أسـود الجيش.. خبرة عملـيـاتيـة مرموقـة وأداء قتالي عالي المستـوى
حمايـة الحـدود.. مكافحـة الإرهـاب والجريمــــة المنظمـة.. أولويــة قصـوى
التدخلات الأجنبيـة مرفوضـــة بإطــــلاق والحلول تكون سياسية أو ديبلوماسيــة
التنمية الاقتصـاديـة والاجتمـاعيـة والتعاون الإقليمي لمواجهة التحديات الأمنية
حياد إيجابي ووساطة وبلادنا لاعــب محايد في العديد من النزاعات الإقليمية
يقدم الباحث في التاريخ العسكري ودراسات الدفاع، الدكتور توفيق هامل، قراءة في الاستراتيجية العسكرية والسياسية الخارجية للجزائر، تجاه الأوضاع في منطقة الساحل، ويبرز جهودها في مجابهة التحديات المتعددة.
يرى هامل أن الاستراتيجية العسكرية والسياسة الخارجية للجزائر، في إطار أزمة الساحل ترتكز على مجموعة من الأهداف التي «تتعلق بالحفاظ على الأمن الوطني وضمان الاستقرار الإقليمي»، بالإضافة إلى الحفاظ على السيادة الجزائرية في سياق التحديات الأمنية المتزايدة في منطقة الساحل والصحراء.
وأفاد هامل، بأن الجزائر تواجه تحديات متعددة في هذا السياق، سواء كانت أمنية، سياسية، اقتصادية أو اجتماعية. ويفصل توفيق هامل، وهو الحاصل على دكتوراه في التاريخ العسكري ودراسات الدفاع من جامعة بول- فاليري، وباحث مشارك في معهد الدراسات الجيوسياسية التطبيقية بفرنسا، في قراءته من خلال ثلاثة محاور رئيسية: الاستراتيجية العسكرية الجزائرية، السياسة الخارجية الجزائرية والتحديات المرتبطة بأزمة الساحل.
الاستراتيجية العسكرية الجزائرية في منطقة الساحل
بخصوص الاستراتيجية العسكرية الجزائرية في المنطقة، يؤكد هامل لـ «الشعب»، أنها تستند إلى مبدإ «الردع» من خلال تعزيز القوة العسكرية والتأهب لمواجهة أي تهديدات أمنية على الحدود الجزائرية أو داخل المنطقة. و»تتنوع هذه الاستراتيجية في عدة جوانب: أبرزها أن الجزائر تمتلك واحدًا من أكبر الجيوش في إفريقيا، وتضع حماية حدودها الجنوبية مع دول الساحل أولوية قصوى، حيث يتم نشر قوات على الحدود الجنوبية لمكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة».
إلى التكتيك ضد الإرهاب والجماعات المسلحة، حيث أن «الجزائر تركز على مكافحة الجماعات الإرهابية التي تنشط في المنطقة، تمتاز قواتها بخبرة عملياتية مرموقة، وأداء قتالي عالي المستوى، برهنت طويلا على قدرتها الفائقة على قهر الإرهاب والحسم في تحييده، وتلعب دورًا محوريًا في تنفيذ العمليات الأمنية داخل البلاد وعبر الحدود».
ويقحم هامل بعد التحديث العسكري، والذي تواصل الجزائر بموجبه، تحديث قواتها المسلحة من خلال حيازة وتطوير الأسلحة والتكنولوجيا الحديثة، إضافة إلى التدريب المستمر للجنود على أساليب الحروب غير التقليدية.
السياسة الخارجية الجزائرية
على صعيد السياسة الخارجية، يرى توفيق هامل، وهو أيضا باحث مشارك في مبادرة السلام والأمن في إفريقيا (السنغال) ومركز أفكار- إفريقيا (كند) ومركز استراتيجيا، أن الجزائر تتبنى سياسة خارجية تسعى من خلالها إلى تحقيق الاستقرار الإقليمي وحماية مصالحها الوطنية، خاصة في منطقة الساحل.
وقال الباحث، إن السياسة الخارجية الجزائرية تتسم بالتوازن، حيث تسعى إلى الحفاظ على علاقات جيدة مع القوى الكبرى مثل روسيا والصين والولايات المتحدة الأمريكية، ولكن دون التفريط في استقلاليتها وسيادة قرارها.
وتقوم هذه السياسة، بحسب المتحدث، على الحياد الإيجابي والوساطة، إذ «تعتبر الجزائر نفسها لاعبًا محايدًا في العديد من النزاعات الإقليمية، ولطالما لعبت دور الوسيط في حل الأزمات، مثل النزاع في مالي والصراع الليبي».
ويفيد المتحدث، أن التعاون مع الجيران، بعدٌ أساسي في سياسة الجزائر الخارجية، باعتبارها دولة فاعلة في لجنة رؤساء الأركان العملياتية المشتركة لدول الساحل (CEMOC) وهي إطار أمني إقليمي يهدف إلى تعزيز التعاون بين دول الساحل في مجالات مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة.
السيادة.. المقام الأعلى
يؤكد الباحث أن «الجزائر ترفض التدخلات الأجنبية في شؤون المنطقة، وخصوصًا التدخلات العسكرية من قبل القوى الغربية، مثل فرنسا. وتفضل الحلول السياسية والدبلوماسية للأزمات في دول الساحل»، إلى جانب دعم الاستقرار في دول الساحل، حيث قدمت الجزائر الدعم الإنساني لدول مثل مالي والنيجر وتشاد، وتسعى إلى تعزيز الاستقرار الداخلي في هذه الدول من خلال المبادرات التنموية.
ويشير في المقابل، إلى أن الاستراتيجية الجزائرية تواجه التحديات المرتبطة بأزمة الساحل، التي تعتبر من أكبر التحديات التي تواجه المنطقة بسبب التوترات الأمنية والسياسية في بعض دولها.
هذه التحديات، يواصل المتحدث، تشمل التحديات الأمنية التي تتصدرها التهديدات الإرهابية، على اعتبار أن المنطقة تشهد تصاعدًا في الأنشطة الإرهابية التي تشكل تهديدًا مباشرًا للجزائر. الجماعات الإرهابية تواصل استهداف الأمن في دول الساحل، مما يعرض الجزائر لخطر امتداد هذا الإرهاب إلى أراضيها.
وأضاف الخبير، بأن الهجمات عبر الحدود، تدخل ضمن نطاق التحديات الأمنية، حيث أن الحدود الجزائرية مع دول مثل مالي والنيجر تشهد نشاطًا مستمرًا للجماعات المسلحة التي تستخدم مناطق الصحراء الكبرى كمناطق اختباء وتدريب.
ولفت المتحدث إلى الجريمة المنظمة، وعلى رأسها التهريب، بما في ذلك تهريب الأسلحة والمخدرات، والذي يشكل تهديدًا كبيرًا، حيث تعمل الجزائر على تقوية جهازها الأمني لمكافحة هذه الأنشطة الإجرامية، مع حرصها على التنسيق مع الدول المجاورة.
ويربط الباحث في التاريخ العسكري، الاستراتيجية الجزائرية، بالتحديات الاقتصادية أيضا، حيث أعدت الجزائر، ومنذ 2020، مخططا خاصا للإنعاش الاقتصادي، يهدف لتجاوز تحديات اقتصادية بسبب الاعتماد المفرط على إيرادات النفط والغاز، ما يجعلها عرضة لتقلبات أسعار النفط في الأسواق العالمية، وباشرت مسارا تنمويا لبناء نموذج اقتصادي خارج قطاع المحروقات يعزز قدرة صمودها في موجهة الأزمات الاقتصادية.
وتقوم السياسة الخارجية الجزائرية، أيضا على مساعدة الدول المجاورة، حيث تسعى لتقديم الدعم الاقتصادي لبعض دول الساحل، من خلال الوكالة الجزائرية للتعاون الدولي من أجل التضامن والتنمية. كما أعلنت عن وضع مبلغ 1 مليار دولا في خدمة التنمية الاقتصادية بإفريقيا، لكن فعالية هذه الجهود، تصطدم بتقلبات الأوضاع السياسية والأمنية في هذه الدول.
أما فيما يتعلق بالتحديات السياسية والدبلوماسية، يعتبر الباحث أن توتر العلاقات الجزائرية مع بعض دول المنطقة، بسبب مواقفها المبدئية والمتناسقة مع القانون الدولي، تؤثر نوعا ما على التعاون الأمني والدبلوماسي في منطقة الساحل. تضاف لها التدخلات الأجنبية، إذ ترفض الجزائر التدخلات العسكرية الأجنبية في المنطقة، أو وجود المرتزقة الأجانب، وتسعى لتحقيق الاستقرار في المنطقة من خلال الوساطة والحلول السلمية. وهذا يضعها في موقف حساس، يدفعها لتعزيز حماية سيادتها الوطنية.
أما بخصوص التحديات الاجتماعية، فيرى هامل أن التطرف والتطرف العنيف، من بين التحديات التي تتصدى لها الجزائر، والتي ورغم نجاحها في القضاء على التهديدات الإرهابية منذ العشرية السوداء، إلا أن «هناك تحديات اجتماعية تتعلق بتوسع الفكر المتطرف بين الشباب، في منطقة شمال إفريقيا والساحل الإفريقي».
ويشير المتحدث، أيضا، إلى خطورة الهجرة غير الشرعية، باعتبار الجزائر نقطة عبور رئيسية للمهاجرين غير الشرعيين القادمين من دول إفريقيا جنوب الصحراء، وهو ما يخلق تحديات أمنية وإنسانية ويزيد من الضغوط على الأجهزة الأمنية الجزائرية. فيما تظل التغيرات المناخية، مثل التصحر والجفاف، تؤثر بشكل كبير على منطقة الساحل. فالجزائر، يضيف المتحدث، مضطرة للتعامل مع هذه الأزمات البيئية التي قد تؤدي إلى نزاعات اجتماعية وزيادة في التوترات بين المجتمعات المحلية، ما يعقد من الوضع الأمني.
الحفاظ على الأمن القومي
وكخلاصة، يؤكد المختص أن الاستراتيجية العسكرية والسياسة الخارجية الجزائرية، تتمثل في الحفاظ على أمنها الداخلي وتعزيز استقرار المنطقة من خلال تعاون إقليمي ودولي.
وفي الوقت نفسه، يرى بأن الجزائر تواجه تحديات متعددة في مواجهة تهديدات الإرهاب والجريمة المنظمة في منطقة الساحل. وقال، إن «استمرار الجزائر في لعب دور الوسيط ورفض التدخلات الأجنبية يضمن لها الاستقلالية والقدرة على المساهمة في إيجاد حلول للأزمات في المنطقة، رغم التحديات الكبرى التي تواجهها».
ولفت المتحدث إلى قيام الجزائر بتقديم دعم اقتصادي وتنموي ملموس لدول الساحل، حيث أعلنت عن مشاريع تنموية تشمل بناء مساجد ومدارس وحفر آبار مياه ومستوصفات طبية وطرق، وذلك في إطار تعزيز التعاون الاقتصادي والاجتماعي مع دول المنطقة.
وأفاد هامل، بأن الجزائر، ورغم حجم التحديات، تواصل جهودها لتعزيز استقرار وأمن منطقة الساحل، مع التركيز على التنمية الاقتصادية والاجتماعية والتعاون الإقليمي، وذلك في إطار استراتيجيتها الشاملة لمواجهة التحديات الأمنية والتنموية في المنطقة.