المؤسّسة العسكرية مشتلة الوطنية ومقصلة المؤامرات..الخبير أحمد ميزاب لـ “الشعب”:

الاستقلال ليس ذكرى تمرّ..هو معركــة دائمـة لصون السّيــادة

فايــــزة بلعريبـــي

منظومــة دفاعيــة مبنيــة علـى أسـس استراتيجيـة وتكنولوجية حديثــة

إنشــاء نسيــج صناعـي وتحكّـم تكنولوجـي لتثبيــت أركــان السّيـادة الاقتصاديــة

الجيــش الوطني الشعبـي  يسهـم في الانتقــال الاقتصــادي ويقـرّ الأمـن المعلوماتـي

من مهمّة تحرير البلاد، إلى حماية حدودها وصون سيادتها السياسية، والتصدي للمؤامرات المتربّصة بها، إلى المشاركة بكل ثقله في تحقيق سيادتها الاقتصادية. الجيش الوطني الشعبي يظل المرجع الضامن لاستمرار الدولة، ووحدة الأمة، واستقرار الوطن، فالاستقلال لا يورث، بل يُحمى، والاستقلال ليس ذكرى، بل مسؤولية يومية، وليس لحظة انعتاق بل معركة دائمة لتثبيت السيادة في كل شبر، وكل قرار، وكل مجال؛ ففي زمن الضغوط المركبة والممنهجة، لا تتجلى السيادة الحقيقية في الشعارات، بل في القدرة على الصمود، المبادرة، والتحكم في المصير..وهنا يظهر الجيش الوطني الشعبي، كفاعل أمني، وضامن وجودي للدولة الجزائرية. ومن الدفاع عن التراب الوطني إلى تحصين القرار وبناء الفعل السيادي.

 في ذكرى استرجاع السّيادة الوطنية، لا يكفي التوقف عند لحظة الانعتاق من الاستعمار، فالواجب ذكر من حافظ على السيادة وصانها من كل تهديد داخلي أو خارجي. الجيش الوطني الشعبي، سليل جيش التحرير الذي لم يكن حارس الحدود فحسب، بل الضامن الفعلي لاستمرارية الدولة، واستقلال قرارها، وتماسك مؤسساتها.
اليوم، وفي عالم متحوّل، يتقدّم الجيش الوطني الشعبي واجهة الدفاع عن السيادة بمفهومها الشامل، حماية الأرض، صيانة القرار، والمساهمة الفعلية في بناء استقلال اقتصادي يحرر البلاد من التبعية والابتزاز.
الاحتفال بالاستقلال لا يكتمل دون تثمين من يصونه، ولا مستقبل للسيادة دون جيش قوي، منضبط، ومرتبط بلحمة - لا شك ولا تشكيك في صدقها - مع الشعب. ففي السياق الذي تتسارع فيه التحولات، وتعاد فيه صياغة خرائط القوة والنفوذ، تبقى السيادة الوطنية جوهر المعادلة، والخيط الناظم لكل قرار وموقع وموقف.  وفي قلب هذه المعادلة، لا يتموقع الجيش الوطني الشعبي كمجرد قوة دفاع، بل كفاعل استراتيجي في حماية السيادة وصناعتها، أمنا واقتصادا، حاضرا ومستقبلا. فهو الامتداد المؤسساتي لجيش التحرير، واليوم يمارس مهامه الدستورية المقدسة بإخلاص وعزم ووفاء لأمانة الشهداء.

جاهزيـة واحترافيـة

الخبير الأمني أحمد ميزاب، في اتصال مع “الشعب”، وقد استجاب بكل اعتزاز للمشاركة في عددها الخاص احتفالا بعيد الاستقلال، أكّد أنّ الجيش الوطني الشعبي ركيزة الدولة الجزائرية الحديثة، وقد تولّى حماية الدولة الوطنية من كل التهديدات، وأثبت في كل محطة أنّ بقاء الدولة واستمرارها يحمى بالسواعد والانضباط والعقيدة، مشيرا إلى ما ميز السنوات الأخيرة من تحول عميق في فلسفة الدفاع الوطني، حيث لم يعد الجيش الوطني الشعبي يتحرّك بمنطق الاستجابة للتهديدات، بل بمنطق استباقها، واحتوائها قبل أن تتشكّل.
في هذا الإطار - يقول ميزاب - أُعيد بناء منظومة الدفاع على أسس تكنولوجية واستراتيجية حديثة، وتمّ تأمين الحدود بانتشار عملياتي دائم لوحدات الجيش الوطني الشعبي في محيط إقليمي هش ومفتوح، وعزّزت القيادة العسكرية التنسيق الاستخباراتي مع دول الجوار لمواجهة التهديدات العبر-حدودية، أين تم تشديد الرقابة على المحاور الحدودية، واحتواء تدفقات الهجرة غير الشرعية والجريمة المنظمة.
في الوقت نفسه، تمكّنت المؤسسة العسكرية من إدارة التحديات الجيوسياسية بأسلوب سيادي هادئ - تابع محدّثنا - دون انجراف إلى محاور أو ولاءات خارجية. من خلال هذه المقاربة، لم يعد الجيش الوطني الشعبي مجرد قوة ردع، بل فاعل استراتيجي في صياغة معادلة الاستقرار الوطني والإقليمي، ومؤسسة تحمي التراب الوطني، وتضبط التوازنات، وتحافظ على القرار السيادي للجزائر مستقلا وغير قابل للمساومة.

نصـر فـي معركـة التّكنولوجيــا

لم تعد السّيادة اليوم مسألة جغرافيا أو سلاح فقط، بل هي أيضا القدرة على إنتاج الحاجة الحيوية، والتحرر من التبعية في القطاعات الحساسة، وقال ميزاب إنّ الجيش الوطني الشعبي دخل مرحلة جديدة، تجاوز فيها منطق الاستيراد، لينخرط بعمق في معركة بناء القاعدة الصناعية العسكرية الوطنية. هذا التحول - وفق محدّثنا - ليس رد فعل، بل مسار مدروس، واقعي، ومتدرج، هدفه تثبيت أركان السيادة الاقتصادية من بوابة الصناعات الدفاعية.  فالمنطق الذي يحكم هذه الرؤية يقوم على تقليص التبعية الخارجية في التجهيز والدعم الفني، وإنشاء نسيج صناعي وتقني وطني خاص بالصناعات العسكرية، إضافة إلى استيعاب الكفاءات الوطنية العلمية والهندسية في مشاريع سيادية، وإرساء شراكات نوعية، مبنية على نقل المعرفة والتكنولوجيا، لا على الاستيراد أو التركيب فقط. واستدل ميزاب بمحطات بارزة في هذا المسار كـ “مجمع ترقية الصناعات الميكانيكية”، الذي يعتبر نواة استراتيجية لتجميع وإنتاج المعدات العسكرية، “الشركة الجزائرية لصناعة العربات المدرعة” بعين سمارة، وهي تجربة جزائرية رائدة في إنتاج العربات القتالية. إضافة إلى الشراكة مع ألمانيا، في مجال إنتاج مركبات “مرسيدس” متعددة المهام، ضمن نموذج ناجح للنقل الصناعي والتكوين التقني. كما تميزت المؤسسة العسكرية في مجال إنتاج الذخيرة والأسلحة الخفيفة والمتوسطة، لتقليص التبعية وتحقيق الاكتفاء العملياتي.
أما فيما يتعلق بالصناعات البحرية والطائرات دون طيار - أردف ميزاب - فقد نجح الجيش الشعبي الوطني في توسيع هذا المجال نحو تقنيات المستقبل، وانتصر في معركة التكنولوجيا، موضحا أن هذه الديناميكية لا تعزز استقلالية القرار العسكري فقط، بل تسهم أيضا في تنشيط الدورة الاقتصادية الوطنية، من خلال إدماج الصناعات العسكرية ضمن النسيج الصناعي العام، وتوفير مناصب شغل ذات مؤهلات عالية، وخلق بيئة للبحث العلمي والتطوير التكنولوجي الوطني. فالصناعات العسكرية، بهذا المعنى - يقول ميزاب - لم تعد عبئا على الميزانية، بل رافعة للسيادة ومصدرا للقيمة المضافة كما أنها المعبر الحقيقي نحو اقتصاد سيادي، قوي، ومتوازن، يقف على أكتاف مؤسسة عسكرية مدركة لمكانتها، ومسؤولة عن دورها، ومؤهلة لصناعة الفارق.

الجيـش..مؤسّســة جامعــة

من جهة أخرى، أكّد الخبير أحمد ميزاب، أن الجيش الوطني الشعبي ليس كيانا معزولا عن الدولة والمجتمع، بل هو عمودها الفقري، وضامن تماسكها، ومكون عضوي من مشروعها الوطني، ينخرط ضمن رؤية متكاملة للدولة، تؤمن بأن الأمن الشامل لا يتحقق إلا بتكامل المؤسسات ووحدة الأدوار؛ فالجيش الجزائري - يؤكد ميزاب بنبرة اعتزاز وافتخار - لا يزاحم، لا يحكم، ولا ينفصل، بل يرافق مسار الدولة ويحصنه، ويوازن بين مقتضيات القوة والانضباط، وبين مسؤولية الحماية واحترام الشرعية. هذا التموقع يرتكز على ثوابت واضحة، لخّصها المتحدث، في عقيدة جمهورية صارمة قائمة على الولاء للدولة، لا للأشخاص، واحترام صارم لمبدأ التداول والشرعية كالتزام دستوري راسخ. فالمؤسسة العسكرية تعمل في إطار النص الدستوري، لا خارجه، من خلال دور تكاملي لا تنافسي، ورؤية شاملة للأمن حيث تدرك القيادة العسكرية أن الأمن لا يقاس بالسلاح وحده، بل يمتد إلى الغذاء، الطاقة، التعليم، الصحة، والكرامة الاجتماعية، بهذه الثوابت - يقول الخبير الأمني - يتحول الجيش إلى مؤسسة جامعة، تطمئن لها كل الفئات، وتحتمي بها الدولة في الأوقات الحرجة، دون أن تتحول إلى أداة سياسية أو اقتصادية.
في سياق متصل، أكّد ميزاب أن الجيش الوطني الشعبي لا يرفع السلاح إلا دفاعا عن السيادة، ولا يتدخل إلا لحماية استمرارية الدولة، ولا ينحاز إلا للوطن. فمدرسة الجيش ليست عقيدة قتالية فقط، بل فلسفة دولة، قوامها الانضباط، السيادة، والارتباط العضوي بمصلحة الوطن، وهذا هو جوهر دورها اليوم، أن تضمن أن لا يرسم مستقبل الجزائر إلا داخل حدودها، وألا يصاغ قرارها إلا بأدواتها، وألا يحكم شعبها إلا بإرادته.
وعن الدور الذي لعبه الجيش الشعبي الوطني في دحض كثير من المكائد، وإفشال العديد من المؤامرات التي تحاك ضد الجزائر، أبرز ميزاب أن المؤسسة العسكرية تعد صمام أمان يحفظ وحدة الوطن ويصون سيادتها من كل الأخطار المحدقة التي يحاول من خلالها الأعداء المتربصون ممّن لم يستوعبوا بعد مدى اقتداره وتكامل سيادته، وبعده وأمنه من مراميهم الخبيثة، إلحاق الأذى به، مؤكدا على اضطلاع المؤسسة العسكرية بمهامها الدستورية في ظل التلاحم مع الشعب الجزائري، الذي يعد ركيزة لكل أمة لتحقيق الأمن والاستقرار، الذي يتجلى في الدفاع عن الوطن.

تركيبـة شعبيـة ومعقل الوطنيـة

 الجيش الوطني الشّعبي لم يأت من العدم، فهو سليل جيش التحرير الوطني، وبالتالي نحن نتحدّث عن مؤسسة الشعب الجزائري، وحملت أنبل الرسائل وقدّمت قوافل من الشهداء، وحين نتكلم عن مكانة أو دور مؤسسة الجيش الوطني الشعبي، فنحن نتحدث عن دور استراتيجي، عن دور فاعل مركزي وأساسي، فقد انخرط الجيش الوطني الشعبي في عملية البناء والتشييد بمجرد استرجاع السيادة الوطنية، وساهم شباب الخدمة الوطنية في مشاريع استراتيجية سواء كان في مشروع السد الأخضر أو في مشروع طريق الوحدة الإفريقية، كما ساهموا في البنى التحتية والهياكل الأساسية، وفي فك العزلة على كثير من المناطق، فالجيش الوطني الشعبي فاعل في الاقتصاد الوطني من خلال الإستراتيجية المنتهجة في إطار الصناعات العسكرية، كما أنه مرافق للمجتمع الجزائري في أوقات الكوارث.

التّصـدّي للحمـلات المسعــورة

اليوم، يقول ميزاب، يتبنّى الجيش الوطني الشعبي مقاربة أمنية متكاملة واستراتيجية بعيدة المدى، تستجيب أولا لطبيعة التحولات التي تعرفها المنطقة وكذلك العالم، حيث أنّ تصريحات القيادة العليا للبلاد تؤكّد هذا البعد وهذه النظرة، ومن ناحية أخرى الجاهزية واليقظة لأفراد الجيش الوطني الشعبي، والتي تترجمها الحصيلة العملياتية التي تبرز أن الجيش الوطني الشعبي جاهز حاضر، مستوعب لطبيعة التحولات، وهو بالمرصاد للتصدي ولحماية وتأمين البلاد، ودحض الأبواق المغرضة التي تسعى إلى استهدافه من خلال البحث عن استهداف مؤسسات الدولة بصفة عامة.
ويبقى الجيش الوطني الشّعبي من خلال العلاقة المقدّسة..علاقة الانصهار بين الجيش والشعب التي تسقط كل المؤامرات، وتجهض كل محاولات النيل من الجزائر.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19813

العدد 19813

الخميس 03 جويلية 2025
العدد 19812

العدد 19812

الأربعاء 02 جويلية 2025
العدد 19811

العدد 19811

الثلاثاء 01 جويلية 2025
العدد 19810

العدد 19810

الإثنين 30 جوان 2025