عمليات ناجحة للوحدة الجوية الجهوية للشرق بقسنطينة

احترافية فـي الأداء وسرعـة فــي الاستجابــة

قسنطينة: خالد العيفة

 السلامــة هنـــا ليست خيارا بــل قاعـدة صارمـة لا يمكــن تجاوزها 

إطارات شابة متمكنة مدربة في المدارس العليا للشرطة ومؤهلة للتعامل مع الأنظمة الذكية

وقفت “الشعب” عند إحدى أبرز ركائز الأمن في الشرق الجزائري، الوحدة الجوية الجهوية للأمن الوطني بقسنطينة؛ وحدة لا ترى كثيرا، لكنها حاضرة في كل موقع، تواكب عن كثب كل ما يجري على الأرض، وهو نتاج استثمار الدولة الجزائرية في التكنولوجيا العصرية، وتمكين الإطارات الشابة من التحكم في هذه الأخيرة، بغرض تقديم خدمات أمنية في مستوى تطلعات المواطنين.

كان لنا موعد مع طاقم الوحدة الجوية الجهوية، الواقعة في موقع استراتيجي من مدينة قسنطينة، استقبلنا من طرف محافظ الشرطة هارون حامدي، المشرف على الوحدة بالنيابة، والذي قادنا في جولة ميدانية بين أقسامها المختلفة، لنكتشف عن كثب أسرار العمل داخل هذه المنشأة الأمنية المتخصصة، التي أنشئت في فيفري 2021، لتشكل دعما عملياتيا حيويا للمديرية العامة للأمن الوطني في مناطق الشرق الجزائري.
حوامات “أغوستا A109”: عيون لا تنام
أحد المشاهد اللافتة داخل الوحدة، هو الطائرات المروحية من طراز “أغوستا A109”، التي تقف شامخة في الحظيرة، مثل طيور من حديد تنتظر إشارة التحليق. هذه المروحيات مجهزة بكاميرات مراقبة بدقة عالية، مناظير للرؤية الليلية، وأنظمة إرسال رقمي تسمح بالبث الحي للصور إلى مراكز القيادة، حتى في أحلك ظروف الطقس أو الإضاءة.
وكل طلعة جوية تمر عبر سلسلة متكاملة من الإجراءات التقنية والفحوص الصارمة، بإشراف فرق تقنية مدربة تدريبا عاليا، تضمن ألا تغادر الطائرة الأرض إلا وهي في كامل الجاهزية، حيث يقول أحد التقنيين الذين رافقونا خلال الجولة، “لا يمكن لأي طائرة أن تقلع قبل فحصها بدقة، فالسلامة هنا ليست خيارا، بل قاعدة صارمة لا يمكن تجاوزها”.

سرعـة المعلومــة.. قــوة القرار

وفي قاعة العمليات الجوية، يتجلى التقدم التكنولوجي في أوضح صوره، شاشة كبيرة تتوسط القاعة، ترصد كل حركة في الجو وعلى الأرض، وصوت الاتصالات المتبادلة بين الطيارين والمركز ينبض بالحيوية. وهنا بالقاعة، كل صورة، كل حركة، كل جسم مشبوه، يحلل في الزمن الحقيقي، قبل أن يحول إلى مركز القيادة والتنسيق أو إلى المديرية العامة للأمن الوطني، ليتخذ القرار الميداني المناسب.

234 طلعـة جويـــة في نصـف عـــام

أرقام الوحدة الجوية تتحدث عن نفسها، ففي السداسي الأول من سنة 2025، بحسب محافظ الشرطة حامدي هارون، نفذت 234 طلعة جوية، أي بمعدل طلعة كل يوم تقريبا، وتوزعت هذه الطلعات بين مراقبة التظاهرات، تتبع المركبات المشبوهة، تنظيم حركة المرور وتأمين الوفود الرسمية.
أما في سنة 2024، فبلغ عدد الطلعات 350 طلعة، مقارنة بـ276 طلعة سنة 2023، ما يعكس توسع حجم المهام وثقة السلطات في فعالية هذه الوحدة.
وإذا كانت المهام النهارية صعبة، فإن المهام الليلية تعد تحديا مضاعفا. ومع ذلك، فإن الطيران الليلي أصبح سلاحا فعالا بيد الوحدة، بفضل تجهيز الطائرات بأنظمة ملاحة متطورة وكاميرات تعمل بتقنية الأشعة تحت الحمراء، وتم دعم هذا التطور بتكوين مستمر للطيارين في مجال التحليق الليلي، ما مكنهم من رصد تحركات مشبوهة في أوقات يعتقد فيها أن الظلام يحمي الخارجين عن القانون.

إحكـام تكنولوجــي..

واللافت داخل هذه الوحدة هو وجود إطارات شابة متمكنة، مدربة في المدارس العليا للشرطة، ومؤهلة للتعامل مع الأنظمة الذكية. الطيارون، التقنيون، ومحللو البيانات الرقمية يعملون في خلية كرجل واحد، يجمعون بين الحماس الشبابي والدقة المهنية، ويتلقون تكوينا مستمرا في تشغيل الطائرات، تحليل الصور الجوية واستعمال البرمجيات المرتبطة بالأنظمة الأمنية الحديثة، وهذا ما يجعل من الوحدة نموذجا حديثًا.
فالوحدة الجوية الجهوية للأمن الوطني بقسنطينة، ليست مجرد مروحيات تحلق في سماء الشرق الجزائري، بل هي عيون ساهرة وجاهزية للعمل الاستباقي للتدخل السريع والدقيق، وأثبتت من خلال نماذج عمليات ميدانية موثقة أنها أكثر من مجرد دعم جوي، إنها قوة أمنية متكاملة، قادرة على تحويل المعطيات التكنولوجية إلى قرارات حاسمة في الزمن الحقيقي.
وفي تصريح خصنا به محافظ الشرطة هارون حامدي، المكلف بالوحدة الجوية بالنيابة، استعرض بعضا من العمليات الناجحة والميدانية التي قامت بها الوحدة، في ظروف مختلفة، وأحيانا معقدة، نهارا وليلا، من بينها تصوير ليلي يطيح بمجرم حامل لسلاح الجريمة، حيث ما كانت أكثر العمليات دقة وخطورة، تلك التي وقعت ليلا، حين تم رصد مشتبه فيه يحمل سلاحًا أبيضَ يحاول التخفي والفرار بحثًا عن مكان لإخفاء أداة الجريمة، وبفضل أجهزة الرؤية الليلية، تم تصويره بدقة من الجو وتحديد موقعه بدقة وإرسال الفيديو في الوقت الحقيقي إلى الفرق الميدانية، التي أوقفت المشتبه فيه بسهولة وفي وقت قياسي، قبل أن يتمكن من طمس معالم الجريمة.والمثال الثاني، يتعلق بدراجة نارية قاتلة... وتوقيف فوري بدعم من الجو، ففي مهمة روتينية لمراقبة حركة المرور من الجو، رصدت الوحدة حادثة مأساوية في أحد شوارع مدينة قسنطينة، حيث تعرضت سيدة للدهس من قبل دراجة نارية، فرّ سائقها في محاولة للاندماج والاختفاء وسط المواطنين.
لكن تكنولوجيا المراقبة الجوية لم تترك له مجالاً للهرب، تم تحديد الدراجة ورقمها بدقة، رغم بعد المسافة، وإرسال المعطيات الفورية للوحدات الأرضية، التي تمكنت من توقيف الجاني بسرعة بفضل التنسيق المحكم مع عناصر الوحدة الجوية.

مراقبـة احترافيـة لموزعـي السمــوم

وفي عملية نوعية أخرى، استطاعت مروحيات الوحدة الجوية رصد عملية بيع وشراء المؤثرات العقلية بين سائقي سيارتين وسط قسنطينة، باستخدام الوسائل البصرية الحديثة وكاميرات المراقبة الجوية تم توثيق الحادثة بالكامل، وتوجيه الفرق الميدانية التي حيّدت السيارتين وأوقفت المشتبه فيهما دون مقاومة، وهذه الأخيرة تعكس قدرة الوحدة على التدخل الذكي وغير الصدامي، بتوظيف أدوات المراقبة الجوية لتطويق الجريمة قبل تفاقمها.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19828

العدد 19828

الإثنين 21 جويلية 2025
العدد 19827

العدد 19827

الأحد 20 جويلية 2025
العدد 19826

العدد 19826

السبت 19 جويلية 2025
العدد 19825

العدد 19825

الخميس 17 جويلية 2025