي يمنحها قانون الاستثمار الجديد، والحاجة الماسة إلى تطوير صناعة دوائية وطنية تضمن السيادة الصحية.
أما في المجال الزراعي، فالاتفاقيات الموقعة شملت الزراعة الصحراوية وحماية النباتات والصحة الحيوانية، وهي محاور تكتسي أهمية كبرى للجزائر في سياق مساعيها لتأمين غذائي مستدام واستغلال أمثل للمساحات الصحراوية الشاسعة، خصوصًا أن سلطنة عمان راكمت خبرة معتبرة في هذا المجال بحكم بيئتها المناخية المماثلة.
كما وُقعت برامج تنفيذية في مجال الثروة السمكية والصيد البحري، تشمل التعاون في تربية المائيات، والتكنولوجيا الحيوية البحرية، والتحول الرقمي في قطاع الصيد، ما يعكس الرغبة في استثمار الخبرات العُمانية لتطوير القطاع الأزرق الجزائري، الذي مازال دون إمكاناته الحقيقية. وتُوّجت هذه الرؤية المتكاملة باتفاقات في المجالين العدلي والقضائي، ما يعكس حرصًا مشتركًا على توسيع قاعدة التعاون لتشمل الجوانب المؤسساتية والتشريعية، في خطوة تُرسّخ الثقة المتبادلة وتُعبّد الطريق أمام المزيد من التنسيق في المحافل الإقليمية والدولية.
على الصعيد الاقتصادي، تُشير البيانات إلى أن حجم التبادل التجاري بين الجزائر وسلطنة عُمان بلغ حوالي 106.56 ملايين دولار حتى نهاية عام 2023، مع توقعات بزيادة هذا الرقم في السنوات القادمة بفضل المشاريع المشتركة والاستثمارات المتبادلة.
وتُعكس هذه الزيارةُ توافقًا في الرؤى والمواقف بين الجزائر وسلطنة عُمان تجاه القضايا الإقليمية والدولية، لاسيما فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، حيث أكد الجانبان في أكثر من مناسبة دعمهما لحقوق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية. كما شددا على أهمية الحوار والوساطة في حل النزاعات، ورفض التدخلات الخارجية في الشؤون الداخلية للدول. في ظل التحولات الجيوسياسية التي تشهدها المنطقة، تُبرز هذه الزيارةُ أهميةَ تعزيز العمل العربي المشترك، وتوحيد الصفوف لمواجهة التحديات المشتركة، ويُعدُّ التعاونُ بين الجزائر وسلطنة عُمان نموذجًا يُحتذى به في العلاقات العربية- العربية، قائمًا على الاحترام المتبادل، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية والسعي لتحقيق التنمية المستدامة.
كما تُجسّد زيارةُ السلطان هيثم بن طارق إلى الجزائر، إرادةً سياسيةً قويةً لتعزيز العلاقات الثنائية، وتُؤسس لمرحلةٍ جديدةٍ من التعاون والشراكة الاستراتيجية بين البلدين، بما يُحقق تطلعات الشعبين الشقيقين في التنمية والازدهار.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19764

العدد 19764

الإثنين 05 ماي 2025
العدد 19763

العدد 19763

الأحد 04 ماي 2025
العدد 19762

العدد 19762

السبت 03 ماي 2025
العدد 19761

العدد 19761

الأربعاء 30 أفريل 2025