من أجل مصالحة المواطن مع المتحف

إن انخراط المواطن في الحركية الثقافية الوطنية تبدأ من مصالحة هذا الأخير مع المتاحف، التي تعتبر خزانة تحمل ذاكرة و تاريخ أي شعب كان، حيث تختصر المراحل التاريخية لأية أمة في أروقة هذه المتاحف التي يمكنها أن تلخص حقب وأزمنة بكاملها في قطع أثرية قليلة.  
إن القطيعة الموجودة بين المواطن والمتحف في الجزائر تحتاج إلى دراسات معمقة وجلسات وطنية لمعرفة الأسباب الحقيقية التي تقف وراء هذه الوضعية التي جعلت زيارة المتحف تأتي في ذيل ترتيب الأسر الجزائرية  بل لدى الكثير منها لا أثر للمتحف في القاموس وهذا ملف يجب أن يوضع على طاولة الدراسة والنقاش من طرف المختصين ليس في علم الآثار فقط و لكن في مختلف التخصصات الأخرى حتى نتمكن من فك هذا لغز المتاحف المهجورة حتى نعيد لها الاعتبار وتصبح إحدى الوجهات المفضلة للفرد الجزائري كما هو الحال في دول أخرى أين يصطف السياح في طوابير طويلة من أجل الظفر بجولة داخل المتحف مقابل دفع مبلغ معتبر، في حين يمكنك الدخول إلى المتحف في الجزائر بمقابل نقدي يساوي ساندويتش «شاروما» و لكن رغم ذلك يبقى المتحف آخر وجهة يفكر فيها الفرد الجزائري !؟.
يبدو أن التنشئة الاجتماعية في الجزائر هي المسؤولة الأولى عن هذه السلوكات وهنا تتحمل المدرسة الجزائرية ـ بطبيعة الحال- القسط الأكبر من هذه المسؤولية بسبب تخليها ـ لأسباب مختلفة - عن العديد من الوظائف المتعددة الموكلة إليها والتي اختصرت ـ بكل أسف-  في تعليم أبجديات الحروف وجداول الضرب والحساب فقط، في حين أن مهمتها الرئيسية هي تنشئة الأجيال على حب الاطلاع والاستكشاف من خلال إخراج التلاميذ من قوقعة قاعات الدرس النظري إلى الاحتكاك الميداني من خلال الرحلات التي كانت تنظمها المدارس في السابق لفائدة التلاميذ ونقلهم إلى مختلف الأماكن سواء كانت ذات أبعاد ترفيهية أو تعليمية تربوية على غرار أخذهم إلى المتاحف وهذا ما يعزّز العلاقة بين المواطن والمتحف وغرس هذه الثقافة فيه منذ الصغر ليعرف أن لديه انتماء وأصولا وهنا فقط يمكننا أن نصنع مواطنا متصالحا مع المتحف وبالتالي مع تاريخه، حينها فقط سيكون لدينا مواطن فخور بجزائريته عن علم و دراية و ليس لمجرّد لحظات حماس وعواطف عابرة ترتبط بنشوة انتصار في مباراة لكرة القدم .
على كل هناك مبادرات إيجابية على غرار تظاهرة «متحف في الشارع» التي سيطلق الطبعة الرابعة منها متحف «الباردو» الخميس المقبل بفضاء «الصابلات» بالعاصمة، وإن كانت الفكرة رائعة تستحق كل الإشادة والتأييد فإنها تبقى غير كافية لمصالحة المواطن الجزائري مع متاحفه والبداية في هذا الاتجاه تكون بإعادة النظر في تسيير المتاحف الوطنية وتأهليها لتكون أكثر جاذبية وسحرا وليس مجرد معارض - دون روح - للقطع واللوحات الأثرية.

 

 

 

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19813

العدد 19813

الخميس 03 جويلية 2025
العدد 19812

العدد 19812

الأربعاء 02 جويلية 2025
العدد 19811

العدد 19811

الثلاثاء 01 جويلية 2025
العدد 19810

العدد 19810

الإثنين 30 جوان 2025