تضمن الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي.. خبراء لـ"الشعب":

الفلاحة مفتاح الأمن الغذائي والإكتفاء الذاتي

زهراء بن دحمان

كـريم حسـن: منظومة مستدامة قـادرة عـلـى الاستجابــة للتحديـــات المستقبليـة

عبد المجيد صغيري: قادرون علـى تحقيـق الاكتفــاء الذاتـي مـن القمـح الصلـب والشعـير

أكد رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، خلال ترؤسه لاجتماع مجلس الوزراء المنعقد الأحد، على الأهمية الاستراتيجية لقطاع الفلاحة باعتباره ركيزة أساسية لتحقيق الأمن الغذائي الوطني، ومصدرا رئيسيا للاستقرار الاقتصادي والاجتماعي في ظل الظروف المناخية والاقتصادية المتغيرة التي تعرفها الساحة الدولية.

وفي هذا السياق شدّد الرئيس تبون، على ضرورة رفع مستوى الأداء وتحقيق نتائج أفضل خلال موسم الحصاد والدرس لسنة 2025 مقارنة بالموسم السابق، معتبرا أن النجاح في بلوغ هذا الهدف يتطلب تفعيل العمل الميداني وتركيز الجهود حول فعالية الأداء لا حول الشكليات.
وأمر رئيس الجمهورية بالعمل الصارم والحرص المتواصل من أجل تحسين مؤشرات الإنتاج الوطني، ودعا إلى عقد اجتماع دقيق ومفصل فور نهاية عملية الحصاد يكون مخصصا لتقييم النتائج المحصلة من حيث الكمية والنوعية وتحليل المجهودات الفعلية المبذولة من قبل الفلاحين وإطارات القطاع، مع التأكيد على ضرورة أن يكون هذا التقييم مبنيا على معايير شفافة وموضوعية تسمح باستخلاص الدروس وتوجيه السياسات الزراعية نحو المزيد من النجاعة والفعالية.
وفي سياق الهيكلة الإدارية والتنظيمية وجه رئيس الجمهورية تعليمات صارمة بإعادة ضبط وتجديد الهيكل التنظيمي القائم على تنفيذ مخططات القطاع الفلاحي بما يضمن انسيابية أكبر في العمل وتكامل الأدوار بين مختلف الجهات الفاعلة، حيث شدّد على أن يشمل هذا الضبط المديريات الفرعية وجميع المصالح المعنية على المستوى المحلي والوطني، مع ضرورة تثمين المجهودات الحقيقية لأبناء الميدان الذين يشتغلون في صمت ويساهمون بشكل فعلي في دعم الإنتاج الوطني، ورفض كل الممارسات الاستعراضية التي لا تضيف قيمة عملية حقيقية.

موســم الحصــاد.. محطّــة مفصليـة

في السياق، يقول رئيس المنظمة الوطنية للفلاحة والأمن الغذائي والخبير في الفلاحة والموارد المائية كريم حسن، إن “توجيهات رئيس الجمهورية خلال اجتماع مجلس الوزراء الأخير تؤكد أن موسم الحصاد 2025 يمثل

محطة استراتيجية مفصلية في مسار تعزيز الأمن الغذائي الوطني، حيث شدّد على ضرورة تحقيق نتائج أفضل مقارنة بموسم 2024”.
وأكد الخبير كريم حسن أن هذه التوجيهات تعكس وعيا سياديا بأهمية ترقية القطاع الفلاحي، من خلال أداء ميداني أكثر فعّالية وتخطيط يستند إلى تقييمات علمية واقعية، يأخذ في الحسبان التحدّيات المناخية والاقتصادية التي تواجه شعبة الحبوب.
ويرى الخبير حسن أن الرؤية الجديدة التي عبّرت عنها التعليمات الرئاسية تستوجب مراجعة شاملة لآليات تسيير القطاع، تشمل تقييم النتائج بعد الحصاد، وتجديد الهياكل التنظيمية، وتسليط الضوء على أصحاب المجهودات الحقيقية ميدانيا، واعتبر أن عقد اجتماع تقييمي دقيق بعد انتهاء موسم الحصاد، خطوة في الاتجاه الصحيح، لما تحمله من تكريس لمبدأ الشفافية وربط المسؤولية بالمحاسبة، ما يسمح بتحسين الأداء وتطوير خطط أكثر فعالية للمستقبل.
وبحسب تحليلات الخبير كريم حسن، فإن تحقيق الأهداف المسطّرة لموسم 2025 يقتضي اعتماد مقاربة علمية وتقنية متكاملة، تبدأ بتحسين إدارة الموارد المائية من خلال تطبيق تقنيات الرّي الذّكي، واستغلال نظم جمع وتحليل بيانات الطقس والتربة لتحديد التوقيت المثالي للسّقي. كما أوصى رئيس منظمة الفلاحة والأمن الغذائي باختيار أصناف حبوب محسّنة ومتأقلمة مع خصوصيات المناخ المحلي، بالتنسيق مع مراكز البحوث الزراعية التي تمتلك الكفاءات والخبرات اللازمة في هذا المجال.
وفي الجانب المتعلق بالتسميد والتغذية النباتية، أكد الخبير كريم حسن ضرورة اعتماد التسميد الذكي المبني على تحليل التربة واحتياجات المحاصيل، واستعمال الأسمدة العضوية والبيولوجية لتحسين خصوبة التربة وتعزيز جودة الإنتاج. كما دعا إلى تبني استراتيجيات فعالة في مجال مكافحة الآفات والأمراض، تعتمد على مبادئ المكافحة المتكاملة والاستشعار عن بعد، بهدف تقليل استعمال المبيدات الكيميائية والحفاظ على البيئة وجودة المحصول.
وشدّد الخبير كريم حسن على أهمية تأهيل الفلاحين ميدانيا من خلال تنظيم ورشات تكوينية وتدريبات تطبيقية، تضمن لهم اكتساب مهارات جديدة وتحديث معارفهم في التقنيات الزراعية الحديثة. كما دعا إلى توفير أدوات رقمية تساعد الفلاحين على تتبع مراحل نمو المحصول واتخاذ القرارات المناسبة في الوقت المناسب، ما يسهم في رفع الإنتاجية وتحقيق مردودية أعلى.
واعتبر الخبير كريم حسن أن نجاح موسم الحصاد

لا يقاس فقط بالكميات المنتجة، بل بمدى فاعلية منظومة ما بعد الحصاد، وخاصة فيما يتعلق بالتخزين والنقل والتسويق. وأكد في هذا الصدد أن تحسين البنية التحتية، من خلال تطوير شبكات التخزين والتبريد، وضمان وصول الحبوب إلى الأسواق بجودة عالية، هو عامل حاسم في تقليص الفاقد ورفع المردودية الاقتصادية.
وفي إطار تعزيز التنسيق بين مختلف الفاعلين، اقترح الأستاذ كريم حسن إنشاء المجلس الوطني الأعلى للفلاحة، كهيئة استشارية وتخطيطية عليا تضطلع بمهمة وضع السياسات الزراعية ومتابعة تنفيذها، بالتعاون مع مراكز البحث، الجامعات، ومكاتب الدراسات. ورأى أن هذا المجلس يمكن أن يشكل منصة استراتيجية لتوحيد الجهود، وتبادل الخبرات، وتحفيز البحث العلمي التطبيقي الموجه نحو تحسين إنتاجية الحبوب وتطوير تقنيات استغلال الموارد المائية.
وشدّد الخبير كريم حسن على أهمية تفعيل دور مكاتب الدراسات والاستشارات الفلاحية، من خلال إنشاء قائمة وطنية معتمدة تضمن جودة الدراسات، مع وضع آليات رقابة صارمة لمتابعة تنفيذ المشاريع الزراعية وتحميل المسؤوليات عند التقصير. وأكد ضرورة تعزيز التعاون بين هذه المكاتب ومراكز البحوث الزراعية والجامعات الوطنية، على غرار مركز البحوث الزراعية وجامعة القاهرة، لما لها من دور ريادي في تطوير نماذج زراعية ناجحة ترتكز على الابتكار والتكنولوجيا.
وفي ختام تحليله، شدد الخبير كريم حسن على أن موسم الحصاد 2025 يجب أن يُنظر إليه كمحطة مفصلية في مسار بناء منظومة زراعية مستدامة، قادرة على الاستجابة للتحديات الحالية والمستقبلية، وضمان للسيادة الغذائية الوطنية. ورأى أن نجاح هذه المرحلة مرهون بتظافر جهود كل المتدخلين، من فلاحين، ومهندسين، وإدارات، وباحثين، في إطار منظومة متكاملة تتأسّس على الحكامة، المتابعة الميدانية، واعتماد أحدث ما توصّل إليه العلم في مجال الزراعة الذكية.

إصــلاح آليـــات الإنتـاج وتجميــع المحاصيـــل

من جهته، أكد عضو اتحاد المهندسين الزراعيين الجزائريين ومسؤول التنظيم عبد المجيد صغيري، أن الاهتمام الرئاسي المتجدد بالقطاع الفلاحي والإرادة السياسية الداعمة للزراعات الإستراتيجية، يشكلان فرصة تاريخية لإحداث نقلة نوعية في الإنتاج الوطني وتحقيق السيادة الغذائية بحلول سنة 2030، لاسيما مع انخراط مؤسسات استثمارية دولية ومحلية في مشاريع فلاحية واعدة تعتمد على الابتكار والتكنولوجيا والتسيير العلمي للموارد الفلاحية.
وفي قراءة تقنية للوضع، كشف صغيري بأن عملية الحصاد في ولايات الجنوب سجلت تقدما كبيرا إذ تم جني أكثر من 80 بالمائة من المساحات المزروعة والتي تجاوزت 150 ألف هكتار من الحبوب، مشيرا إلى أن المردودية تراوحت ما بين 50 و80 قنطارا للهكتار، وهو ما يعكس فعالية الجهود المبذولة في هذه المناطق رغم محدودية الموارد.
أما بخصوص المناطق الشمالية، فقد أوضح صغيري أن حملة الحصاد انطلقت بشكل تدريجي منذ أواخر شهر ماي، ومن المتوقع أن تستكمل مع منتصف شهر أوت، مضيفا أن هناك تحديات تقنية لا تزال قائمة على رأسها ارتفاع نسبة الفقد في الحصاد والتي تجاوزت 25 بالمائة، وهو ما يستدعي وفق تعبيره إعادة معايرة وضبط آلات البذر والحصاد بما يضمن تقليص الخسائر ورفع مستوى استرجاع المحصول.
وفي سياق التنظيم اللوجستي والتنفيذي، أبرز عبد المجيد صغيري أهمية تطبيق المادة 30 من قانون المالية التكميلي لسنة 2022 التي تلزم المستثمرين الفلاحيين بتسليم كامل محصولهم إلى تعاونيات الحبوب والبقول الجافة، مشيدا في ذات السياق بعملية استلام مخازن جديدة بعدد من الولايات والتي ساهمت في تسهيل عمليات التجميع والتخزين، خصوصا في الجنوب الذي عانى لسنوات من هشاشة البنية التحتية المخزنية.
ويرى صغيري أن هذه الإجراءات، تندرج ضمن خطة وطنية تهدف إلى رفع القدرة التخزينية إلى ما يفوق 9 ملايين طن، ما يسمح بضمان استقرار المخزون الاستراتيجي للحبوب وتحقيق مرونة أكبر في التعامل مع تقلبات السوق العالمية.
وفي معرض حديثه عن دور الكفاءات، دعا عبد المجيد صغيري إلى إعادة الاعتبار لمكانة المهندس الزراعي عبر صياغة قانون أساسي خاص بهذه الفئة الحيوية، مشددا على ضرورة توسيع صلاحيات المديريات المحلية للزراعة بما يسمح لها باتخاذ قرارات تتماشى مع الخصوصيات المناخية والاجتماعية لكل منطقة.
كما طالب بضرورة إشراك المهندسين الزراعيين في التقييمات التقنية للمواسم الفلاحية وفرض حضورهم في الميدان لاسيما في الشعب الإستراتيجية مثل شعبة الحبوب.
وحول آفاق موسم 2025–2026 أعرب عبد المجيد صغيري عن تفاؤله بإمكانية تحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح الصلب والشعير، خاصة في ظل توسيع المساحات المزروعة إلى أكثر من 2.5 مليون هكتار منها 2.4 مليون في الشمال وقرابة 150 ألف هكتار في الجنوب، إلا أنه نبّه إلى أن أكثر من 80 بالمائة من هذه المساحات تعتمد على التساقطات المطرية، داعيا إلى ضرورة توسيع المساحات المسقية، من خلال استغلال محطات تحلية المياه والمياه المعالجة وربط السدود، بما يسمح بإنشاء محيطات مسقية من شأنها مضاعفة الإنتاج وتحسين الجودة.
كما دعا صغيري إلى إنشاء مجلس أعلى للأمن الغذائي والمائي يتبع لرئاسة الجمهورية، يتولى مهمة إعداد الرؤية الإستراتيجية للقطاع، وتنسيق جهود المؤسسات العمومية والقطاع الخاص، واقتراح حلول علمية قابلة للتنفيذ، بمساهمة الجامعيين والخبراء وممثلي المنظمات المهنية والاجتماعية، مشددا على أن هذا المجلس يجب أن يكون مرجعية وطنية في مواجهة التحديات المناخية وضمان الاستقرار الغذائي والمائي للبلاد.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19799

العدد 19799

الثلاثاء 17 جوان 2025
العدد 19798

العدد 19798

الإثنين 16 جوان 2025
العدد 19797

العدد 19797

الأحد 15 جوان 2025
العدد 19796

العدد 19796

السبت 14 جوان 2025