اهتمت دساتير الجزائر بحرية الصحافة والتعبير ومنحتها الأولوية، معتبرة أنها إحدى الروافد القوية في تكريس الديمقراطية وحماية الحريات وتعدّدية الفكر والرأي، معيدة الى الأذهان مساهمتها الكبيرة في تحرّر البلاد والترويج للمشروع الوطني الذي وضعت أسسه ثورة نوفمبر المجيدة.
وضعت الدساتير نصب أعينها على حرية الصحافة واضعة لها بنودًا وموادًا، تؤكد عدم المساس بها في كل الظروف والاحوال، باعتبار الاعلام الورقة الرابحة في البناء الوطني والانماء، يرافق، يقيّم، يقوّم مسار التحوّل الديمقراطي بالتنبيه الى وجود اختلالات وتقديم اقتراحات الحلول، اعتمادا على آراء أهل الاختصاص للأطراف الشريكة في المعادلة.
هذا ما توّقف عنده الدكتور أحمد حمدي، عميد كلية علوم الاعلام من منبر «ضيف الشعب»، عشية الاحتفالية باليوم العالمي لحرية الصحافة والتعبير. وقال الدكتور في هذا المجال: «دساتير الجزائر أولت عنايتها بحرية الصحافة والتعبير. لكن لكل واحد قراءته لهذه الحرية، مفاهيمه ومصطلحاته. لكن دستور 2016، اهتم أكثر بهذه المسألة عبر تكريسه 10 مواد للحديث عن حرية التعبير في أشكالها المختلفة من صحافة مكتوبة، سمعية بصرية وإلكترونية والتي تقتحم المشهد الإعلامي وتفرض نفسها.»
أضاف الدكتور حمدي في تحليله لتعديل الدستور وما تضمنه من مواد جديدة في المشهد الإعلامي: «إن المادة 51 في وثيقة أسمى القوانين مهمة جدا، لأنها تتحدث في فقرتها الـ 3، إن جنحة الصحافة لا تكون بعقوبة سالبة للحرية.»
ومعنى هذا إن أخطاء الصحفي أو ما يعرف بأمراض الصحافة وحرية التعبير لا تكون سالبة لحرية المهنة ولا تؤدي الى سجن صاحبها. الفقرة المذكورة تحمي الصحفي من عقوبة السجن وتجعل من خطئه المرتكب مجرد جنحة تقتضي غرامات مادية أو أشياء تقابلها، بحسب درجة الضرر.
جاء هذا المكسب الذي قرّره رئيس الجمهورية ضمن مبادرات في إطار الإصلاحات السياسية والإعلامية بغرض إعطاء دفع للمهنة الإعلامية وترقيتها، اعتمادا على الموضوعية والمصداقية بعيدا عن السقوط في الاثارة والتهويل ..بعيدا عن ممارسات لا تمت بصلة لأخلاقيات المهنة ونقاء الضمير وروح المسؤولية. وهي قيم من الثوابت في إعلاء شأن الإعلام ومنحه الثقة التي يحتاجها باعتباره صانعا للرأي العام، مروجا لصورة البلاد وليس مجرد ناقل للمعلومات والأخبار، ترتقي به هذه المهنة ويقلّل الاختلال بفتح المجال لمصدر الخبر وعدم غلق الابواب في وجه الصحفي، اعتمادا بإفراط على القاعدة «سري للغاية» وتطبيقها في كل المجالات.
هناك معلومات أمنية تستدعي التحفّظ بشأنها والتستّر عليها، لكن هناك مجالات ينبغي التعامل معها بشفافية وسرد المعلومة الى الصحافي لنقلها بأمانة وروح الضمير، واطلاع المواطن بها دون تركه عرضة للاشاعة والدعاية.
«إذا غابت المعلومة حلّت محلها الإشاعة وتكرّست الدعاية وتمادت في الترويج للمغالطات والأخطاء وترسيخها الى الرأي العام. لهذا توّجت محاربة هذه الظاهرة ومقاومة الاعلام بالخبر اليقين والمصداقية» هكذا ينبغي العمل في الحقل الاتصالي.
بهذه الطريقة تبنى دولة المؤسسات، وتعزّز الديمقراطية وتتقوى واضعة في الحسبان الإعلام شريكا أساسيا في البناء والتغيير. توّقف عندها الدكتور حمدي، مشيرا الى ما تضمّنه الدستور الجديد من مواد تشدّد على ضمان حصول المعلومة من طرف الصحفي وتجاوز المسؤولين الخوف المجاني أحيانا من وسائل الاعلام.
عكس ذلك تؤدي السيولة الاعلامية الى حماية المؤسسات وترقية وظيفتها وايصال رسالتها الى المواطن والرأي العام، كما هي دون تحريف.
فقد تضمنت المادة 51 من الدستور على ضمان مصدر المعلومات للصحفي وكذا المواطن. وضمان مصدر المعلومة للصحفي مسألة في غاية الأهمية بالنسبة لحرية التعبير طالما أن الصحفي هو الذي يصنع من الحدث خبرا ويصيغه بالكيفية التي تتطلبها المهمة الإعلامية التي بها يؤثر على اتجاهات الرأي العام.
من هنا يفهم الدور الذي يلعبه الصحفي ولماذا توّجه له هذه العناية وتصدر مادة قانونية تحميه عند ارتكابه خطأً يوضع في خانة الجنحة وليس الجناية، مثلما كان الحال من قبل. حماية الصحفي أشبه بحماية القاضي الذي يصدر أحكاما خاطئة ولا تدخله إلى السجن.
إنها أخطاء مهنية يسقط فيها الصحفي، تبعده عن عقوبة السجن بحكم الاجراء الرئاسي الذي رفع التجريم عن الفعل الاعلامي. لكن رفع التجريم يفرض في المقابل التسلّح بالاحترافية وما تشمله من أخلاقيات مهنية وتحري الخبر قبل نشره وعدم اطلاق العنان للقلم للسّب والشتم والمساس بحياة الناس الخاصة إلى درجة يصبح الاعتذار أمرا لا معنى له ولا أقوى في تصحيح الخطأ.