محاولات يائسة لتشتيت الأنظار بمهاجمة الجزائر

فرنسا.. “غلام“ أوروبـا المريض يتخبّط في كل الاتجاهـات

حمزة.م

وسائل الإعــلام الأوروبيــة تتوقّع خريفــا فرنســيا ساخنــا

الخطة التقشفية لبايرو تصدم الفرنسيين وتؤلب الرأي العام عليه

استيقظت فرنسا، أمس، على مشاكلها الحقيقية، وذلك بعد يوم من عرض الوزير الأول، فرنسوا بايرو، لخطة تقشفية بيّنت، بما لا يدع مجالا للشك، أنها أصبحت «غلام أوروبا المريض». ويتأكد من ذلك أن الهجمات الإعلامية المركزة التي شنت على الجزائر، لم تكن إلا مناورات للتغطية على الاقتراب من هاوية الإفلاس.

العجز المالي المزمن الذي يهدد أركان الدولة الفرنسية، أصبح القضية الأولى في معظم الإعلامي الأوروبي، والذي يبدو أنه صدم الفرنسيين من خطة التقشف التي أعلنها الوزير الأول بايرو.
هذه الخطة تقوم على زيادة حجم العمل وإلغاء عطلتين وطنيتين بالغتي الرمزية في تاريخ فرنسا، مع تقييد لقيمة الضرائب على الأثرياء وكل ذلك من أجل توفير ما لا يقل عن 43.8 مليار يورو سنة 2026، وتقليص حجم الديْن العام الذي تجاوز 3000 مليار يورو.
الصحف الأوروبية، تتوقع «خريفا فرنسيا ساخنا»، على مستوى البرلمان الفرنسي، حيث من المرتقب أن يعرض بايرو خطته، وسط توقعات مرتفعة بحجب الثقة من حكومته، وهو ما لوّح به اليمين المتطرف إلى جانب اليسار.
وكما كان متوقعا، فإن الحكومة الفرنسية لن تكون في منأى عن خطر الإطاحة بها، مثلما حصل مع سابقتها التي حاولت تمرير الميزانية باستخدام صلاحيات دستورية دون المرور على الجمعية الوطنية.
هذا الوضع البائس، يؤكد أن فرنسا باتت فعلا «غلام أوروبا المريض» الذي يواجه خطر الانهيار الكلي، رغم الجهد الذي يبذله على صعيد ترميم الصورة الخارجية بالتدخل في الحروب الروسية- الأوكرانية والتظاهر بالاحتفاظ بجزء من النفوذ على الساحة الدولية.
ومنذ أن بدأت وسائل الإعلام الفرنسية تشن حملتها ضد جزائر الأحرار، قبل أزيد من 9 أشهر وبشكل هستيري، كان واضحا أنها مناورات لتوجيه الأنظار عن المشاكل الحقيقية.
ولا تستطيع الحكومة الفرنسية الحالية، التي يتواجد بها أكثر الوزراء كراهية للجزائر، أن تقنع الفرنسيين بأن معضلة الإفلاس سببها بعض القيم الفرنسية الزائفة التي لا تعترف بها الجزائر، أو إصرار الجزائر على نهج سيادي وندي يضمن المصالح المشتركة ويضع حدّا للمنطق الاستعماري الاستعلائي.
انتفاضة الأحزاب والنقابات في وجه الحكومة الفرنسية، حتى قبل عرض خطة الموازنة المقترحة، تثبت حالة الإفلاس السياسي التي تعانيها باريس، بسبب الاستقطاب الضخم وتفشي عدم الثقة والابتزاز السياسي بين مختلف التيارات التي ترى أن معركة خلافة الرئيس إيمانويل ماكرون قد انطلقت فعليا.
وبات مشروعا للقوى الحية الفرنسية أن تحاسب رموز اليمين داخل الحكومة الحالية، بسبب استغلالهم لأدوات الدولة في تصفية عُقَد تاريخية واستعمارية ضد الجزائر، عبر ما أسموه «القبضة الحديدية» أو «التصعيد التدريجي».
ولا يمكن فصل الأزمة الداخلية في فرنسا عن خياراتها الخارجية، والتي جنح الرئيس ماكرون إليها طمعا في مكاسب سياسية ضيّقة ومن بينها تقويض العلاقة مع الجزائر لصالح المغرب وضرب القرارات الأممية في قضية الصحراء الغربية.
ولم يعد خفيا أن القرار الفرنسي، القاضي بالاعتراف بـ»وهم مخطط الحكم الذاتي»، مبني على صفقة اقتصادية محضة، حيث تم إشراك عديد المؤسسات الفرنسية في مشروع القرار، بفعل أطماع الاستثمار في الإقليم.
ومن الواضح أن عوائد هذه الاستثمارات غير الشرعية مخيبة للغاية، ولا تقدم أية فرصة للتنفيس الاقتصادي عن خزينة الدولة التي تختنق، بدليل أن الحكومة بصدد اللجوء إلى جيوب المواطنين.
فرنسا التي تنهار؟
في نهاية 2020، وبعدما تم إنهاء مهامه بطريقة مهينة، كتب السفير الفرنسي الأسبق كزافي دريانكور مقالا بائسا في صحيفة لوفيغارو بعنوان: «الجزائر تنهار»(...)، متوقعا مستقبلا قاتما وانهيارا اقتصاديا، داعيا بلاده للاستعداد للتعامل مع سيول المهاجرين.
لكن وبعد 5 سنوات، اتضح أن الحقد أعمى هذا الدبلوماسي الذي تحول إلى ناطق رسمي باسم اليمين المتطرف، عن رؤية واقع بلاده من الداخل، بحيث لم يعد الاعتماد على الريع الاستعماري في الجزائر وإفريقيا عموما كافيا لضمان استدامة رفاهية الدولة التي بنيت على أرواح ودماء الملايين من البشر.
ولابد أن الفرنسيين قد تيقنوا أخيرا، من أن أصوات العقل التي دعت إلى علاقة قائمة على الاحترام والحوار مع الجزائر، هي المخرج الوحيد من الدوامة التي صنعها اليمين المتطرف والخيارات الخاطئة للرئيس ماكرون.
لا أحد يقتنع في فرنسا اليوم، أن اعتقال كاتب جزائري من قبل بلاده الأصلية، بسبب تهم خطيرة مثبتة صوتا وصورة، هو ما دفع بالوزير الأول فرنسوا بايرو، إلى اقتراح إلغاء عطلتين وطنيتين لمواجهة العجز المالي المتفاقم، ولن يصدق أحد أن تزايد الديْن العام الداخلي بـ5000 يورو كل ثانية، ناجم عن تمسك الجزائريين بتاريخهم وحرصهم على حماية سيادتهم الوطنية.
رئيس حزب فرنسا الأبية، جان جاك ميلنشون، واحد من الأصوات التي دعت إلى إيقاف الهوس المرضي بالجزائر على مستوى الإعلام والسياسة، رفقة وجوه أخرى معروفة، على غرار دومينيك دوفينبان وسيغولين روايال.
ملينشون علق على خطة بايرو قائلا: «هذا تدمير منهجي للدولة والخدمات العامة لصالح السوق، وجعل الأغلبية تدفع الثمن لحماية ثروات الأغنياء الكبار». مضيفا، «إنه سباق نحو الهاوية المالية والاجتماعية وعلينا إيقافه فورا».
هذا التشخيص يؤكد حجم الوضع المتأزم في فرنسا، وهو شأن داخلي كان يستدعي تركيز الانتباه والجهد، لكن لوسائل الإعلام التابعة لإمبراطورية بولوري، رأي آخر، حيث تبنت الدعاية المغرضة والحقد والكراهية أدوات تضليلية تنسي الفرنسيين همومهم وتهاجم دولة ذات سيادة دون مبرر حقيقي، عدا خدمة أجندات مشبوهة.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19825

العدد 19825

الخميس 17 جويلية 2025
العدد 19824

العدد 19824

الأربعاء 16 جويلية 2025
العدد 19823

العدد 19823

الثلاثاء 15 جويلية 2025
العدد 19822

العدد 19822

الإثنين 14 جويلية 2025