الجزائر عرضــت استراتيجية شاملة في مجلـس الأمـن

خارطـة طريـق متكاملـة للسلام والتنمية

محمود.ع

 في خضم التحديات العالمية المتزايدة، برزت كلمة الجزائر في مجلس الأمن الدولي، التي ألقاها ممثلها الدائم، السفير عمار بن جامع، كوثيقة تحليلة بالغة الأهمية. لم تقتصر على تأكيد التزام الجزائر الراسخ بالسلام والأمن الدوليين فحسب، بل قدمت إطارًا شاملاً يربط هذه المفاهيم برباط وثيق مع التنمية المستدامة، مع التأكيد على ضرورة معالجة الجذور العميقة للنزاعات.

يكشف تحليل تصريحات السفير بن جامع عن رؤية جزائرية متعدّدة الأبعاد، تركّز على العمل المتعدّد الأطراف، التمويل المستدام، والتنسيق الإقليمي كركائز أساسية لتحقيق استقرار عالمي دائم.
دعوة للحلول الشاملة
 تتصدر رؤية الجزائر للسلام والأمن الدوليّين، الربط العميق بين بين الفقر وسوء التنمية والنزاعات، ولقد أكّد السفير بن جامع على أنّ هذا الثلاثي يشكّل حلقة مفرغة، حيث يؤدي النقص في التقدم نحو تحقيق أهداف التنمية المستدامة لعام 2030، إلى تفاقم الفقر، لا سيما في المناطق التي تشهد نزاعات.. هذا التوجّه الخطير، وفقًا للسفير، يخلق أرضًا خصبة للتطرّف والعنف والإرهاب.
إنّ هذا التحليل ليس مجرّد ملاحظة، بل هو دعوة صريحة للمجتمع الدولي لإعطاء الأولوية للأمن والتنمية، من خلال “حلول شاملة ومستدامة”. فالنهج القويم يمثل تحوّلًا نوعيًا من التعامل مع أعراض النزاعات، إلى معالجة أسبابها الجذرية، ما يوفّر الظروف الملائمة للسلام الدائم.
العمل متعدّد الأطراف.. التزام لا خيار
 وأبرزت الجزائر  على لسان سفيرها بن جامع، تمسّكها الراسخ بـ “العمل متعدّد الأطراف من أجل السلام” كـ “التزام أصيل” وليس مجرّد خيار. هذا التأكيد، الذي يتزامن مع الذكرى الثمانين لتوقيع ميثاق الأمم المتحدة، يعكس إيمان الجزائر العميق بفعالية الأطر الدولية في مواجهة التحديات العالمية المعقدة.
إنّ التزام الجزائر بالتعاون مع جميع الشركاء الدوليّين للقضاء على الأسباب العميقة للنزاعات، هو شهادة على رؤيتها الشاملة التي تتجاوز المصالح الضيقة نحو تحقيق مصلحة عالمية مشتركة.

التنمية أداة التعافي بعد النزاعات..

 تتبنى الجزائر منظورًا مبتكرًا لعمليات السلام الأممية، حيث ترى أنّ “تعزيز السلام يعد أداة أساسية للتعافي بعد النزاعات”. هذا المفهوم يشدّد على ضرورة أن تتم جهود حفظ السلام ضمن منظور أوسع لا يعيق العمل من أجل التنمية، بل يدعمه.
إن مطالبة الجزائر بـ “مسار ملاءمة شامل” يقوم على مهام مصمّمة لدعم جهود التنمية وتعزيز حقوق الإنسان من خلال آليات أممية فعالة، يعكس فهمًا عميقًا لكيفية بناء مجتمعات مرنة بعد الصراع. هذا النهج المتكامل لا يهدف فقط إلى منع عودة العنف، بل يسعى إلى تعزيز المؤسّسات الوطنية، وإرساء مبادئ العدالة والمصالحة والمساواة.

التنسيق الإقليمي والتمويل المستدام

 لقد أبرز السفير بن جامع أهمية “تعزيز التنسيق بين الهيئات الأممية والشركاء الإقليميّين”، مطالبًا بشكل خاص بـ«تعزيز التعاون مع الاتحاد الإفريقي”. وهذا ليس مجرّد شعار، بل هو اعتراف بواقع أنّ العديد من النزاعات تتجذّر في السياقات الإقليمية، وأنّ الحلول الفعالة تتطلّب رؤى مشتركة واستخدامًا أمثل للموارد. علاوة على ذلك، شدّدت الجزائر على التحدي الحيوي المتمثل في تمويل مبادرات السلم والأمن والوساطة. ودعت إلى “التزام ثابت بتمويل دائم ومرن ومستدام وقابل للتنبؤ” لهذه المبادرات، من خلال المؤسّسات المالية الدولية، تسلّط الضوء على الحاجة الملحة لتحويل التطلّعات إلى واقع ملموس من خلال دعم مالي مستدام.
الأمن والتنمية في صلب العمل
 لتعزيز رؤيتها، استعرضت الجزائر تجربتها الخاصة في إعطاء “أهمية قصوى للأمن والتنمية”، وهما ركيزتان أساسيتان في عملها الإقليمي، لاسيما في إفريقيا. فانطلاق مشاريع هيكلية كبرى مثل الطريق العابر للصّحراء ومشروع الألياف البصرية الصّحراوي وأنبوب الغاز العابر للصّحراء، بالإضافة إلى إنشاء الوكالة الوطنية للتعاون والتضامن والتنمية الدولية بميزانية قدرها مليار دولار لمساعدة الدول الإفريقية، يجسّد التزام الجزائر العملي بهذه المبادئ. هذا النموذج يبرهن على أنّ التكامل بين الأمن والتنمية ليس مجرّد نظرية، بل هو استراتيجية قابلة للتطبيق يمكن أن تحدث فرقًا حقيقيًا على أرض الواقع.
ولا تمثل كلمة الجزائر في مجلس الأمن مجرّد تصريح سياسي، بل هي تحليل استراتيجي متكامل للتحديات العالمية ودعوة للعمل المشترك. من خلال ربط السلام بالتنمية المستدامة، والتشديد على العمل متعدّد الأطراف، والتنسيق الإقليمي، والتمويل المستدام، إذ تقدم الجزائر خارطة طريق واضحة لمستقبل أكثر استقرارًا وعدلًا.
إنّ إصرار الجزائر على معالجة الأسباب الجذرية للنزاعات وتقديم تجربتها الخاصة كنموذج، يؤكّد التزاما عميقا بمسؤولياتها الدولية كلاعب رئيسي في السعي نحو السلام والأمن العالميّين.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19802

العدد 19802

السبت 21 جوان 2025
العدد 19801

العدد 19801

الخميس 19 جوان 2025
العدد 19800

العدد 19800

الأربعاء 18 جوان 2025
العدد 19799

العدد 19799

الثلاثاء 17 جوان 2025