زيادات مهمة في الأجور واستمرار ديناميكية الاستثمار
الناتج المحلي الإجمالي خارج المحروقات نما بـ4,8٪
تعزيز الإنتاجية والتحول الهيكلي ضمانة لصلابة الاقتصاد
الأداء الفلاحي ساهم في استقرار أسعار المواد الغذائية
ديناميكيـة الاستثمار حفزت الواردات في الصنـاعـات التحويلية والخدمــات
كشف تقرير حديث للبنك الدولي حول الوضع الاقتصادي في الجزائر، عن استمرار الأداء القوي للاقتصاد الوطني خلال عام 2024، مع تسجيل نمو ملحوظ في الناتج المحلي الإجمالي خارج قطاع المحروقات وتراجع ملموس في معدلات التضخم.
ومع هذه المؤشرات الإيجابية، شدد التقرير، على ضرورة تعزيز الإنتاجية في القطاعات الحيوية، لتحقيق نمو اقتصادي أكثر استدامة وتنوعا، وتقليل التأثر بالمخاطر الخارجية، خاصة تقلبات أسعار النفط والغاز.
أكد خبراء في الاقتصاد للبنك الدولي، في لقاء إعلامي أمس، استعرضوا فيه تقرير البنك الدولي حول الوضع الاقتصادي في الجزائر للنصف الأول من عام 2025،أن الاقتصاد الجزائري حافظ على أدائه القوي في عام 2024، حيث أبرزت البيانات نموا قويا في القطاعات غير النفطية والغازية، وصل إلى نسبة 4,8%.
وأرجع تقرير البنك الدولي هذا الأداء الإيجابي بشكل رئيسي إلى قوة الطلب المحلي، مدفوعا بزيادة الاستهلاك الخاص الذي تعزز بفضل الزيادات الأخيرة في الأجور، بالإضافة إلى استمرار ديناميكية الاستثمار التي حفزت بدورها الواردات، خاصة في قطاعي الصناعات التحويلية والخدمات. كما شهد العام نفسه انخفاضا لافتا في معدل التضخم ليصل إلى 4,0%، وهو ما يعود جزئيا إلى الأداء الجيد للقطاع الفلاحي الذي ساهم في استقرار أسعار المواد الغذائية، على الرغم من التحديات المتعلقة بمحدودية الأمطار.
ومع ذلك، يتوقع التقرير تباطؤ بسيط لوتيرة نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي خلال عام 2025، في ظل استعادة قطاع المحروقات لنشاطه الطبيعي.
تحديات التوازنات المالية والخارجية
لم يخل المشهد الاقتصادي من بعض التحديات، حيث أشار تقرير البنك الدولي إلى أن تراجع إنتاج المحروقات، مقترنا بنشاط الواردات، أدى إلى تدني طفيف في الحساب الجاري.
وأشار التقرير، إلى أن قطاع المحروقات، الذي يعد عصب الاقتصاد، شهد بعض التراجع، بسبب الالتزام بتخفيضات حصص الإنتاج المتفق عليها دوليا إلى انخفاض إنتاج النفط وبالتالي تراجع حجم الصادرات النفطية.
غير أن التقرير يتوقع تسجيل انتعاش قطاع المحروقات في عام 2025، بدعم من رفع حصص الإنتاج، ما سيمكن الجزائر من تعزيز صادراتها من النفط والغاز. وأشار إلى أن الطلب العالمي مستقر نسبيا، وهو ما من شأنه دعم الصادرات الجزائرية وتحقيق بعض التوازنات المالية الداخلية والخارجية.
غير أن تراجع أسعار النفط إلى حوالي 62 دولارا لبرميل برنت خلال النصف الأول من 2025 قد ينعكس سلبا على قيمة الصادرات في الدول المعنية بالنفط.
ولم يكن قطاع الغاز بمنأى عن هذه التحديات، حيث تأثر إنتاجه بانخفاض الطلب من الشركاء الدوليين، مما أدى إلى تراجع صادرات الغاز، وبشكل خاص الغاز الطبيعي المسال (GNL) الذي يتميز بقيمته التصديرية الأعلى. ورغم استقرار أسعار النفط نسبيا، فإن أسعار الغاز المصدر شهدت انخفاضا، تفاقم أثره بسبب تراجع حصة الغاز الطبيعي المسال الأكثر ربحية ضمن هيكل الصادرات، وأدت هذه العوامل مجتمعة إلى انخفاض إجمالي عائدات صادرات المحروقات.
وعلق كمال براهم، الممثل المقيم للبنك الدولي في الجزائر، قائلا: «يظل مسار النمو في الجزائر متينا، إلا أن التوازنات المالية والخارجية تبقى حساسة لتقلبات أسعار النفط والغاز العالمية». وأكد براهم على أن مواصلة التحول الهيكلي أمر أساسي لتعزيز القدرة على الصمود ودعم النمو المستدام.
الإنتاجية والتحول الهيكلي.. مفتاحا النمو المستدام
يضع تقرير البنك الدولي خارطة طريق لدعم النمو الاقتصادي على الأمد الطويل، مركزا بشكل خاص على ضرورة تحسين الإنتاجية. وشدد على أهمية توجيه الوظائف تدريجيا نحو القطاعات ذات القيمة المضافة العالية، بهدف تقليل الاعتماد على الإنفاق العام وعائدات قطاع المحروقات.
ويرى البنك، أن هذا التحول سيجعل الاقتصاد الجزائري أكثر استعدادا وقدرة على مواجهة الصدمات الاقتصادية المستقبلية عالميا.
وأوضح الخبير الاقتصادي للبنك الدولي المكلف بالجزائر سيريل ديبون، أن مكاسب الإنتاجية، خاصة في قطاعي التصنيع والخدمات، ضرورية لتحفيز إمكانات النمو.
وأضاف، أن استمرار التحول نحو قطاعات ذات قيمة مضافة عالية، بدعم من إصلاحات مالية متدرجة، وتعزيز الاستثمار الخاص وتطوير استراتيجية متكاملة للمهارات سيكون عاملاً أساسيًّا لبناء اقتصاد أكثر قدرة على الصمود.
تعزيز الاستدامة الاقتصادية
أبرز التقرير، أهمية الإجراءات والسياسات، التي تشمل تعزيز إطار السياسات الاقتصادية الكلية والحوكمة الاقتصادية لضمان إدارة فعالة ومستقرة للاقتصاد، الاستثمار الاستراتيجي في رأس المال البشري لتطوير المهارات والكفاءات لتلبية احتياجات سوق العمل المستقبلية ودعم القطاعات ذات القيمة المضافة العالية.
كما يركز التقرير على تشجيع الاستثمار الأجنبي المباشر ليس فقط كمصدر للتمويل، بل كآلية رئيسية لنقل التقنيات الحديثة والممارسات المتقدمة وتعميمها داخل الاقتصاد، معتبرا هذا الأمر حاسما في مسار انتقال البلدان من فئة الدخل المتوسط إلى فئة الدخل المرتفع.
وخلص التقرير إلى أن الجزائر تمتلك أساسا اقتصاديا متينا، ولمواصلة تحقيق الازدهار المستدام ينبغي تنويع مصادر النمو وتعزيز الإنتاجية وبناء اقتصاد أكثر مرونة في مواجهة التحديات العالمية.
جدير بالذكر، أن التحليلات الاقتصادية المقدمة لم تقتصر على البيانات الرسمية فقط، بل استعانت أيضا بمصادر بيانات بديلة ومبتكرة، مثل صور الأقمار الصناعية لمراقبة الإضاءة الليلية (كمؤشر للنشاط الاقتصادي) والنمو الزراعي وهطول الأمطار، بالإضافة إلى تتبع حركة الملاحة في الموانئ لتقدير حجم التبادل التجاري.
وبحسب الشروحات المقدمة، تهدف هذه الجهود التحليلية، التي تتم أحيانا بالتعاون مع مؤسسات دولية كالبنك الدولي، إلى فهم أعمق لديناميكيات الاقتصاد الجزائري، وتحليل جاذبية الاستثمار الأجنبي، وقياس إنتاجية القطاعات المختلفة لدعم جهود التنويع الاقتصادي.