انطلقت الثورة الجزائرية من وسط الشعب، استطاعت ترسيخ مبدأ الديمقراطية باستبعادها لكل النزاعات الفردية، ليذوب الجميع في بوتقة الجهاد، تحت قيادة جماعية وبالتالي تأثر الفرد الجزائري بها، فكريا، وعمليا، فأرجعت له الثقة بالنفس، ليثبت صموده بحرب الإبادة، وأساليب التعذيب، وجعلته يؤمن بقدسية الدفاع عن حقوقه، وأصبح يحس بالمسؤولية الجماعية، كما أضافت الثورة جهودها إلى جهود المناضلين السابقين من أجل الحفاظ على أصالة الجزائري، وانتمائه التاريخي، للمحافظة على الوحدة الوطنية، بعد أن بذل المحتل كل جهوده لأجل تفتيتها.
الثورة الجزائرية حسب المتدخلين من الأساتدة بمنتدى «الشعب» المنظم بقصر الثقافة والفنون بسكيكدة، أنها استمدت أهميتها وعالميتها من خلال عقيدتها الواضـحة ومقدرتها على التحرك الواسع، وقد تجاوزت حدودها بفلسفتها وقيمها وقد غيرت جذريا الواقع الجزائري و نسفت كل جسور الاحتلال وفرضت نفسها كتجربة ثورية أضاءت الطريق أمام حركات تحررية عالمية أخرى.
فقد ارتكزت الثورة الجزائرية على أسس الاعتماد على القوة الذاتية واستغلال كافة الإمكانيات والمعطيات وتوجيهها لخدمتها، أبعادها المنطقية والتاريخية «عربيا، إسلاميا، عالميا»، التعبئة الجماهيرية المنضمة التي ساهم فيها كل فرد بما لديه من إمكانيات وطاقات وتلاحم الشعب، والاستناد إلى الركائز الروحية النابعة من أصالة الإنسان الجزائري الاستناد من التجارب التي سبقته.
فانتصرت الجزائر وتحصلت على استقلالها بأودية من الدماء والدموع وقوافل من الشهداء والإبطال المقيدين بالسلاسل، داخل السجون، فمنهم من مات ومنهم من لايزال ، على قيد الحياة ، يعانون أثار التعذيب.
20 أوت نقطة اللارجوع
هجومات 20 أوت 1955، حسب منشطي المنتدى محطة هامة في حياة الثورة، فهي الوثبة التي فعلت المقاومة وجعلت من عمر الثورة قصيرا في تحقيق النصر، لقد عاشت الجزائر خلال الثورة المظفرة ، مأساة « تراجيديا»، بكل ما تحمله كلمة المأساة من أبعاد ومضامين ، حتى بات من المتفق عليه، بأنها أكبر مأساة في القرن العشرين، إلى جانب مأساة العرب والمسلمين في فلسطين، فقد عاشت الثورة التحريرية في عامها الأول أصعب الظروف، لقلـــــــة الإمكانيات المادية والبشرية، وللمواقف السلبية للأحزاب والهيئات السياسية تجاهها، وكان الشعب قد اختلطت عليه الأمور، ومن جهة المحتل المدجج بأرمادة من الأسلحة العصرية والمدعم من قبل الحلف الأطلسي، وأتخدت عدة إجراءات عسكرية وسياسية ضد الثورة، وأعلنت حالة الطوارئ، وهذا للقضاء عليها في المهد ، وبالرغم من البسالة التي قاوم بها المحتل بأبسط ما لديه من أسلحة تقليدية ،كانت الثورة محصورة في بعض المناطق، لم تنتشر بعد، وأمام هذه الأوضاع كان لابد من عمل ينقذ هده الثورة الفتية، ويحيها لتشمل كل الجزائر، ويشارك بها الجميع، حتى تكون أيام المحتل قليلة ، ولهذا جاءت فكرة البطل الشهيد زيغود يوسف ، ليضع حدا لكل مشكك في الثورة، ويفصل في أمر التردد الذي كان الحاجز لانضمام الشعب لهذه القاطرة ، قاطرة الحرية والاستقلال ، فهجوم 20 أوت 1955، المنعرج الحاسم للثورة التحريرية.
.. وفرضت القضية الجزائرية في المحافل الدولية
يقول المفكر الجزائري مالك بن نبي «أن أول نوفمبر بالنسبة لنا كان هو بداية الانطلاقة، لكن 20 أوت 1955 هو بداية حرب اعلناها بالنسبة لفرنسا»، وكيف لا و20 أوت جعل وزير خارجية فرنسا «بيني» يغادر قاعة جلسات الأمم المتحدة احتجاجا على تسجيل هذه الهيئة الدولية لقضية الجزائر بجدول أعمالها ،وأرغمت هذه العمليات العدو على التشتت، وعلى ترك بعض المزارع، خاصة القريبة من المناطق الجبلية ،كما تركت في وسطه بلبلة فكرية واضطرابا سياسيا وعسكريا، وخوفا ورعبا في وسط كل من العسكر والمدنيين.
والهجوم كان نظير الأوضاع السائدة، أثناء مسيرة الثورة في عامها الأول، وجاءت لتفعيل الثورة والأخذ بها إلى بر الأمان ، حتى يحتضنها الشعب ، والخطة مع أنها كانت سهلة، إلا أنها صعبة التنفيذ للغاية ونتائجها خطيرة وهامة ، فقد درست الخطة بكل دقة ، وتم تحديد الأهداف من هذا العمل العسكري الشعبي الكاسح، وكان التنفيذ الدقيق، المدعم بجحافل المناضلين والمسبلين والفدائيين، وعامة الشعب الذي لم يبخل على وطنه في هذا اليوم المشهود، والهجوم أظهر تعطش الجزائريين إلى العمل المسلح ضد المحتل ، لأنه لاحظ أن السياسة لا تنفع مع مستعمر، لا يفقه إلا العنف والتقتيل.
وخاصية 20 أوت أن الهجوم كان في النهار، بالرغم من الصعوبات المحتملة ، وكانت جحافل المشاركين بالهجوم وجها لوجه مع المحتل الذي كان يضن انه أطفئ شعلة الجهاد في نفوس الأهالي كما كان يسمي أصحاب الأرض ، وساعة الهجوم 12:00 لها أكثر من دلالة ، كما أن اقــتران دلك الانطلاق بعد صوت المؤذن ما هو إلا المزاوجة بين صوت دعوة المؤذن للصلاة والدعوة إلى الجهاد.
الهجوم فند ادعاءات المستعمر وكل أذنابه، وأحبط كل المخططات التي أعدت للقضاء على فتيل الثورة، وبعث في نفوس المواطنين بريقا من الأمل في انقشاع غيوم المحتل الغاصب، ودفع هذا الهجوم على إعادة النظر في تنظيم الجيش ، وتفعيل القاطرة السياسية للتعريف بالقضية الجزائرية في المحافل الدولية، وتوسعت رقعة الثورة إلى أقصى الغرب وتصل إلى عمق الجرائر والى الصحراء، كما عبر الهجوم من خلاله الثورة الجزائرية عن تضامنها مع المغرب الشقيق، بهذا اليوم الذي يمثل الذكرى الثانية لنفي الملك محمد الخامس من بلاده، وقد جعلت الثورة يوم انعقاد مؤتمر الصومام نفس يوم الهجوم 20 أوت 1956، وذلك لأهمية هدا العمل الثوري الكبير، في حياة الكفاح الجزائري، كما جعل من قبل المؤتمر الوطني الثاني لمنظمة المجاهدين المنعقد غفي 16 أفريل من سنة 1964، كيوم وطني للمجاهد، يحتفل به المجاهدون وكل الشعب الجزائري، في كل سنة.