ضربة موجعة للنظام الكولونيالي في الجزائر

12500 شهيد سقطوا في ملحمة 20 أوت 1955

أمين بلعمري

إن العدد الهائل للشهداء الذين سقطوا في هجومات 20 أوت 1955 بالشمال القسنطيني، تأكدت من خلالها حقيقتان هامتان وهما مدى احتضان الشعب الجزائري لثورة نوفمبر المجيدة التي مرّ يومها على انطلاقها سنة واحدة من هذه الملحمة البطولية التي كتبها الشعب الجزائري بحروف من دم، هذا من ناحية. كما تثبت على الجهة المقابلة، مدى جبن ووحشية الاستعمار الفرنسي الذي لم يتمكن سوى الانتقام من مدنيين عزل خرجوا بصدور عارية وأياد فارغة وهي المعادلة التي استطاع من خلالها قادة الثورة أن يثبتوا للعالم أجمع أن ثورة نوفمبر لم تكن انتفاضة جياع وأن الذين رفعوا السلاح في وجه فرنسا لم يكونوا قطاع طرق أو عصابة صعاليك، كما كانت تصوّرهم الدعاية الاستعمارية، ولكن جنود جيش تحرير. وإن كانوا لا يمتلكون الأسلحة والعتاد الذي لدى العدو فإن لديهم استراتيجية وعقيدة قتالية.
لقد أثبتت هجومات 20 أوت 1955 وعي وذكاء قادة الثورة وما النتائج التي تمخضت عن هذه العملية العسكرية، التي ذهب بعضٌ إلى حد اعتبارها نوفمبر ثانيا، إلا دليل على نجاح الأبعاد والأهداف التي أطلقت من أجلها. فعلى الصعيد النفسي، كانت هجومات 20 أوت ضربة موجعة للنظام الاستعماري الاستعبادي في العمق وعجلت بنهايته في كل القارة الإفريقية. فالشعب الجزائري استطاع من خلالها كسر حاجز الخوف وتحرّر من هذه العقدة التي كبّلت يديه لأكثر من قرن.
أما على الصعيد العسكري، فقد أتت هذه الهجومات أكلها من خلال النقاط المستهدفة وما تحمله من رمزية كثكنات الجيش، محافظات الشرطة والأهم من كل ذلك المعمرين الذين ظلوا يشكلون محور استمرار الاستعمار الفرنسي للجزائر وذلك من أجل الحفاظ على امتيازاتهم في الجزائر وهي امتيازات لا يحلمون بمثلها آنذاك حتى في الأراضي الفرنسية ذاتها، وبالتالي كانت هجومات 20 أوت 1955 ضربة قاصمة للنظام الكونيالي من خلال استهداف مصالح عصابات المعمّرين في الجزائر الذين كانوا يعتبرون اللوبي الذي يزن ثقيلا في دوائر صنع القرار في أعلى هرم الإدارة الاستعمارية آنذاك عندما يتعلق الأمر بالجزائر...
هجومات 20 أوت 1955 كان لها كذلك بعدها وصداها الإعلامي، حيث استطاعت الثورة الجزائرية من خلالها إيصال صوت الشعب الجزائري للمجتمع الدولي وصوت ثورته المظفرة، وهذا هو الصوت بالذات الذي لم ترد له فرنسا أن يكون مسموعا وعملت على خنقه لكي لا يصل صدى الثورة إلى العالم حتى لا يكتشف الجرائم التي يرتكبها الجيش الفرنسي في حق شعب اعتبرته جزءاً منها ولكن دون حقوق ولا مزايا وكيف ذلك وهي تعتبره مجرد أهالي لا يستحقون الحياة ولا اهتمام الآخر. إلا أن هذه الملحمة التاريخية نالت نصيبها من التغطية الإعلامية، خاصة داخل الدول الكبرى مثل الولايات المتحدة الأمريكية، وبدأ العالم يسمع عن شعب ثار من أجل الحرية والاستقلال؛ شعب لم يكن يوما ولا يريد أن يكون جزءاً من منظومة الظلم والطغيان.
كما كان لهذه الهجومات جوانبها العديدة، فلا يجب هنا أن نغفل البعد الاستراتيجي لهذه الهجمات التي شهدتها منطقة الشمال القسنطيني أيام 20، 21 و22 أوت 1955، حيث كان الهدف من ورائها فك الحصار المفروض من الجيش الاستعماري على الثورة في منطقة الأوراس من أجل وأدها بعد سنة على اندلاعها. وبالفعل استطاعت هذه العملية أن تشتت تركيز الجيش الفرنسي وتجبره على تخفيف الخناق على منطقة الأوراس وتحويل الأنظار عنها وهنا تحقق بعدد استراتيجي آخر وهو أن الثورة لم تكن محصورة في جهة دون سواها، لكن كانت ثورة كل الجزائريين، تداعى إلى نصرتها والالتحاق بصفوفها رجال من كل أنحاء الجزائر وهذه الثورة كانت ولاتزال إسمنت وحدتنا الوطنية، لأنها حققت غاية مقدسة حلم بها كل جزائري - إلا الذين اتبعوا خطوات الشيطان وخانوا وطنهم ودينهم - وهو الاستقلال. فالمجد والخلود لشهداء الجزائر، كل الجزائر، ويبقى البطل الوحيد هو الشعب الجزائري الذي خرج من أصلابه أمثال الشهداء زيغوت يوسف، العربي بن مهيدي وأحمد زبانة والقائمة طويلة.

 

 

 

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19813

العدد 19813

الخميس 03 جويلية 2025
العدد 19812

العدد 19812

الأربعاء 02 جويلية 2025
العدد 19811

العدد 19811

الثلاثاء 01 جويلية 2025
العدد 19810

العدد 19810

الإثنين 30 جوان 2025