أسقطت تكهنات الخبراء بلعب ورقة استقرار السوق

اجتماع الجزائر... من استشاري إلى استثنائي

فريال بوشوية

ما كانت الجزائر، التي لا ولم ولن تدخر جهدا في سبيل الصالح العام قبل الخاص، أن تفوت اجتماع منظمة الدول المصدرة للبترول “أوبك”، دونما إيجاد حل لوضع مافتئ يتأزم بسبب التراجع المستمر و«المزمن”، في أسعار الذهب الأسود، إلى درجة تعدى تضرر اقتصاد البلدان إلى تهديد الاستثمار والاستكشاف في مرحلة مقبلة، ليصبح الهاجس الأكبر الندرة.
ما أطلق عليه الخبراء المختصون في النفط “معجزة الجزائر”، في إشارة الى الاجتماع والقرار التاريخيين، الذي تم اتخاذه في اجتماع الجزائر التي كانت وماتزال محط أنظار العالم، كان متوقعا إلى حد كبير، وإن تسربت شكوك إلى المتواجدين من خبراء وإعلاميين يتابعون كل كبيرة وصغيرة في ملف الخام الأسود، بالمركز الدولي للموتمرات “عبد اللطيف رحال” مع مرور الساعات، وهو أمر طبيعي في مثل هذا النوع من الاجتماعات عموما واجتماعات المنظمة على وجه التحديد، التي لم تتخذ قرارا منذ العام 2008، متوقعين اجتماعا شكليا لن تتمخض عنه قرارات، مقتنعين أنه في حال اتخاذها يكون في اجتماع فيينا المقرر في نوفمبر المقبل، وفي أحسن الأحوال يكون بتثبيت الإنتاج، في حال الوصول الى توافق، وأسقطت بذلك تكهناتهم وأعادت بعث معادلة سوق النفط بمعطيات مغايرة، قالت فيها منظمة “أوبك” كلمتها.
الجزائر التي نجحت في إقناع كل الدول الأعضاء بالانضمام إلى الاجتماع الذي احتضنته، كانت قطعت الخطوة الأولى والأهم في نجاح الاجتماع، الذي يرتقي الى مرتبة “قمة استثنائية” دون مبالغة، قياسا بالنتائج المحققة، لأنها وببساطة جمعت الشمل بجمع كل الأطراف حول طاولة اجتماع تحول إلى تاريخي، في ظرف حساس وصعب جدا، ازداد تأزما بسبب تدهور أسعار النفط.
كيف ولماذا نجحت الجزائر حيث عجز الآخرون؟!!
السبب بسيط جدا، الصالح العام للدول الأعضاء في منظمة “أوبك” كان على المحك، والحل في معادلة بسيطة جدا، الجزائر سارت مرحلة بمرحلة وخطوة بخطوة، إذ أنها لم تعمل على فرض أو إقناع صيغ في ظرف لا يترك خيارا أمام أي دولة، إنما حاولت جمعها حول طرح لا يختلف حوله إثنان، ممثل في ضرورة استقرار السوق النفطية، ومن هذا المنطلق ما يتبع من قرارات، سواء تسقيف أو تخفيض، أو حتى التجميد أي تثبيت الإنتاج، يكون نتيجة حتمية.
إلى ذلك كان الطرح الجزائري أقل ما يقال عنه موضوعي، إذ أنه لا يخدم مصالح الدول المصدرة للغاز فقط. الإشكال المطروح يتعلق بهاجس ندرة النفط، الذي يمس كل الدول المنتجة والمصدرة والمستهلكة، على حد سواء.
الوزير الجزائري للطاقة نورالدين بوطرفة تحدث في لقاء إعلامي، سبق انعقاد الطبعة 15 من منتدى الطاقة الدولي، واجتماع “أوبك” الاستشاري قبل أن يأخذ الطابع الرسمي، عن أن انهيار أسعار البرميل يتسبب في خسارة يومية تصل الى 500 مليون دولار، ولا تقل في أحسن الأحوال عن 300 مليون دولار، وبالضرورة تراجع الأموال المرصودة للاستثمار والاستكشاف. مقابل ذلك، الدول المصدرة لم تقلص إنتاجها، رغم انخفاض الأسعار إلى أدنى المستويات، ما يتسبب في تراجع احتياطي النفط، النتيجة توقف الاستثمار والاستكشاف لغياب الموارد المالية بعد فترة متوسطة، ما يؤدي إلى ارتفاع فاحش في الأسعار والدخول مجددا في أزمة أسعار، تدفع ثمنها هذه المرة - بعد انقلاب أطراف المعادلة - الدول المستهلكة، ويدخل بذلك العالم مجددا في دوامة اقتصادية مفرغة.
ولتفادي دوامة الأسعار، عقد اجتماع منتدى الطاقة الدولي 15 تحت شعار “التحول الطاقوي”، وتم التركيز في التوصيات على الغاز والطاقات المتجددة، وفي غضون تجسيده بعدما تم الاتفاق على مبدإ التحول، فإن اجتماع الجزائر حاول معالجة الإشكال بما يخدم جميع الأطراف، دول منتجة، مصدرة ومستهلكة على حد سواء. ولن يتأتى ذلك إلا من خلال استقرار السوق، ما يحتم على الجميع اتخاذ قرارات متوازنة. وفي الوقت الراهن، قياسا إلى المعطيات طرح احتمالان، إما تجميد، أي تثبيت الإنتاج، أو التسقيف. ورغم أن كثيرين استبعدوا توصل دول “أوبك” إلى اتفاق، نظرا للخلافات بين بعض أعضائها، إلا أنهم تفاجأوا بقرار التسقيف في حدود 32.5 إلى 33 مليون برميل يوميا، ما يترتب عنه تقليص في الإنتاج مادام أن الأخير استقر في حدود 33.4 مليون برميل، يوم الاجتماع.
الجزائر تصنع الحدث بعدم ترك مجال للمفاجأة
بالعودة إلى التحضيرات التي قامت بها الحزائر لتحضير اجتماع “أوبك”، ولتصريحات المسؤول الأول على قطاع الطاقة الوزير نورالدين بوطرفة، نجد أن الجزائر التي فاجأت العالم باجتماع وصف بـ “التاريخي”، لم تترك أساسا مجالا للمفاجأة، كيف ذلك؟؟
الجزائر تحسّبت لكل شيء ولم تترك مجالا للمفاجأة، بدأت بالمحادثات الهامة، مهمة أوكلت لوزير الطاقة الذي أقنع الدول بالمشاركة، لكن أهم نجاح في تقريب وجهات النظر من خلال لعب ورقة استقرار السوق، النتيجة أن جميع الدول شاركت ووضعت خلافاتها جانبا، بعدما التقت كلها حول طرح موحد ممثل في استقرار السوق.
خلال الاجتماع، كانت للوزير الأول عبد المالك سلال لقاءات واستقبالات ماراطونية، بضيوف الجزائر، وتم الحديث في الكواليس عن لقاء إيراني - روسي، وآخر إيراني - سعودي، كلها لتحضير اجتماع دام 6 ساعات فقط، توج باتخاذ قرارات “هامة وتاريخية”، تحسب للجزائر التي تكون ساهمت بقدر كبير، مدعومة في ذلك بإرادة الدول الأطراف في المنظمة، في استعادة الأخيرة لدورها في ضبط السوق النفطية، تفاديا للأسوإ، ما يجعلها في مكانها الطبيعي، الجزائر التي نجحت قبل 8 أعوام، لدى استضافتها اجتماع “أوبك” في العام 2008، في أن تجعل منه اجتماعا تاريخيا بامتياز باعتراف دولي.
وقد أكد الخبير في شؤون النفط، الرئيس المدير العام لـ “سوناطراك”، عبد المجيد عطار، وهو يصف اجتماع الجزائر بـ “المعجزة” وينوه إلى أنها ثمرة عمل الجزائر من خلال جهود رئيس الجمهورية والوزير الأول ووزير القطاع، لتحسب للجزائر في وقت توقع فيه الجميع اجتماعا استشاريا شكليا محضا.

 

 

 

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19813

العدد 19813

الخميس 03 جويلية 2025
العدد 19812

العدد 19812

الأربعاء 02 جويلية 2025
العدد 19811

العدد 19811

الثلاثاء 01 جويلية 2025
العدد 19810

العدد 19810

الإثنين 30 جوان 2025