الهويــة الوطنيـة تستمدّ قوتهـا مــن تنوع روافدهــا
شدّد وزير الاتصال، الدكتور محمد مزيان، خلال إشرافه أمس على افتتاح الملتقى العربي الأول «الضاد في وسائل الإعلام»، الذي نظمته جمعية الكلمة للثقافة والإعلام بفندق الأوراسي، على أنّ اللغة العربية تتجاوز كونها وسيلة للتواصل، فهي تمثل رسالة حضارية متجذّرة، وتشكّل جزءًا من الوعي الجماعي للأمة. واعتبر الوزير أنّ التعامل مع اللغة العربية ينبغي أن يكون بمنظور مسؤولية وجودية، كونها إحدى ركائز السيادة الثقافية، داعيًا إلى ترسيخ حضورها في الخطاب الإعلامي العربي وتعزيز مكانتها في الفضاءات التواصلية الحديثة.
في مستهل كلمته، رحّب محمد مزيان، بالحضور في رحاب «الأوراسي»، واصفا إياه بـ»الفضاء الحامل لأكثر من دلالة رمزية وتاريخية وثورية»، مشيرا إلى أنه يمثّل «عرين الشهداء والمجاهدين»، ومصدر فخر للذاكرة الوطنية والهوية الحضارية.
وشدّد الوزير، على أنّ الملتقى لا ينبغي أن يُختزل في كونه فعالية أكاديمية، بل هو منصة فكرية استراتيجية تسعى إلى «استعادة سلطة اللّغة على الخطاب الإعلامي»، وإحياء وعي لغوي جديد يعيد للعربية موقعها الطبيعي في الضمير الثقافي والإعلامي للأمة.
وأوضح، أنّ اللغة العربية تُعد، في الرؤية الجزائرية، قضية سيادية تتجاوز الشعارات والمناسبات، مشيرًا إلى أنها كانت مطلبا محوريا في نضال الحركة الوطنية، وهو ما جعل دسترتها وترقيتها ضمن السياسات العمومية التزامًا ثابتًا من الدولة.
ولفت وزير الاتصال، إلى أنّ الشعوب تُقاس بمدى حفاظها على لغتها، وبقدرتها على إنتاج المعنى وصيانة لسانها، وليس فقط بعدد سكانها أو ثرواتها، معتبرا أنّ «اللغة ليست أداة تواصل، بل وعاء حضاري وفكري يشكّل الوعي الجماعي وينتج هوية الأمة».
وأشار في هذا السياق، إلى أنّ ما يوليه رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون من عناية خاصة للغة العربية، يتجاوز البعد الثقافي، ليعبّر عن «رؤية سياسية عميقة ترى في اللّغة أداة من أدوات السيادة والهوية»، مستدلا بـ»جائزة رئيس الجمهورية للّغة العربية»، التي وصفها بـ»الأداة التحفيزية لترقية البحث العلمي، ودعم الإنتاج الثقافي والإعلامي بالعربية».
كما دعا الوزير محمد مزيان، إلى ضرورة تعزيز حضور اللّغة العربية في الإعلام، الذي لم يعد مجرّد وسيلة توصيل معلومات، بل «أصبح سلطةً منتجة للوعي، ورافعة لإعادة تشكيل الذوق العام والخطاب الجماعي»، مضيفًا أنّ العلاقة بين الإعلام واللّغة لم تعد شكلًا ومضمونًا، بل «وجودًا وخطابًا».
ونبّه الوزير، إلى التحدي الكبير الذي يواجه الخطاب الإعلامي العربي اليوم، والمتمثل في «الهشاشة اللّسانية»، بسبب السرعة أو اختراق المصطلحات الدخيلة، وهو ما يستدعي – حسبه – «إعادة صياغة مفهوم التكوين الإعلامي، ليشمل تأهيلاً لغويًا معمّقًا يعيد للصحفي الشعور بالمسؤولية الحضارية تجاه اللّغة».
وفي السياق ذاته، لفت محمد مزيان، إلى أنّ اللغة العربية لم تعد حكرا على الدول العربية، بل أصبحت تُستعمل من قبل قنوات ومنصات إعلامية أجنبية بلغتنا، ما يفرض – حسب تعبيره – «ضرورة إنتاج مضامين منافسة بالعربية تُعبّر عن رؤيتنا وتخدم مصالحنا، وتحصّن وعينا من التأثيرات الخارجية».
وأوضح، أنّ الجزائر لطالما كانت مختبرا للتنوّع، وشهدت تجربة فريدة في ترقية اللّغة العربية دون إقصاء باقي المكونات الثقافية، مؤكّدا أنّ «الهوية الجزائرية متكاملة ومركّبة، تستمد قوتها من تنوع روافدها وتلاحمها في إطار الانتماء الوطني الواحد».
وشدّد مزيان، على أنّ الدفاع عن العربية لا يكون إلا «بالانفتاح الذكي على العصر، وبامتلاك أدوات التعبير الرقمي والاتصالي، لجعل اللغة قادرة على مرافقة التحولات الحديثة»، داعيًا إلى جعلها لغة علم وعمل، لا فقط لغة تواصل رمزي. وفي ختام كلمته، دعا وزير الاتصال إلى صياغة «ميثاق عربي جديد لترقية اللّغة في وسائل الإعلام»، يُفعّل في السياسات التحريرية، والتكوين، وأخلاقيات المهنة، ويأخذ بعين الاعتبار التحولات الرقمية، والرهانات السيادية، مؤكّدا على الثقة الكاملة في الإعلاميّين لكسب هذا التحدي، لما يمتلكونه من كفاءة ومهارة وخبرة.
الفصحى أداة احترافية وهوية
من جهته أكّد عيسى بورقبة، نائب رئيس المجموعة البرلمانية للثلث الرئاسي، عضو لجنة الشؤون السياسية والخارجية والأمن القومي بالبرلمان العربي، أنّ استعادة العلاقة العميقة بين اللغة العربية والإعلام ضرورة ملحّة في ظل التراجع الواضح للفصحى في المنابر الإعلامية العربية.
وأشار، إلى أنّ الفصحى ليست فقط عنصرا من عناصر الهوية، بل أداة مهنية دقيقة تضمن وضوح الخطاب الإعلامي وعمقه، وتكسبه الاحترافية والصدق. كما شدّد على أنّ الإعلام لا يمكن أن يؤدي رسالته الحضارية والاتصالية ما لم يكن متصالحًا مع لغته، داعيا إلى تثمين الفصحى وتفعيل حضورها في التكوين الإعلامي، والسياسات التحريرية، ومضامين المحتوى، لمواكبة التحولات دون التفريط في الجذور.
وعلى هامش الافتتاح، شهد الملتقى تكريم نخبة من الشخصيات العربية التي ساهمت في خدمة اللغة والإعلام والثقافة، من بينها: صاحبة السمو الأميرة، الشاعرة والأديبة الدكتورة سعاد الصباح من الكويت، تقديرا لمسيرتها الإبداعية ودورها في الدفاع عن اللّغة والثقافة، الوزير والسفير الأسبق الدكتور علي بن محمد، لمساهماته الفكرية والدبلوماسية، الكاتبة والإعلامية سعدى علوه من لبنان، تكريما لمسيرتها المهنية في الصّحافة المكتوبة والمرئية. كما تمّ أيضا تكريم وزير الاتصال الدكتور محمد مزيان.