اختطف إرهاب الطرق الزميلة أمال مرابطي (مراسلة الشعب من ڤالمة) دون سابق إنذار من بين أحضان أسرتها المفجوعة، حينما كانت ترافقها على متن سيارة يقودها الوالد في طريق العودة من عطلة تحولت في لحظة إلى مأتم. كما انتزعها حادث المرور الذي راحت ضحيته بالطريق السيار على مستوى مدينة بوفاريك من أسرتها المهنية التي وقع على أفرادها خبر وفاتها بمستشفى البليدة كالصاعقة يصعب تصديقه لولا الإيمان بقضاء الله وقدره.
كان للزميلة الفقيدة آمال مرابطي وهي في ريعان الشباب لا تفارقها الابتسامة نشاط دؤوب لا يتوقف من خلال حرصها فقط على انجاز الحد الأدنى لمتطلبات مهنة المتاعب، إنما كانت صاحبة مبادرة ممزوجة بجرأة، فلا تترك صغيرة ولا كبيرة لتعالجها إعلاميا وفي كل الظروف، سواء بصياغة خبر أو انجاز استطلاع أو إجراء مقابلة صحفية تخص كافة مناحي الحياة المحلية على مستوى ولاية قالمة والمناطق المجاورة لها.
بل وامتد نشاطها لمعالجة قضايا دولية إقليمية وعالمية منها بالأخص تطورات الأوضاع في فلسطين وبالذات في قطاع غزة، وهي القضية الأولى التي تعلقت بها بشكل جعلها تتحول إلى مسالة مصيرية ترتبط بيومياتها أيما ارتباط قانعة منها بعدالة القضية وتضامنا مع الشعب الفلسطيني في مواجهة الإرهاب الجهنمي الصهيوني اعتبار منها أن الكلمة وصدق معانيها أسلوب للمقاومة ضد داء النسيان وفقدان الذاكرة الذي أصاب الأمة العربية وشعوبها.
كانت الراحلة تتعلق بكل ما يقود إلى النهوض بالأمة العربية والإسلامية خاصة تنوير الرأي العام ونشر ثقافة وقيم الوحدة والإبداع كمصدر للطاقة البشرية التي تسمح بمواجهة العولمة وتداعياتها المدمرة كما يجري في بعض الأوطان العربية الممزقة التي اكتسحها “تسونامي التخريب” المستمد من نظرية الفوضى الخلاقة(المدمّرة) التي روجتها قوى في أمريكا لا تترك مجالا بما في ذلك حقوق الإنسان المغلوطة إلا وتسللت منه لإحداث الفتنة بكافة أنواعها من اجل تحقيق مشاريعها الاستعمارية الجديدة.
لم تكن مرابطي آمال وهي مرتكزة على معالم ورصيد وتاريخ منطقة قالمة تستمد منها قوتها المعنوية تتردد في اتخاذ الموقف دون خشية لائم أو انتظار كلمة شكر، إيمانا منها أن راحة الضمير أفضل زاد للإنسان في زمن الردة والابتزاز والمساومة، فتجاوزت كل ما من شانه تثبيط عزيمتها أو التشويش على قناعاتها لتكون المبادرة في العمل عقيدتها المهنية، فانخرطت في ديناميكية الكتابة الصحفية بشكل جعلها تنزع وفي ظرف قياسي احترام الزملاء فنالت التقدير وحظيت بالعرفان.
ومن شيمها كانت تقبل الإصغاء للرأي الآخر وتحترم محاورها فتطلب المرافقة في التحليل والتوجيه وإن اختلفت المواقف فتتقبل الملاحظات، لكنها تبادر إلى مناقشة الأفكار وتحليل وجهات النظر بخصوص القضايا الكبرى التي تشغل الصحافة الوطنية والعالمية، دون أن تسقط القيم والمبادئ والثوابت، فتعدى تواجدها المحلي حدود الجغرافيا الإقليمية لتتموقع ضمن الفضاء الوطني والعربي كعنصر فاعل لا يقبل التردد أو الانكسار.
أذكر من خصالها قبل أن تسلم الروح إلى بارئها راضية مرضية، أنها كلما كانت تزور مقر الجريدة تتنقل بين الأقسام لتحية الجميع بلا تمييز تسبقها ابتسامتها فتعطي لكل واحد حقه من التقدير والاحترام فنالت بذلك وسام الزمالة المهنية الخالصة، فكم هو صعب أن ينتزع الموت من الحياة أناسا من هذه الطينة الأصيلة.
على مستوى القسم الاقتصادي ساهمت بالكثير من المقالات والاستطلاعات والحوارات تعرضت فيها لمختلف القضايا والملفات التي تشغل الساحة الاقتصادية والاجتماعية المحلية بقالمة وما جاورها، كما كانت تبرز الكفاءات المحلية من الشباب المقاول وأصحاب الأفكار والابتكارات مفضلة دوما الدفاع عن المواطن على درجة بساطته حاملة همومه في مواجهة الأسواق وهيمنة التجار انطلاقا من أن منح الكلمة للمواطن لممارسة حقه في التعبير حول يومياته يعد ضمانة لبناء مواطن لا يمكن النيل من قيمة إخلاصه للوطن والتزامه بالدفاع عنه.
ولا مجال هنا حيث لا راد لقضاء الله سوى أن نترحم على روح الفقيدة داعين الله أن يتغمدها برحمته ويسكنها فسيح جنانه وأن يلهم ذويها جميل الصبر والسلوان.