تشخيــص عميـــق وجريء.. ودعـوة صريحــة لإصــلاح البيــت العربـي
خطـاب إصلاحــي صريـح موجــه إلى الداخــل العربـي لمراجعة جريئــة لبنيـة النظام العربــي
حظيت كلمة رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، الموجّهة للقمة العربية المنعقدة بالعاصمة العراقية بغداد، باهتمام العديد من المراقبين الخبراء ووسائل الإعلام، كونها حملت في طيّاتها رسائل سياسية واضحة، ورؤية استراتيجية تؤسّس لمسار العمل العربي المشترك في ظل التحديات الراهنة، وما تعيشه المنطقة من تجاذبات محلية وإقليمية.
اعتبر الخبير الأمني والاستراتيجي، الدكتور أحمد ميزاب، أنّ كلمة رئيس الجمهورية التي ألقاها نيابةً عنه وزير الخارجة أحمد عطّاف، شكّلت موقفاً واضحاً من التحديات التي تواجه العالم العربي، ورسالة قويّة تعكس التزام الجزائر الثابت تجاه القضايا العربية وعلى رأسها القضية الفلسطينية
وقال ميزاب إنّ رئيس الجمهورية وضع تشخيصاً دقيقاً للوضع العربي الراهن، مبرزاً ثلاثة مستويات رئيسية، تشخيص صارم، دعوة إصلاحية، وموقف ديبلوماسي هادئ، لكنه غير متهاون، انطلق من الانحراف الخطير الذي تعرفه القضية الفلسطينية في ظل محاولات تصفيتها من خلال تبني حلول تخدم الاحتلال الصهيوني.
وأضاف ميزاب قائلاً إنّ كلمة الرّئيس تبون انطلقت من لحظة رمزية تتمثّل في مرور ثمانين عاماً على تأسيس جامعة الدول العربية، ليقارن بين المبادئ التي تأسّست عليها هذه المنظمة، ويستحضر التباين الحاد بين المبادئ التي تأسّست عليها المنظمة والواقع المتدهور اليوم، مشيراً إلى أن رئيس الجمهورية أبرز ثلاثة مستويات رئيسية تلخّص المشهد العربي، أوّلها الانحراف الخطير الذي تعرفه القضية الفلسطينية التي “لم تعد مجرّد ملف مهدّد، بل باتت تتعرّض لتصفية ممنهجة في ظل صمتٍ وعجز دولي”، كما أشار إلى أنّ الاحتلال يفرض رؤيته الأحادية للسلام بشكل يعزّز هيمنته على حساب العدالة والحقوق، في وقتٍ يشهد فيه النظام الدولي تحوّلات خطيرة تكرّس منطق القوة بدل الشرعية، ممّا يشكّل تهديداً مباشراً لمنظومة الأمن العربي الجماعي”.
وتابع الدكتور ميزاب قائلاً إن كلمة رئيس الجمهورية في القمة العربية لم تقتصر على تشخيص الواقع فحسب، بل حملت خطاباً إصلاحياً صريحاً موجّهاً إلى الداخل العربي يدعو إلى مراجعة جريئة لبنية النظام العربي القائم.
وتأتي الدعوة إلى إصلاح الجامعة العربية - حسب المتحدّث - في مقدمة هذا الخطاب الإصلاحي، وهو موقف سياسي واضح ينطوي على نقد مباشر لهياكل لم تعد صالحة لمعالجة الأزمات، كما أكّد الرئيس أنّ دعم القضية الفلسطينية ليس مسألة خيار سياسي، بل واجب جماعي.
اعتمد الرئيس في خطابه - وفق ميزاب - على صياغة محسوبة تعكس موقفاً استراتيجياً ضمنياً يهدف إلى توسيع الحضور الجزائري في القضايا الإقليمية، مشيرا - في الإطار ذاته - إلى أنّ عضوية الجزائر في مجلس الأمن ليست امتيازاً رمزياً، بل وسيلة لحمل قضايا الأمة والدفاع عنها في المحافل الدولية.
وخلص محدّثنا إلى أنّ كلمة رئيس الجمهورية في قمة بغداد اتّسمت بقدر كبير من الحصافة الديبلوماسية دون أن تفقد نبرتها القوية والصارمة، فقد عبّرت عن مواقف استراتيجية صريحة وجريئة، تعكس رغبة الجزائر في توسيع حضورها الإقليمي والدولي، وهي كلمة قدّمت رؤية شاملة وواضحة تنطلق من الثوابت، وتوجّه دفّة العرب نحو إصلاح البيت الداخلي، واستعادة مكانتهم في عالم مضطرب، وهو ما تدعو إليه الجزائر كقوة دبلوماسية فاعلة وواضحة في مواقفها.