السوق الإفريقية بنية خصبة وواعدة للمنتجات الجزائرية
ترسيخ مبدأ التحرر السياسي لا يكتمل دون تحرر اقتصادي
يحمل توجه الجزائر بقيادة رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون، نحو تعزيز حضورها في عمقها الإفريقي طابعا استراتيجيا ذا أهمية كبيرة، خاصة في ظل التحولات الجيوسياسية التي يشهدها العالم اليوم، ويمكن النظر إلى هذا التوجه من زوايا متعددة: سياسية، اقتصادية، اجتماعية، وجيوستراتيجية.
على الصعيد السياسي، يعد تعزيز الحضور الجزائري في القارة الإفريقية امتدادا طبيعيا للمواقف التي دافعت عنها الجزائر منذ سبعينيات القرن الماضي، والتي طالبت بتمكين الشعوب الإفريقية من التحكم في ثروات قارتهم، القارة الإفريقية، الغنية بالموارد الطبيعية والمعدنية والطاقوية، التي طالما كانت هدفا للتدخلات الأجنبية.
لطالما كانت الجزائر من أوائل الدول التي أكدت، منذ عقود، أن التنمية السياسية والاقتصادية والاجتماعية في إفريقيا لا يمكن أن تتحقق ما لم تسترجع الشعوب الإفريقية سيادتها على ثرواتها، فقد شددت الجزائر في مختلف المحافل الإقليمية والدولية، على أن التحرر السياسي لا يكتمل دون تحرر اقتصادي.
أما من الناحية الاقتصادية، فإن الانفتاح الجزائري نحو إفريقيا يحمل أبعادا واعدة، السوق الإفريقية تعد من أكبر الأسواق العالمية، حيث تضم ما يقارب 1.5 مليار نسمة، منها نحو 400 مليون في منطقة غرب إفريقيا وحدها، هذه السوق تشهد منافسة حادة بين القوى العالمية، مثل الصين والولايات المتحدة من جهة، والدول الأوروبية من جهة أخرى.
ومن هذا المنطلق، تسعى الجزائر إلى تحقيق استفادة اقتصادية من خلال تعزيز صادراتها خارج قطاع المحروقات، حيث تهدف إلى رفع قيمتها إلى 10 ثم 15 مليار دولار، وصولا إلى 30 مليار دولار بحلول عام 2030، وتعد السوق الإفريقية بيئة خصبة وواعدة للمنتجات الجزائرية، التي تمتلك مقومات تؤهلها للمنافسة بقوة داخل هذه السوق المتنامية.
وحرصت الجزائر، خلال الفترة الأخيرة، على إطلاق عدد من المشاريع الاستراتيجية الهامة، التي تهدف إلى تعزيز علاقاتها الاقتصادية وتعميق أواصر التعاون مع الدول الإفريقية، ومن أبرز هذه المشاريع «طريق الوحدة الإفريقية، إلى جانب مشروع أنبوب الغاز الرابط بين نيجيريا والنيجر والجزائر.
وتعمل الجزائر على إنشاء خمس مناطق حرة مع الدول الإفريقية، وقد باشرت فعليا بإنجاز واحدة منها مع موريتانيا، وفي هذا السياق، يعد طريق الزويرات مشروعا استراتيجيا مهما، يربط الجزائر بموريتانيا، وقد تولت الجزائر تمويل وإنجاز هذا الطريق بما في ذلك الجزء الذي يمر عبر الأراضي الموريتانية، بتكلفة تتجاوز مليار دولار.
وفي إطار دعم التبادل الاقتصادي، قامت الجزائر بفتح فروع لبنوك عمومية في عدد من العواصم الإفريقية، من بينها داكار ونواكشوط، بالإضافة إلى زيادة عدد الرحلات الجوية والبرية مع العديد من الدول الإفريقية، كما أطلقت الجزائر مشروعا يربطها بدول إفريقية عبر شبكة الألياف البصرية، في خطوة تهدف إلى تعزيز البنية التحتية الرقمية للقارة.
كما تعمل الجزائر على تقوية علاقاتها الاقتصادية مع الدول الإفريقية، من خلال تنظيم معارض تجارية مشتركة وتبادل الوفود الاقتصادية، مما يساهم في فتح أسواق جديدة للمنتجات الجزائرية، وتسعى أيضا إلى تشجيع الاستثمارات المتبادلة وتسهيل حركة رجال الأعمال، بهدف بناء شراكات قوية تعود بالفائدة على الجميع وتعزز التنمية داخل القارة الإفريقية.
تهدف الجزائر، من خلال هذه الخطوات، إلى بناء علاقات تعاون طويلة المدى مع الدول الإفريقية، تقوم على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة، كما تولي اهتماما خاصا بتبادل الخبرات في مجالات مثل الزراعة، الطاقة، والتعليم، من أجل دعم جهود التنمية في القارة وتحقيق نمو اقتصادي شامل يخدم الشعوب الإفريقية.
الجزائر ومن خلال هذه المشاريع والمبادرات تسعى إلى تقوية علاقاتها مع الدول الإفريقية وتعزيز انتمائها للقارة، فهي لا تركز فقط على تحقيق مكاسب اقتصادية، بل تهدف أيضا إلى دعم التنمية في إفريقيا ومساعدة الشعوب، فهي تؤمن بأن مستقبلها مرتبط بمستقبل القارة، وأن التعاون بين الدول الإفريقية ضروري لمواجهة التحديات التي تعاني منها.
كما أنها لا تسعى فقط إلى فتح أسواق جديدة أو تحقيق أرقام في التصدير، بل تعمل على ترسيخ شراكة حقيقية مع الدول الإفريقية، مبنية على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة، وهي بذلك تؤكد أن مستقبل القارة يجب أن يصنع بأيادي أبنائها، وأن التعاون الإفريقي هو السبيل لمواجهة التحديات.
إن التوجه الجزائري نحو تعزيز حضورها في إفريقيا ليس مجرد خيار اقتصادي أو سياسي، بل هو رؤية استراتيجية شاملة، تعكس قناعة راسخة بأهمية العمق الإفريقي في بناء مستقبل مشترك يعود بالنفع على الجميع.