الدوائر الفرنسيـة المعادية للجـزائر

فرنسا.. منطق العصابات المافيوية يهزم منطق الدولة!

حمزة.م

القائمون على التسريبات ينفـذون آخر ما تبقّــى من ورقة طريق مكشوفـة

عمدت الدوائر الفرنسية المسؤولة عن مهمة تخريب العلاقات مع الجزائر، إلى انتهاج أسلوب التسريبات الإعلامية، كأداة لإدارة الأزمة المتفاقمة بين البلدين، في محاولات تضليلية مفضوحة لن تمنحها أبدا صفة «المنتصر» في معركة القبضة الحديدية التي نادى بها تيار اليمين العنصري.

لجوء باريس، في الآونة الأخيرة، إلى الصحف، للتلويح بخطوات تصعيدية ضد الجزائر، دون المرور عبر القنوات الرسمية، دليل كاف على نفاد مصداقية النظام الفرنسي في إدارة علاقة مع دولة ذات سيادة وفق مقتضيات الاتفاقيات الثنائية والأعراف الدبلوماسية والقانون الدولي.
وبعدما أثبت التساؤل عمن يحكم في فرنسا، أهو الرئيس إيمانويل ماكرون أم ممثلو التيار اليميني في الحكومة؟ جديته المطلقة، بات التساؤل مشروعا، اليوم، عما تبقّى من مصداقية لدى فرنسا، ليس في علاقتها مع الجزائر فحسب، بل مع دول أخرى.
وعندما تستخدم باريس، مرة صحيفة «الفيغارو» للحديث عن منع الجزائريين حملة جواز السفر الدبلوماسي من دخول التراب الفرنسي، دون تأشيرة، ومرة أخرى صحيفة «الإيكسبرس» للتهديد بتجميد أصول وممتلكات بعض المسؤولين الجزائريين، لديها، فإنها ترسل إشارات واضحة عن حالة انهيار في منظومة اتخاذ القرار الفرنسي، وعن سيطرة الفكرة المافيوي على مفاصلها.
وكان اعتقال عون قنصلي جزائري، أسبوعا بعد زيارة وزير الخارجية الفرنسي إلى الجزائر والاتفاق على إعادة تطبيع العلاقات الثنائية على ضوء مخرجات المكالمة الهاتفية بين رئيس الجمهورية ونظيره الفرنسي، دليلا واضحا على سيطرة منطق العصابات على منطق الدولة في هذا البلد الذي يطارده ماضيه الاستعماري.
القائمون على هذه التسريبات، ينفذون آخر ما تبقى ورقة طريقة مكشوفة منذ أشهر، نادى بها مرارا السفير الفرنسي الأسبق، لدى الجزائر والذي أصبح الآن ناطقا رسميا، باسم اليمين المتطرف.
هذا السفير، يقدم نفسه على أنه الأكثر دراية بالشأن الجزائري والأكثر تعمقا في معرفة نقاط الاستهداف التي من شأنها أن تجعل الجزائر ترضخ وتتراجع، وقد عملت الحكومة على تنفيذ جل مقترحاته بما فيها، العمل في «غموض» و»سرية» لمفاجأة الجزائريين.
وترسخ الاعتقاد لدى هذه الدوائر، أن التركيز على التأشيرات وعلى ممتلكات المسؤولين، ستكون بمثابة أعلى درجة سلم التصعيد، التي ستنهي «ندية» الجزائر، لأن منتهى الفهم لديهم يعتبر أن السفر إلى فرنسا بجواز دبلوماسي دون الحاجة إلى تأشيرة وامتلاك سجل تجاري على التراب الفرنسي، يمثل أقصى درجات الامتياز في الاعتقاد الجزائري، كما أنه يمكن أن يثير حفيظة الجزائريين في نفس الوقت.
ومن ينقر على هذا الوتر عبر التسريبات الإعلامية المنتقاة، يستهدف تمرير فكرة الإجراء «العقابي» وضرب الانسجام الوطني للجزائر، وبالتالي إبقاء فرنسا كصاحبة اليد العليا، لكنها قراءة لا تنم إلا عن وهم وخيال لا وجود له على أرض الواقع.
عقد نفسية
لقد تركزت قراءات الخبراء الجزائريين في فهمهم للتصرفات العدائية الفرنسية تجاه الجزائر، منذ ما يقارب السنة، على اعتبارها امتدادا للذهنية الكولونيالية، التي يرفض كثير من الفرنسيين ومن ذوي المسؤوليات النافذة، التخلي عنها.
ولكن التصرفات «الغامضة» و»المشبوهة»، على غرار التسريبات الإعلامية، تكشف عن أمر آخر، وهو «العقدة النفسية» لدى القائمين على مشروع تخريب العلاقة مع الجزائر. فالسفير الأسبق، الذي مر على الجزائر في مناسبتين، سيموت وفي حلقة غصّة أن الجزائر أنهت مشواره الدبلوماسي بعنوان عريض اسمه «الفشل»، إذ لم يستطع وهو الذي يعتقد أنه أدرى الناس فهماً بالشأن الجزائري، فرض الخيار الانتقالي سنة 2019، ولم يقدم أي تحليل أو قراءة سليمة للأحداث يومها، عدا ما يحصل عليه من وشايات الطابور الخامس والخبارجية.
نفس العُقد يعاني منها الوزير الحاقد روتايو، الذي خدم والده في الجيش الفرنسي الذي قتل الجزائريين أيام الثورة، هو وكل المسؤولين الذين لهم علاقة مباشرة مع أعضاء منظمة الجيش السري الإرهابية.
محاولة إخضاع الجزائر بأساليب لا تمت بصلة للقنوات التي دائما ما احتكمت إليها العلاقات الثنائية، لا تنم عن تصرف مسؤول لدولة، وإنما عن منطق عصابات مافيوية، تحركها غريزة الانتقام واللهث وراء محو عار الاستعمار وعار الخروج المهين من الجزائر سنة 1962 وعار الجرائم التي تطارد فرنسا الرسمية، في كل مناسبة تحييها الجزائر.
إفعلوا ما شئتم!
التسريبات الإعلامية الفرنسية، تمثل إدانة بالغة لفرنسا، كونها ترسم خروجا فاضحا عن منطق الدولة ومنطق القواعد الدبلوماسية، لأن اتفاقية 2007 والمحيّنة سنة 2013، هي التي تنص على إعفاء حاملي جواز السفر الدبلوماسي وجواز السفر الخاص بالمهمة من التأشيرة لكلا البلدين.
وتحدد المادة الثامنة من الاتفاقية طرق إلغاء الاتفاقية وليس التسريبات عبر الصحف اليمينية المعادية للجزائر. ثم إن هذه الاتفاقية جاءت بعد إصرار وطلبات متكررة للجانب الفرنسي، بدأت سنة 1986، غداة فرض باريس التأشيرة على الجزائريين وانقلابها على مبدإ حرية تنقل الأشخاص.
كما أن إنشاء الجزائريين لسجل تجاري في فرنسا، يحتكم إلى نص صريح في اتفاقية 1968 والتي جاءت لتقلص مضمون اتفاقيات إيفيان، وكل التجاوزات التي تتم في هذا الخصوص حدثت من قبل الجانب الفرنسي.
لم يكن على فرنسا أن تزايد بتجميد ممتلكات مسؤولين جزائريين لديها، وإنما كان عليها أن تتجاوب مع 51 إنابة قضائية وجهت لها عن طريق العدالة الجزائرية، تخص أموال منهوبة وممتلكات مرتبطة بعائدات إجرامية لمسؤولين سابقين.
لكن باريس رفضت التجاوب مع مسعى محاربة الفساد، وقررت الاستئثار بعائداته في بنوكها، وكذا الاستئثار بالمجهود التخريبي لأشخاص مطلوبين لدى العدالة الجزائرية وبينهم إرهابيون.
أثبتت فرنسا أنها ليست بلدا جادا في مكافحة الفساد، وليس بلدا آمنا بالنسبة لرؤوس الأموال الأجنبية ولحقوق العمال الأجانب الذين ساهموا في إعادة بنائها منذ ستينيات القرن الماضي.
أما بخصوص ممتلكات المسؤولين الجزائريين، فقد كانت برقية وكالة الأنباء الجزائرية، حينما خاطبت الدوائر الفرنسية التي تقف وراء التسريبات قائلة: «تفضلوا ونفذوا ما تتحدثون عنه!».
وأكدت بذلك، أن النظر إلى الجزائر، من نافذة «الريع» أو «النظام»، ينمّ عن جهل عميق بحقيقة هذه البلاد التي لا يمكن أن تقايض سمعتها الدولية وسيادتها أبدا، لأن ثمن استرجاع هذه السيادة باهظ جدا، وقوامه 5.630.000 شهيد.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19786

العدد 19786

السبت 31 ماي 2025
العدد 19785

العدد 19785

الخميس 29 ماي 2025
العدد 19784

العدد 19784

الأربعاء 28 ماي 2025
العدد 19783

العدد 19783

الثلاثاء 27 ماي 2025