كثيرة هي الأسماء ذات الشّأن في الفكر والثّقافة والأدب، تركت بصماتها في “الجريدة الأم”، وبقيت أعمالها المنشورة شاهدة على الحركية الثّقافية الجزائرية على مرّ العقود. وكم كان من الصّعب اختيار أمثلة نوشّح بها مقالنا، فباب المفاضلة بين هذا المثقّف وذاك موصد لعدة اعتبارات، أهمّها وزن الإضافة التي قدّمها كل واحد منهم، والكمّ الهائل من هؤلاء المثقّفين الذين مرّوا من هنا. وإذا كنّا سنتطرّق إلى الأديب الراحل الطاهر وطار، والدكتور أحمد بن نعمان، والدكتور محمد العربي ولد خليفة، والأستاذ محمد صالح الصديق، فالخيار لا يتعدى سبيل الذكر، ولا يهدف إلى حصر “مثقّفي الشعب” في هذه الأسماء الأربعة، على قيمتها الثابتة الجلية.
عمّي“الطاهر”.. المناضل الدّائم
من الوجوه الثّقافية الخالدة بأعمالها الأدبية ومواقفها، التي تركت بصمتها في الجريدة، الأديب الراحل الطاهر وطار، الذي أسّس في ١٩٦٣ أسبوعية “الجماهير” بالجزائر العاصمة، قبل أن يؤسّس سنة ١٩٧٣ أسبوعية “الشعب الثقافي” التي كانت تابعة لجريدة “الشعب”، هذه الأخيرة نشرت له رواية “الحوت والقصر” سنة ١٩٧٤.
ولد خليفة..الكتابة لا يوقفها الزّمن
ونحن نقلّب صفحات أرشيف جريدة لذات “الشعب” لذات نوفمبر 1977، وقفنا على مجموعة مقالات في التربية والثقافة للدكتور رئيس المجلس الشعبي الوطني محمد العربي ولد خليفة، ولعل ما آثار انتباهنا هو أنّ الرّجل داوم على الكتابة منذ عقود، ولم يتوقّف عن الإنتاج الفكري على مرّ السنوات.
من بين ما قرأنا “الثّقافة والشّخصية وعلاقتهما بالأساليب التّربوية”، يقول فيه إنّ مفهومي الثّقافة والشّخصية يعتبران “من أكثر المفاهيم مدعاة للجدل ومثارا للخلاف بين الباحثين في العلوم السلوكية، ومصدر هذا الخلاف هو أنّ هذين المفهومين ليسا أكثر من تجريد لتركيبات من الوقائع السلوكية، تختلف النظرة إليها باختلاف المنظار الذي توجد به”، فالمفهومان يصعب إخضاعهما للضّبط المخبري، وهي رؤية ما تزال صالحة إلى يومنا هذا.
أحمد بن نعمان.. فيض من الأفكار
لم يخرج الدكتور أحمد بن نعمان من القاعدة التي سار عليها المثقّفون الآخرون الذين كتبوا في “الشعب”، وهو الذي نتعرّف على مقالاته بمجرد قراءة بعض الأسطر، لما له من لمسة خاصة. كتب مقالاته تحت عنوان “تأمّلات ومواقف”، كما كتب العمود مستعملا الاسم المستعار “أبو حسان الفاتح”. ولعل حسان هذا هو ابنه حسان بن نعمان، صاحب دار “الأمة”، الذي أكّد لـ “الشعب” بأنّ الجريدة إنما استقطبت هذا الكمّ من المثقّفين للمصداقية التي تمتّعت بها، وكانت منبرا فكريا وثقافيا وسياسيا أقبل على قراءته الجزائريون يتقدّمهم النّخبة المثقّفة.
محمد صالح الصدّيق.. ضمير قلم
في إحدى الصفحات الأخيرة من جريدة “الشعب” قبل عقدين من الزمن، نقع على عمود يومي عنوانه “ما قلّ ودل”. تطرّق العمود إلى تاريخ عادة التّصفيق وتمايزها بين مختلف الحضارات والثقافات والشعوب، وكان العمود من توقيع الأستاذ محمد صالح الصدّيق. منطقي إذن أن نجد كل هذه المعلومات حول موضوع يعيشه الناس يوميا دون أن يفقهوا كنهه.
محمد صالح الصديق عالم ومجاهد ومفكر وأديب وفقيه ومؤرّخ، وهو من أكثر المؤلّفين الجزائريين إنتاجا.