رسالة رئيس الجمهورية بمناسبة إحياء الذكرى 60 لليوم الوطني للطالب:

حان الوقت ليتجنّد الشباب في معركة بناء اقتصاد متحرّر من التبعية للمحروقات

بعث رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة، أمس، رسالة بمناسبة الذكرى الستين لليوم الوطني للطالب، هذا نصها الكامل:

«سيداتي الفضليات،
سادتي الأفاضل،
إن هذا اليوم البارز من بين أيام الجزائر المجيدة لم يفقد ولن يفقد، بالرغم من مرور ستين عاما على حدوثه، إشراقته ورمزيته القوية قبل الاستقلال وبعده. إنه يشكل إحدى مآثر ثورتنا التحريرية المجيدة التي رسخت في ذاكرة الشعب الجزائري بأكمله كحدث مشهود هز أركان كيان الاحتلال.
وما كان ذلك ليتأتّى إلا بفضل انتفاضة جميع شرائح الشعب الجزائري الأبي يوم أول نوفمبر ليخوض غمار ثورة زادته مجدا على مجد وبقيت إلى يومنا هذا صفحة مشرقة في تاريخ كفاح الشعوب من أجل استقلالها؛ ثورة ازدادت إشعاعا وقوة بالتحاق الطليعة المثقفة من شعبنا بصفوفها.
ولئن كانت انتفاضة التلاميذ والطلبة يؤرخ لها بهذا اليوم الأغر، فإنها، في حقيقتها، كانت قضية تعتلج في قلوب جميع الشباب، سواء أولئك الذين فجروا الثورة في غرة نوفمبر، أم أولئك التلاميذ والطلبة الذين كانوا، وهم على مقاعد الدراسة، يتحرّقون توثّبا إلى المشاركة في منازلة المستعمر على غرار غيرهم من أبناء الجزائر، موقنين بأن أرواحهم ليست أفضل ولا أغلى من أرواح إخوتهم، وأن لا قيمة للعلم والتحصيل بلا حرية ولا سيادة ولا كرامة.

هبّة الطلبة صوب ساحات الوغى طعّمت صفوف الثورة بكفاءات شابة

سيداتي الفضليات،
سادتي الأفاضل،
إذا كان لهذا الحدث فضل عظيم في مجريات تطور العمل المسلح والدبلوماسي والسياسي في تلك الحقبة، فإنه بوّأ الثورة مقاما رفيعا في المحافل الدولية، وكسبت به تعاطف كل أحرار العالم في ذلك الوقت، شعوبا وحكومات، وتأييدهم. إن فضل هذا اليوم يكمن في كونه أبان وعي الشباب وإرادته، وبرهن بالدليل على أن الإنجازات العظيمة لا تقاس بالسن، وأنه كلما تماهى الوعي الصحيح بالقضايا العادلة الكبرى تحققت المعجزات.
إن انضمام ما كان يملكه الشعب الجزائري من طاقات فكرية وعلمية إلى صفوف الثورة جدير بأن نعده المحطة التاريخية الثالثة للثورة التحريرية بعد إعلانها في أول نوفمبر 1954 وأحداث 20 أوت، ذلك لأنه أعطى نفسا جديدا للثورة وسفّه محاولات القوة الاستعمارية التي كانت تراهن على كسب النخبة الجزائرية المتعلمة لتجعل منها نموذجا يحمل بقية الجزائريين على تقبل الاندماج المعروض عليهم.
لقد كان للشباب الثائر من الإحساس بواجبه نحو الوطن ما بعثه على الاستعداد وللتضحية والصبر والصمود، والتحق بسرايا الجهاد ولم يأبه بفوارق القوة وباختلال التوازنات بين قوة عالمية لا يردعها رادع خلقي أو إنساني في استعمال ترسانة الإبادة الجماعية، وممارسة سياسة الأرض المحروقة، وتزييف الحقائق على المستوى الإعلامي، وبين الإيمان بعدالة القضية وصحة المنهج والثقة في حكم التاريخ إذا توافق مع الإرادة الصحيحة والتصميم على الانتصار لهذا الحق دون النظر إلى ما يكلفه من تضحيات، وهي الرسالة التي تلقفها الشعب واتخذها مبدأ في احتضانه لهذه الثورة معنويا وماديا، فكابد في سبيلها فوق ما يحتمل الإنسان بشرف وإيمان، وهي الصخرة الصلبة التي تحطمت عليها غطرسة العدو وانهارت أمامها إرادة الشر ومخططات دهاقنة الاستعمار الذين توهموا أن الجزائر آلت إليهم لا رجعة.
ومن نافلة القول، ان هبّة التلاميذ والطلبة صوب ساحات الوغى طعّمت صفوف الثورة بكفاءات شابة في مختلف التخصصات، كان لها الأثر البالغ في استكمال شروط النصر المنشود بتجندهم، ذكورا وإناثا، أمد الطلبة الثورة بما كانت في حاجة إليه من الكفاءات التقنية في مجالات صيانة الأسلحة وصناعة القنابل، والصحة والدعاية والإعلام والإتصال وغير ذلك من المجالات.
كما سمحت للدولة الجزائرية المستقلة أن تستفيد من أولى دفوعات إطاراتها المتحصلين على العلم والمتشبّعين بالروح الوطنية والتجربة الثورية، وهي العوامل التي ساهمت بقوة في المحطات الأولى لإعادة بناء الدولة وانطلاق التنمية في وسط تحديات عاتية كانت تواجهها الجزائر آنذاك.
وفي هذا المقام، لابد من التذكير بأن الإطارات الأولى لسلك الدبلوماسية الجزائرية كانوا من الطلبة الذين لبّوا نداء الثورة وإلتحوا بصفوفها.
بالفعل، إن هذا الرصيد المعنوي والرمزي وهذه التجربة التي ترسخت في الوعي الجماعي لأمتنا هي صمام الأمان والثروة الحقيقية التي بدونها تعجز الأمم عن حماية قدرتها على صون وحدتها ومواصلة تنميتها ودفاعها عن حياضها وسيادتها.
وليس أدل على ذلك، من تمكّن بلادنا من معالجة المأساة التي مرت بها خلال التسعينيات من القرن الماضي، بحكمة وصبر وشجاعة وهي الفضائل المستمدة من تلك القيم التي غرستها فينا الثورة التحريرية المباركة.
فبفضل الشعب انتصر السلم والوئام والمصالحة على التقاتل والأحقاد والبغضاء، وبنفس الإرادة والتصميم والوعي سيغالب شعبنا كل التحديات، ببنائه دولة الحق والقانون على شروط موضوعية وأسس دستورية تكون فيها مؤسسات الشعب هي الحَكَم والمرجع الذي يقرّر مستقبل الأمة.
رهان اكتساب العلم والمعرفة في طليعة الأهداف

سيداتي الفضليات،
سادتي الأفاضل،
لقد حرصت الجزائر المستقلة على وضع رهان اكتساب أبنائها وبناتها العلم والمعرفة في طليعة أهدافها، انتقاما لحرمان شعبنا من العلم أثناء حقبة الاستعمار الغاشم وحرصا على تسلح أجيالها الصاعدة بالعلم والمعرفة لكي يساهموا بكل جدارة في الجهاد الأكبر، جهاد البناء والتشييد.
أجل، إن أكبر انتصار صنعته الجزائر المستقلة تحقق بتكوين أبنائها وبناتها عبر العقود منذ الاستقلال، وأحسن دليل على ذلك كون الجزائر اليوم تزخر بارتياد ربع سكانها يوميا المدارس والمعاهد ومراكز التكوين والجامعات.
وهذا حتى في الضائقة المالية التي ألمت بها جراء الانخفاض الفادح لأسعار النفط في السوق العالمية.
ولقد حان الوقت اليوم، أكثر من أي مرحلة مضت، لكي يتجند شبابنا عامة ونخبتنا خاصة لكي يكون في مقدمة الصف في معركة بناء اقتصاد وطني متحرر من التبعية المفرطة للمحروقات ولكي نضمن اطراد مسار التنمية الاقتصادية والاجتماعية الذي قطع مشوارا معتبرا لحد الآن.
فأناشدكم، يا أبناء وبنات الجزائر أن تتدبّروا في هبّة أسلافكم للنهوض بالثورة التحريرية المظفرة وتعقدوا العزم على رفع هذا التحدي خدمة لمستقبلكم، وخدمة لازدهار شعبكم، وحفاظا على استقلال وطنكم؛ استقلال يتعزز ويُصان باستقلال بلادنا ماليا واقتصاديا، وبقدرة الجزائر على مغالبة المنافسة العالمية التي لا ترحم وتبوإ مكانتها المشروعة في ركب الدول؛ مكانة تكون في مستوى قدراتها المادية والاقتصادية والبشرية خاصة.
ختاما، وعلى أمل قويّ أن تكونوا وتظلوا أحسن خلف لأحسن سلف، أهنّئكم، أيتها الطالبات أيها الطلبة، بعيدكم الوطني هذا، متمنّيا لكم مستقبلا زاهرا في كنف جزائر آمنة عزيزة بكم وبجميل ما تناله على أيديكم من مجد وسؤدد».

 

 

 

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19448

العدد 19448

الأربعاء 17 أفريل 2024
العدد 19447

العدد 19447

الثلاثاء 16 أفريل 2024
العدد 19446

العدد 19446

الإثنين 15 أفريل 2024
العدد 19445

العدد 19445

الأحد 14 أفريل 2024