التهــديــد بطرد المهـاجرين يهدّد النسيج الاجتماعي الفرنسي
فرنسا تغطي غابـة أزماتهــا المتعدّدة بورقة الهجـرة الباليـة
خبير قانوني: الدستور الجزائـــري يفرض واجب حماية الجالية الوطنية
أعلنت الناطقة الرسمية باسم الحكومة الفرنسية، صوفي بريما، أن كلا من «رئيس الجمهورية والوزير الأول وزير الخارجية، يعكفون حاليا على إجراءات أخرى أكثر أهمية، وبالتحديد بخصوص جزء من الجالية الجزائرية»، ويعتبر هذا تطورا كاشفا لما كان مستورا، من تخف وراء اليمين المتطرف الذي أريد له أن يظهر في الواجهة لتنفيذ سياسة لا تختلف بشأنها القيادة هناك، ما يعني أن فرنسا المستسلمة لليمين المتطرف انخرطت في خرق القانون الدولي، والاتفاقيات الثنائية بينها وبين الجزائر فيما تعلق بحقوق المهاجرين.
تصاعد الأزمة الداخلية
هذه الخطوة، وإن كانت تعكّر العلاقات الثنائية الجزائرية الفرنسية، إلا أنها تهدّد في الواقع النسيج الداخلي الفرنسي، فهي من جهة إن لوحت بورقة الهجرة ضد الجالية هناك، فإنها تهدّد بإحداث شغور في عديد الوظائف، ومنها شلّ المستشفيات حيث أن معظم الأطباء والعاملين في المجال الطبي هم من أصول جزائرية، بحسب إحصائيات فرنسية، كما أنها ستزيد من لهيب الوضع المشتعل أصلا في الداخل الفرنسي، من خلال بث الشك في نفوس باقي الجاليات الأجنبية هناك سيما الإفريقية منها التي تعد بالملايين، بأن الدور آت عليها، مع تنامي معاداة الأجانب الذي تغذيه «فرنسا روتايو» ببث خطاب الكراهية، ولعلّ عملية الاغتيال داخل المسجد في فرنسا دليل على هذا التوّجه.
واجب الحماية
وفي السياق، يقول أستاذ القانون العام، الدكتور موسى بودهان، في اتصال مع «الشعب» أمس، إنها ليست المرة الأولى التي تلوّح فيها فرنسا بطرد الجزائريين أو إلغاء الاتفاقيات المتعلقة بإقامتهم وتنقلهم، وهي الآن بحكم أنها مؤطرة باليمين المتطرف تستعمل أي ورقة لاستفزاز الجزائر، لكن من الناحية القانونية - وإن طبقوا فعلا ما يهدّدون به، حيث سبق وأن هدّدوا بإلغاء اتفاقيات الهجرة 68، لكنهم تراجعوا- ولأنهم يعتبرون أنفسهم دولة الحق والحرّيات ودولة القانون ومهد العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية!!، فعلى الأقل يتعين عليهم احترام الاتفاقيات التي وقعّت على أراضيهم.
في مقابل هذا، لا يمكن أن تتأخر الجزائر أو تتردّد في حماية مواطنيها هناك، حيث أن الدستور الجزائري في مادته 29، ينص على ضرورة أن تتكفل الدولة بحماية جاليتها بالخارج، في إطار احترام القانون الدولي والمعاهدات الدولية ذات الصلة وكذا القانون الوطني لدولة الإقامة، وهو ما تنتهجه الجزائر عكس ما اقترفت فرنسا من خروقات في حق قوانينها والقانون الدولي، وبالمحصلة فإن القوانين الدولية والقوانين الداخلية لفرنسا نفسها، تمنعها من الطرد التعسفي للمهاجرين خاصّة أولئك الذين يملكون وثائق رسمية للإقامة هناك، وبعضهم يتمتع بالجنسية الفرنسية، وهو ما يصعّب المهمة أمام فرنسا، ضد مواطنين فرنسيين اكتسبوا الجنسية الفرنسية.
ريادة الجزائر تُزعج فرنسا
تعيش فرنسا أزمات متعدّدة تحاول أن تغطيها من خلال رفع ورقة الهجرة مع الجزائر في كل مرّة، وقد أصبح موقف فرنسا معلوما من كل تطوّر وتقدم تحرزه الجزائر، والذي يعني بالضرورة تقلص الوجود الفرنسي في الجزائر، ففي وقت يزداد الدور الجزائري في منطقتها وتوسع علاقاتها مع دول أوروبية كثيرة، ترى فرنسا نفسها قد خسرت في الزاوية الضيقة، وبعد فقدانها مصالحها في إفريقيا ما راء الصحراء، ها هي تنظر إلى مديونيتها الضخمة، المقدرة بأكثر من ثلاثة آلاف مليار أورو، فلا تجد تبريرا لها، ولا تستطيع سدادها بعد غلق منافذ النهب عليها. وعليه تحاول صرف الأنظار - في كل مرة - بـ»الرقص» على ورقة الهجرة.