يجعل مـن «الجـزائر» فزّاعة سياسية في فرنسـا!

روتايو..الوزيـر الشريـر يضاعف السرعة نحو نهايتــه المحتومة

علي مجالدي

سياسيون مبتدئون يكرسون خطابا ساذجا ويحنون للعهد الاستعماري البائد

حملات دعائية مفضوحة.. عنصرية مقيتة وسقوط في الحضيض

لا تزال الجزائر، بتاريخها المجيد وكرامتها الراسخة، تواجه الحملات الدعائية والهجومات الكلامية المتكرّرة من الأصوات اليمينية المتطرّفة في فرنسا، ممن يبدو أنهم لم يتصالحوا بعد مع حقيقة أن الجزائر تحرّرت ذات يوم من نير الاستعمار الفرنسي بإرادة لا تقهر، وبثمن باهظ من دماء أبنائها، وتتخذ هذه الحملات في كثير من الأحيان شكلًا مفضوحًا من الابتزاز السياسي الرخيص، يرتدي عباءة «السياسة الداخلية الفرنسية»، لكنه موجّه بشكل مباشر للهجوم على الجزائر واستفزاز كرامتها الوطنية، من خلال بوابة الجالية الجزائرية بفرنسا، والتي تواجه تحريضا مستمرا ضدّها في كل مرّة يشتد فيها الخطاب العنصري.

آخر تجليات هذا التوتر جاءت على لسان وزير الداخلية الفرنسي برونو روتايو، الخميس المنصرم، والذي باتت الجزائر تمثل له - على ما يبدو - عقدة سياسية وهوسًا إعلاميًا لا يخفيه حتى في أكثر خطاباته تحفظًا.. الوزير الذي لا يُخفي خلفيته اليمينية المتطرفة، عاد مجددًا ليتوعد باتخاذ «تدابير جديدة ضد الجزائر»، في لهجة لا تليق بمسؤول في دولة، يفترض أنه يتحدث باسم حكومة تحترم الأعراف الدولية ومبادئ حقوق الإنسان.. علاوة على ذلك، فإن تصرفات هذا الوزير باتت محط سخرية حتى داخل الأوساط الفرنسية، إذ لا يمر أسبوع دون أن يتحدث عن الجزائر بشكل يوحي بأن لا قضية في أجندته سوى مهاجمة بلد لم يعد يقبل أن يُملى عليه شيء. في سياق متصل، يرى كثير من المتابعين أن روتايو يقدم الجزائر على أنها «فزاعة»، ويغطي بمهاجمتها فشله الداخلي في معالجة قضايا الهجرة، والاندماج، وتصاعد الاحتقان الاجتماعي داخل فرنسا. والأخطر من ذلك، هو الاستهداف المتكرّر للمسلمين، ومحاولات إقصاء المرأة المسلمة من المشهد العام عبر قرارات تتعارض بشكل صارخ مع مبادئ الحرّية الفردية والمساواة، وهي نفس المبادئ التي تتغنى بها فرنسا ليل نهار، ثم تتخلى عنها فجأة حين يتعلق الأمر بجزائري أو جزائرية.
ولا يمكن إغفال نبرة الحنين الاستعماري التي تُخيّم على تصريحات الوزير الفرنسي، خاصة حين يتحدث بلغة الوصاية، ويوحي بأن باريس لم تستخدم بعد «توازن القوى» الكافي تجاه الجزائر. هذا التصوّر لا يعكس فقط غطرسة سياسية موروثة من قرون الاحتلال، بل يكشف عن جهل بالواقع الجديد، فالجزائر اليوم ليست دولة خاضعة، بل دولة ذات سيادة كاملة، مستقلة القرار، محصنة بالإرادة الشعبية وبشرعية تاريخية لا يمكن لأي خطاب استعمار جديد أن يهزّها.
وفي السياق، تروّج الأبواق الساذجة لأكذوبة قديمة جديدة، مفادها أن فرنسا تقدّم «مساعدات اقتصادية» للجزائر!!، وأنها قادرة على سحبها كورقة ضغط!! وهو زيف لا يصمد أمام أبسط تمحيص، فالجزائر لا تعيش على إعانات، بل على مواردها وسياساتها، وهي تسير بخطى ثابتة نحو تنويع اقتصادها وترسيخ مكانتها الجيو-سياسية في البحر المتوسط وإفريقيا والعالم. وتكرار مثل هذه المزاعم لا يدل سوى على أزمة في المخيال السياسي لليمين الفرنسي المتطرف الذي يرفض الاعتراف بأن مرحلة ليّ الذراع قد ولّت وانتهت إلى غير رجعة.
وفي خضم هذه الحملات، يبقى موقف الجزائر واضحًا وثابتًا، ويرفض أي منطق وصاية، ورفض أي خطاب يُبطن الحقد أو يعيد إنتاج الاستعمار في صيغة كلامية. كما أن الدفاع عن الجالية الجزائرية في فرنسا، وعن حقها في الكرامة والعيش في أمان، لا ينفصل عن الدفاع عن سيادة الجزائر ومكانتها، لأن هذه الجالية هي امتداد حي لذاكرة النضال الوطني، وهي شاهد حيّ على أن التاريخ لا يمكن محوه أو الالتفاف عليه.
وهكذا، فإن ما يحدث اليوم ليس مجرد نزوة من وزير متطرف، بل هو جزء من معركة أوسع بين مشروعين، مشروع يقوم على الاحترام المتبادل والسيادة والندية، تمثله الجزائر والعديد من الأوساط السياسية في فرنسا، وآخر لا يزال أسير الماضي الاستعماري ومهووسًا بتصفية حسابات خاسرة مع شعب لم يركع يومًا.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19816

العدد 19816

الإثنين 07 جويلية 2025
العدد 19815

العدد 19815

الأحد 06 جويلية 2025
العدد 19814

العدد 19814

السبت 05 جويلية 2025
العدد 19813

العدد 19813

الخميس 03 جويلية 2025