تقرير «الأفريكسيم بنك» يعتبرها استثناءً إفريقيا بارزا

الجزائر..صلابة اقتصادية ورفض قاطع للإستدانة الخارجية والسيادة خط أحمر

فايزة بلعريبي

الجزائر الأولى إفريقيا في احتياطي الذهب وثاني احتياطي الصرف

سياسة ميزانياتيــة حذرة واحتياطي صرف يعــادل 17 شهرا من الواردات 

هباش لـ «الشعب»: ما تم تحقيقه يعود إلى التنويع الاقتصادي وخلق الثروة وضمــان المديونية الصفريـة

تميزت الجزائر خلال سنة 2025 وسابقتها 2024، بوضع مالي سليم بفضل سياسة صارمة في إدارة الدين الخارجي وتغطية قوية للواردات، في سياق قاري يتسم بتدهور عام في التوازنات الخارجية، حسب ما أكده البنك الإفريقي للاستيراد والتصدير «أفريكسيم بنك» في تقريره حول «الدين» في إفريقيا، الصادر نهاية شهر ماي المنصرم.

وينتظر أن تتجاوز 28 دولة إفريقية فقط، وفق ذات التقرير، العتبة المرجعية في عام 2025، بينما ستسجل دول مثل زيمبابوي، البنين، والكونغو، أقل من شهر واحد من تغطية الواردات، ما يعرضها لمخاطر مرتفعة في ميزان المدفوعات.
في المقابل، تظل الجزائر بعيدة بشكل كبير عن هذه العتبة، بتسجيلها لأدنى نسبة على مستوى القارة، حسب تقرير أفريكسيم بنك، حيث أبرز متانة وضع الجزائر في مجال احتياطيات الصرف، ويتوقع أن تغطي هذه الاحتياطيات ما يقارب 17 شهرا من الواردات خلال 2025، وهو ما يفوق بكثير العتبة المرجعية التي حددها صندوق النقد الدولي بثلاثة أشهر منذ عام 2000.
ورغم أن متوسط ملاءمة الاحتياطيات في إفريقيا ظل أعلى من هذا المستوى، خلال العقدين الماضيين، إلا أن الوضع عرف تدهورا، إذ تراجع متوسط التغطية من أكثر من 10 أشهر، خلال الفترة 2005-2007، إلى 4.5 أشهر في 2023، ومن المتوقع أن يبلغ 4.3 أشهر في 2025. فمن خلال المعطيات السابقة قدم البنك الإفريقي الجزائر «كاستثناء إفريقي بارز»، في مجال إدارة الديون ما يجعل تجربتها مصدر إلهام للدول التي تسعى إلى الاستقلال المالي والسيادي.
مساهمة الأفريكسيم
إن شهادة مؤسسة متميزة، بحجم الأفريكسيم بنك، كمؤسسة مالية إفريقية متعددة الأطراف تم إنشاؤها تحت رعاية بنك التنمية الإفريقي، وإطلاقها رسميا في الاجتماع العام الأول للمساهمين في أبوجا بنيجيريا، في أكتوبر 1993، حيث انضمت الجزائر لهذا الاتفاق في جويلية 2022، ورفعت من قيمة اكتتابها به في شهر فيفري 2025، بـ2285 سهم إضافي، يتم دفعها من أموال الخزينة العمومية، بناء على المرسوم الرئاسي رقم 25-69 الموقع من طرف رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، المتضمن رفع حصة الجزائر في رأسمال البنك الإفريقي للاستيراد والتصدير، لتلعب الأفريكسيم بنك، منذ ذلك الحين، دور المزود المالي للحكومات الإفريقية والشركات الخاصة لدعم التجارة الإفريقية.
 وأشاد الأفريكسيم بنك بصلابة الاقتصاد الجزائري كونها تعتمد على سياسات اقتصادية حذرة لتفادي التذبذبات الناتجة عن الأسواق الدولية، ما يشكل درعا وقائيا ضد الأزمات، يؤكد الوزن الاقتصادي والجيو-استراتيجي للجزائر في المنطقة، كما يؤكد حنكتها الاستراتيجية في تسيير الشأن الاقتصادي بشكل يتماشى والمتغيرات العالمية، وهذه استراتيجية حمائية جعلت الاقتصاد الوطني ينمو بمعدل 4.3 بالمائة مع تضخم معتدل وسعر فائدة منخفض يدعم سعر الصرف المستقر، حسب ما جاء في التقرير الذي شدد على أن الجزائر سجلت تحسنا في موازين التجارة، كما حافظت على استقرار أسعار الصرف، ما دعم أداءً تجاريا قويا ساهم في الحفاظ على مرونة الاقتصاد الكلي.
مؤشرات اقتصادية
 وفي قراءة تحليلية لمضمون تقرير البنك الإفريقي للاستيراد والتصدير، أوضح الخبير في الاقتصاديات الحكومية، البروفيسور فارس هباش، في اتصال مع «الشعب»، أن التقرير يعتبر شهادة ثمنت إنجازات وأداء الاقتصاد الوطني، خلال الخمس سنوات الأخيرة، واعترافا بالقفزة النوعية التي حققها في ظل المتغيرات الجيو-اقتصادية العالمية.
وأوضح هباش أن ما تم تحقيقه يعود إلى الفلسفة الاقتصادية القائمة على التنويع الاقتصادي، خلق الثروة و»المديونية الصفرية» التي مكنت من تسجيل مؤشرات اقتصادية خضراء بما فيها، الناتج الداخلي الخام، معدل النمو، احتياطي الصرف من العملة الصعبة والذهب، ميزان تجاري إيجابي واستقرار في ميزان المدفوعات ومعدلات الفائدة، إضافة إلى الاستثمارات الكبرى والمهيكلة في البنى التحتية، الطاقة، والطاقات المتجددة والزراعات الاستراتيجية.
من جهة أخرى، أوضح هباش أن تقرير الأفريكسيم بنك، يضاف إلى سلسلة التقارير الدولية الصادرة عن مختلف المؤسسات المالية العالمية، على غرار البنك الدولي، صندوق النقد الدولي، وبنك التنمية الإفريقي، وهي تقارير ثمنت مركز الاقتصاد الوطني مقارنة مع الاقتصاديات الإفريقية، خاصة ما تعلق بمؤشر المديونية التي تحدد استقلالية القرار وسيادته من عدمه، وتحدد السياسات الاقتصادية والاجتماعية للبلدان، فمن خلال قراءة ممحصة لمحتوى التقرير، من حيث حجم المديونية الخارجية، فإن 34% من حجمها عبارة عن دائنين متعددين، ويقصد بذلك - يفسر محدثنا - المؤسسات المالية العالمية التي تفرض شروطا قاسية ومجحفة، تصل إلى التدخل في شؤون الدول المستدينة، خاصة ما تعلق بتحديد سياسات الإنفاق العمومي، ودعم القدرة الشرائية وخفض مستوى القدرة الشرائية وخفض المؤشرات الاقتصادية الكلية.
استقلالية القرار
وفي الشق المتعلق بالوضعية المالية للجزائر، أجاب هباش أن الجزائر، تتواجد في موقع آمن، حيث تتربع على المرتبة الأولى إفريقيا والثالثة عربيا و27 عالميا، من حيث احتياطي الذهب المقدر بـ173.6 طن، والثانية من حيث احتياطي الصرف الذي بلغ نهاية 2024، 72 مليار دولار بقدرة على تغطية 17 شهرا من الواردات، وتراجع في قيمة التضخم من 9.3 بالمائة مسجلة عام 2023 مقابل 4.2 بالمائة مسجلة عام 2024، ما يجعلها استثناء إفريقيا تتواجد في موقع مطمئن، في ظل التذبذبات الجيو-استراتيجية العالمية.
وأرجع هباش هذه الأريحية المالية إلى سياسة الحوكمة الرشيدة التي تنتهجها الجزائر بقيادة رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، المرتكزة على دعم الصادرات خارج المحروقات وتطوير المقدرات الإنتاجية المحلية وترشيد النفقات العمومية، وبعث الاستثمارات الطاقوية، حيث تمكنت الجزائر من تحقيق اكتفائها من المنتجات النفطية، وتعزيز الاستكشافات النفطية.
أشار هباش إلى ثبات في سعر الصرف واستقرار في قيمة الدينار الجزائري، وتطور حجم الكتلة النقدية، ما يمنح الجزائر القدرة والاستقلالية في رسم سياستها الاقتصادية والحفاظ على عقيدتها الاجتماعية بكل استقلالية.
من الجانب السياسي، أكد فارس هباش أن تقرير البنك الإفريقي للتصدير والاستيراد، يعتبر أكثر إنصافا من باقي المؤسسات المالية العالمية، خاصة وأن العديد منها تقارير ذات خلفيات سياسية بإملاءات وأجندات إقليمية ودولية، طالما وجهت سهامها نحو القارة الإفريقية، إلا أن جاذبية وصلابة الاقتصاد الوطني تمكنت من تحويل كفة التقارير لصالحها، من خلال مؤشرات لا يمكن الطعن في مصداقيتها، نظرا لترجمتها إلى نتائج ميدانية.
وخلص فارس هباش إلى أن التقرير يعتبر دعوة صريحة ومطمئنة لدول العالم والمستثمرين العالميين للاستثمار بالجزائر، حيث المقدرات الطبيعية والمالية، والتسهيلات الضريبية والأمان والاستقرار التشريعي. كما اعتبر التقرير اعترافا بتحكم الجزائر في قراراتها السيادية فيما يتعلق برسم سياساتها الاقتصادية، التي لم تكن يوما مبنية على «الأنانية الربحية»، بل من منطلق الربحية المشتركة والتعاون البيني الإفريقي، لتحقيق استقرار القارة الأمني الذي لن يكون إلا من خلال التحرر الاقتصادي وسيادة القرار.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19802

العدد 19802

السبت 21 جوان 2025
العدد 19801

العدد 19801

الخميس 19 جوان 2025
العدد 19800

العدد 19800

الأربعاء 18 جوان 2025
العدد 19799

العدد 19799

الثلاثاء 17 جوان 2025