أكد أستاذ علم الاجتماع السياسي بقسم العلوم السياسية بجامعة باجي مختار بعنابة عبد السلام فيلالي، في حوار مع «الشعب» أن المعارضة ينبغي أن «تغير نظرتها إلى النضال السياسي، بحيث لا يصبح عمل المؤسسات مناسباتي». لاسيما وأنها تصنف ـ حسبه ـ كـ «مؤسسة ضمن خارطة سياسية»، ولم يخف في سياق موصول بأن الايجابيات التي تعزز دورها المكرسة بموجب دستور 2016 يسير بوتيرة تفوق وتيرتها، ما يفرض عليها تغيير نظرتها إلى العمل السياسي وعدم الاكتفاء بالنشاط المناسباتي.
- «الشعب»: كيف تقيّمون وضع أحزاب المعارضة في الساحة السياسية في الجزائر عموما؟
عبد السلام فيلالي: لا ننظر إلى أحزاب المعارضة كمجرد أحزاب، وإنما ننظر إليها كمؤسسة ضمن خارطة سياسية، لأن الفعل السياسي نابع عن تيارات، ومن هذا المنطلق ينبغي النظر إليها كتيارات سياسية وليس فقط كأحزاب، في بعض الأحيان لابد النظر إلى قرار معين من عدة زوايا وهذا مهم جدا، إذ يجب أن تتعدد الرؤى والآراء وسياقات المعالجة ـ التي تكرس الطابع الديمقراطي ـ ومن ثمة نصل إلى فعل سياسي واقتصادي وتنموي تكون فيه عدة رؤى وبالتالي درجة الفشل تكون أقل.
وإذا تناولنا الأمر من هذا الجانب، المعارضة مؤسسة قد لا تكون مجرد أفراد لهم أراء مختلفة عن الحكومة وعن الحزب الحاكم، وبالتالي فإن هذا الجانب مهم جدا في الفعل السياسي والديناميكية التي تشهدها دولة من الدول، والمعارضة السياسية عندنا تعرضت إلى هزات، ولم تكن نظرتها ذات طابع «دولتي»، حيث أنه في بعض الأحيان لا تكون أفعالها أو اتجاهاتها أو أرائها لا تكون «مدولنة» بالشكل المطلوب، وهي تعكس توجهات أفراد أكثر مما تعكس توجهات مؤسسات، هذا ما يفسر الإخفاقات في عملها.
في بعض الأحيان نجد المعارض يعبر عن فكرة، لا نشعر بأن وراءه مؤسسة أو عمل «ممأسس» يؤدي إلى إنتاج أفعال ذات تلاحم من حيث الدراسة، تكون وراءها مراكز دراسات ربما أبحاث، ولذلك ننظر إلى المعارضة ومواقفها على أنها تفتقد إلى البعد العقلاني والعلمي الذي من المفروض أن يتوفر فيها، ونجد الوزير ينتهج خطابا ممنهجا ومدروسا ويمكن أن يوصل الفكرة، فيما يعبر المعارض عن رأيه أكثر مما يعبر عن رأي وتوجه الحزب، وبشكل عام فإن الفعل السياسي لا يكون مكتمل الا برد فعل وهذا قانون سياسي.
- هل أثّر تراجع النتائج المحققة خلال مختلف الانتخابات على مستوى المجالس المنتخبة، على الأداء السياسي للمعارضة؟
الاستحقاقات لا تعكس الواقع السياسي في اعتقادي، وعدم المشاركة القوية في الانتخابات، لتفضيل الناخب خيار العزوف يجعل منها استحقاقات ناقصة لغياب المشاركة الشعبية، ولم يغلب عليها طابع التجاذب، بقدر ما طبع عليها الطابع المادي والمالي، وباتت وسيلة للصعود وللترقية الاجتماعية، وفي بعض الولايات وسيلة للانتهازيين والوصوليين لتحقيق مصالحهم الخاصة، لا أعمم وإنما يتعلق الأمر بمسح.
- كيف ستنعكس المكتسبات التي تضمنها دستور 2016، على الممارسة السياسية للمعارضة عموما، وعلى أدائها على مستوى البرلمان تحديدا؟
الدستور دون مجاملة نص يعتبر قفزة حقيقة في تاريخ الجزائر المستقلة، منذ دستور 1976 الذي كرس البعد المؤسساتي للنظام، لا أتكلم عن دستور 1963، ثم دستور 1989 فدستور 1996، وبالنظر إليها هناك نقلة نوعية في جانب المحتوى والنص والروح، لكن السؤال المطروح هل تعكس الواقع السوسيولوجي وواقع القوى الاجتماعية، أرى أن النص تقدم بشكل أسرع من هذه الأخيرة، وأقول أن النص الدستوري من حيث الحريات ومن حيث تكريس دور المعارضة، حمل الكثير من الايجابيات، لكن الوضع في المقابل ما يمكن أن تؤديه وتقدمه المعارضة، يحتاج إلى نضال وبالتالي الأحزاب لا بد أن تغيّر نظرتها إلى النضال السياسي، بحيث لا يصبح عمل المؤسسات مناسباتي، فباستثناء بعض الأحزاب الفاعلة، الكثير من أحزاب المعارضة لا تنشط إلا خلال المواعيد الانتخابية ما يفقدها مصداقيتها، لأن المفروض العمل طيلة السنة، حتى أن هناك حكومات الظلّ لأن العمل السياسي في جوهره قوة، محاولة تقييم الواقع الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، وطرح رؤى تؤدي إلى إنتاج يفيد العمل التنموي، فهو أفكار قبل أن يكون أفعال وقرارات دور يقع على الأحزاب السياسية، كما أنه ليس فعل يتعلق بالمعارضة فقط.
والأهم أن المعارضة لما تصل إلى الحكم لا تعيد النظر في الخيارات الجمهورية التي أصبحت الآن مدسترة، كما أنها لن تعيد النظر في مكاسب الدولة الوطنية، هذا ما ينبغي أن يفهمه الجميع، وخاصة المعارضة في الجزائر.
- هل ينبغي أن تهيكل المعارضة نفسها من أجل تعزيز وزنها وبالتالي موقعها في الساحة السياسية؟
الميدان هو المحك، في مثل هذه الأمور العمل السياسي هناك انفصام بين الفعل السياسي والواقع السياسي، لا بد من المقاربة بينهما، المعارضة يجب أن تكون قد وصلت إلى مرحلة أن تكون مجسدة على مستوى المجالس المنتخبة البلدية والولائي وعلى مستوى البرلمان وعلى مستوى الحكومة، وقد كانت تجربة مهمة جدا في السنوات الماضية كانت نافذة نطل منها على عمل المعارضة في حكومة غزالي والحكومة الأولى في عهد الرئيس بوتفليقة.