في الذكرى الحادية والستين لأحداث 20 أوت 1955 ،التي فكت الحصار عن منطقة الأوراس، وهي الأحداث التي مست 26 مدينة وقرية بالشمال القسنطيني خاصة، وضربت 70 موقعا اقتصاديا وعسكريا وأمنيا للمستعمر الفرنسي ، أجمع العديد من مجاهدي منطقة سطيف، الذين تحدثنا إليهم بالمناسبة، عن الأهمية القصوى لكتابة تاريخ ثورة أول نوفمبر الخالدة ،التي تكللت بعد أكثر من سبع سنوات بالحرية للشعب الجزائري المجاهد.
كانت هذه المناسبة التاريخية فرصة تقربنا من خلالها من بعض من حملوا السلاح لتحرير البلاد مع إخوانهم الشهداء، و ارتأينا سبر أغوار ذاكرتهم، رغم عامل السن، بعد واحد و ستين سنة من الذكرى، فكانت آراؤهم متقاربة بشأن الأهمية القصوى لكتابة تاريخ الثورة، كتابة صحيحة من لدن من عايشوا الحدث، بل و من صنعوه في الحقيقة،من خلال الشهادات الحية الني يقدمونها، والأهمية القصوى كذلك في الحفاظ على هذا المكسب الذي تحقق بدماء الشهداء، وآلام كبيرة عاناها الشعب بكل فئاته.
عمي حمودي (81 سنة)، مجاهد و معطوب حرب، تركز نضاله الثوري في منطقة عين سمارة بولاية قسنطينة حالياً، عاد بنا إلى معاناة مظاهر التمييز في عهد «الكولون» والاستغلال الذي كان ضحية له الشعب، و مظاهر الفقر و الحرمان، و هي كلها عوامل ساعدت على اندلاع الثورة المباركة التي عانى فيها سكان أرياف منطقة قسنطينة، معاناة شديدة ناهيك عن التعذيب و التشريد و المجازر المرتكبة؛ و عاد بنا إلى هجومات الشمال القسنطيني، بقيادة الشهيد البطل «زيغود يوسف»، و المجازر الرهيبة التي أعقبتها، و كان سكان منطقة سكيكدة على مدى 03 أيام كاملة ضحايا لها، حيث سقط ما يناهز عشرة آلاف شهيد. (في تلك المجازر الرهيبة).
وأصر المجاهد، على أهمية أن تعرف الأجيال الجديدة ما حدث أثناء الثورة من كفاح الشعب و المجاهدين ، الذين ضحوا بكل شيء من أجل التخلص من المحتل الغاشم مهما كان الثمن، و عدم التراجع إطلاقا، مبدياً أسفه في نفس الوقت من استخفاف شباب اليوم بالمجاهدين و الشهداء، بسبب أخطاء يكون قد ارتكبها بعضهم، و كذا بسبب تقصير واضح في تعليم الأجيال-حسبه-تاريخ آبائهم و أجدادهم.
أما الحاج شعبان ضياف (82 سنة)، و الذي كان مجاهدا بحدود سطيف وجيجل، فيروي بطولات حقيقية عاشها رفقة رفاق السلاح و المعارك التي خاضها الثوار بالمنطقة، التي كانت –حسبه-جد ملتهبة، أصيب في إحداها في ساقيه و بطنه، ومازالت آثار الرصاص بادية إلى اليوم على جسده، غير أنه أكد أن كل جهاده كان في سبيل الله، ورفض إلى يومنا هذا كل الامتيازات التي تحصل عليها رفاقه، حامدا الله على أداء الواجب في خدمة الإسلام والوطن، وأنه بعد الاستقلال كانت ظروفه المادية لا بأس بها، وتفرغ للعمل الخاص مطلقا كل نشاط سياسي أو مطالبة بأي حق، معتبراً أن جهاده كان لنصرة كلمة الله أكبر، ودعا بالمناسبة كل الأجيال إلى الاستلهام من ثورة التحرير المباركة للحفاظ على الاستقلال الوطني، الذي لم تحصل عليه الجزائري عبثاً، و إنما بتضحيات جسام يصعب شرحها و تبيانها لأنها كبيرة وكبيرة جداً.
كما أخدنا انطباع الحاج النواري (81 سنة)، الذي كان مسبلاً في ضواحي منطقة برج بوعريريج، فتأسف للإهمال الشديد –حسبه- من طرف شباب الاستقلال لمعاني التضحية، و حب الوطن، التي قال أنها غائبة تماماً في أيامنا هذه، و هذا ما نلاحظه من الأحزاب التي تنشط في الساحة و التي تستهدف-حسبه- فقط الوصول إلى السلطة، دون أن يكون لها برنامج وطني حقيقي لتطوير البلاد، وأرجع هذه الوضعية التي وصفها بالانتهازية إلى التخلي عن مبادئ الثورة ، و من فعل بعض الحركى-حسبه- الذين تسللوا واعتبروا أنفسهم مجاهدين، و لهذا دعا إلى تعليم الشباب و الجيل الحالي مبادئ الوطنية و التاريخ الحقيقي لأكبر وأعظم ثورة في القرن الماضي، لأنها ثورة شعب أعزل ضد قوة عسكرية عظمى، وانتصر بفضل التضحيات الجسام التي لا يعرف عنها الجيل الحالي شيئاً، وهو الجيل الذي يعتبر أن الاستقلال جاء هبة من «ديغول»، وهذا غير صحيح البتة، و إن مليون ونصف مليون شهيد أكبر دليل على عظمة التضحيات.
والملاحظ من خلال هذه الانطباعات، أن فئة المجاهدين تبدي مع تقدم السن، تخوفاً حقيقيًا من ضياع مكسب الثورة، بعد إحساسها بإهمال حقيقي من طرف الأجيال الحالية لنضالاتهم وهو أمر يحز في نفوسهم بشكل كبير.