الجزائر والسعودية يتطلعان إلى شراكة استراتيجية
أكد الوزير الأول، عبد المالك سلال، أن التجربة الجزائرية في مجال محاربة الإرهاب “مثالية و مرجعية” وهذا بشهادة مؤسسات الأمم المتحدة ومراكز البحوث والدراسات المختصة في هذا المجال.
قال سلال في حوار لجريدة الشرق الأوسط في عددها الصادر أمس الجمعة، أن “المواجهة الميدانية والفكرية والشعبية والسياسية للإرهاب في الجزائر مثالية ومرجعية بشهادة مؤسسات الأمم المتحدة ومراكز البحوث والدراسات المختصة في هذا المجال”.
وأضاف أن “حكومات وأجهزة العديد من الدول أصبحت تطلب نصيحة الجزائر وخبرتها في مجال مكافحة الإرهاب”.
وفي ذات السياق، ذكر سلال بأن المصالحة الوطنية التي “رافع من أجلها رئيس الجمهورية وأقنع بها غالبية الشعب الجزائري, مكنت في ظرف قياسي من مداواة جروح عميقة ومؤلمة لعشرية من الدم والدموع ورسخت في وعينا الجماعي أسس العيش المشترك وقبول الآخر ورفض العنف لفظيا كان أم جسديا”.
وأكد سلال أن “خير دليل على ذلك أن أعداد الملتحقين الجزائريين بالمجموعات المسلحة في مختلف بؤر التوتر هي الأقل بين الدول الاسلامية وحتى الأوروبية”، مشددا على أن الإرهاب “ظاهرة عالمية خطيرة علينا محاربتها و ليس الكلام عنها”.
تحافظ على مؤشرات اقتصادية “مستقرة” رغم الأزمة النفطية
أكد الوزير الأول، عبد المالك سلال، بأن الجزائرلازالت تحافظ على مؤشرات اقتصادية “مستقرة” بالرغم من أزمة تراجع اسعار النفط في السوق الدولية.
وقال سلال إنه بالرغم من “عنف الصدمة البترولية التي قلصت مواردها بأكثر من النصف، فإن الجزائر لا تزال تحافظ على مؤشرات اقتصادية مستقرة وتحقق نموا سنويا في حدود 4 بالمائة بفضل ما يفوق 25.000 مشروع اقتصادي جديد تم إطلاقها في السنوات الثلاث الأخيرة”.
كما أن الجزائر — يضيف سلال— “تواصل تنامي قروض الاقتصاد (زيادة سنوية متوسطة تقدر بعشرة بالمائة)، مما سمح بتقليص نسب البطالة إلى 9,9 بالمائة خاصة في أوساط الشباب”.
وأضاف الوزير الاول أنه تم في اطار النموذج الاقتصادي الجديد الذي أطلقته الحكومة “اعتماد إطار موازنة جديد للحفاظ على التوازنات الكبرى للاقتصاد والانطلاق في إصلاحات من شأنها تقريب أساليبنا في الإدارة الاقتصادية من المعايير الدولية فيما يتعلق بالنجاعة والترشيد”.
وأوضح بأن “النتائج الأولى لتلك الإجراءات مشجعة وأن الكثير من العمل لا يزال ينتظرنا”، مبرزا أن الإنتاج الوطني “يقترب من الاكتفاء الذاتي ويتوجه نحو التصدير في مجالات مثل الإسمنت ومواد البناء وصناعات الصيدلة، كما أن حجم الصادرات من المحاصيل الزراعية فاق 800 مليون دولار سنويا”.
وفي قطاع الأشغال — يؤكد سلال— تم إنجاز 2,8 مليون وحدة سكنية اجتماعية لفائدة الطبقات المحرومة بين 1999 و 2015 وسيوزع على المواطنين قبل نهاية السنة الحالية 350.000 مسكن، في الوقت الذي توجد 1,2 مليون وحدة سكنية إجتماعية جديدة قيد الإنجاز.
وفي مجال الشراكات الاقتصادية والصناعية، أكد سلال أن “نجاحات معبرة تحققت في مجالات مثل صناعة السيارات والحديد والصلب وتكنولوجيات الاعلام والاتصال والصناعات التحويلية الغذائية والكيميائية وميدان الطاقة التقليدية والمتجددة”.
تدعم المسار التفاوضي بين المغرب وجبهة البوليساريو
جددت الجزائر، على لسان وزيرها الأول عبد المالك سلال، دعمها للمسار السياسي التفاوضي بين المغرب وجبهة البوليساريو من أجل إيجاد حل نهائي وعادل لهذا النزاع يكفل للشعب الصحراوي حقه في تقرير المصير.
وقال سلال إن “قضية الصحراء الغربية ملف بين يدي منظمة الأمم المتحدة وهي الآن محل مسار سياسي تفاوضي بين المملكة المغربية والجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية على أساس مبدأ حق تقرير المصير”.
وأوضح أن الجزائر “تدعم هذا المسار وتلتزم به وتتمنى نهاية سريعة للمفاوضات وحلا نهائيا وعادلا لهذا النزاع”.
وبخصوص غلق الحدود المشتركة مع المغرب وإمكانية بناء علاقات طبيعية مع هذا البلد “بعيدا عن نزاع الصحراء الغربية”، رد سلال بأن “المغرب بلد جار وشقيق وبيننا نقاط خلاف عالقة تتباين بشأنها وجهات النظر”.
وذكر في هذا الصدد أن غلق الحدود البرية “جاء ردا على القرار الأحادي لسلطات المملكة المغربية بفرض تأشيرات دخول على الرعايا الجزائريين”، مبرزا أن العلاقات الدولية “محكومة بمبدأي اللباقة وحسن الجوار”.
وأكد في هذا السياق أن الجزائر “تفضل مقاربة شاملة تطرح فيها القضايا في حوار مباشر”، خاصة وأن الأمر يتعلق — مثلما قال— بـ«مواضيع محددة يبقى استعداد بلادنا كاملا لتسويتها بطريقة جدية وسلمية كي يتمكن البلدان من التفرغ إلى المهمة الأسمى، ألا وهي بناء اتحاد المغرب العربي كما تتطلع إليه شعوبنا.
تطلع لتعاون ثنائي يرقى إلى شراكة استراتيجية
أكد الوزير الأول، عبد المالك سلال، أن الجزائروالمملكة العربية السعودية تتطلعان إلى الارتقاء بتعاونهما الثنائي إلى مستوى “الشراكة الاستراتيجية”.
وقال سلال: “نتطلع للارتقاء بالتعاون الجزائري-السعودي إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية,بالنظر للإمكانيات وفرص التكامل الهائلة المتوفرة في البلدين وقبلها الإرادة السياسية القوية لدى رئيس الجمهورية، السيد عبد العزيز بوتفليقة وأخيه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود”.
وترمي هذه الارادة — يضيف الوزير الأول— إلى “تطوير وتنويع علاقاتنا الثنائية بما يحقق تطلعات الشعبين الشقيقين”.
وفي هذا الإطار، أشار الوزير الأول إلى أن “مجالات التعاون والشراكة بين البلدين كثيرة، من بينها المحروقات، البيتروكيمياء، الفلاحة، الصناعة، اقتصاد المعرفة والسياحة”.
وأوضح أن كل هذه القطاعات “تدعم الحكومة الجزائرية الاستثمار فيها بتسهيلات متعددة هي الأفضل في حوض البحر الأبيض المتوسط”، مبرزا أن البلدين “يرغبان في دراسة سبل رفع حجم المبادلات التجارية وتحقيق التفاعل المباشر بين رجال الأعمال في البلدين عبر آليات دائمة مع التركيز على تطوير التبادل الثقافي وتعزيز التنسيق في ملف العمرة والحج”.
وفي ذات السياق، أكد سلال أن العلاقات السياسية بين الدولتين “ممتازة في اطار تشاور وتنسيق مستمر حول القضايا ذات الاهتمام المشترك في الفضاءات العربية والاسلامية والدولية”.
وبخصو دور الجزائر في انجاح الاتفاق النفطي الأخير، أكد سلال بأن اتفاق الجزائر “أرسل إلى الأسواق العالمية إشارات جد إيجابية يجب تدعيمها وتعزيزها”، مذكرا بدور “المسهل و الوسيط” الذي لعبته الجزائر في هذا المجال.
وأشار سلال إلى أن الجزائر “تناضل من أجل سعر عادل ومعقول يسمح بإعادة الاستثمار في سلسلة الطاقة وتثمين الانتاج وتأمين تموين المستهلكين كما أنها كانت دائمة الحرص على إرساء روح حقيقية للحوار والتشاور بين مختلف الفاعلين العالميين في هذا المجال”.
وفي رده على سؤال حول الوضع الأمني في المنطقة، خاصة مع وجود الجزائر على خطوط التماس مع بلدان تعيش حروبا واضطرابات وبخاصة ليبيا ومالي، قال الوزير الأول: “كنا نلوم السياسيين والإعلام في الغرب على إصرارهم إلصاق أوصاف الإسلام والدولة على مجموعات إرهابية، وها نحن نجد الإعلام العربي يقع في نفس المغالطة”.
وشدد في هذا الإطار بأنه “لا يجب أن ننسى أن الأمر يتعلق بمجرمين تأكد اليوم تحالفهم مع شبكات التهريب والمخدرات والاتجار بالبشر وأن أهدافهم دنيوية رذيلة تريد إخضاع الناس بالتخويف والعنف لنهب ثرواتهم وتعطيل الأمة عن السعي إلى تحقيق أملها في الوحدة و الرقي”.
وتابع في هذا الإطار أن “بواسل الجيش الوطني الشعبي وباقي أبنائنا في الأسلاك الأمنية الأخرى على جاهزية كاملة لتأمين الأشخاص والممتلكات في كل الأقاليم الوطنية البرية والبحرية والجوية”.
وفي ذات الشأن، أوضح الوزير الأول بأن الأوضاع التي تمر بها بعض دول المنطقة “لا تجعلنا أبدا نعتبر حدودنا المشتركة معها مصدر قلق أو خطر، بل بالعكس فنحن نعتز ونتشرف بكل جيراننا ونحن واثقون أن الأشقاء في ليبيا ومالي سيعبرون هذه المرحلة الصعبة من خلال مسارات حوار وطنية تحفظ الوحدة الشعبية والترابية واستقلال القرار الوطني”.
التعديل الدستوري عزّز الحريات وأكد على مبدأ المساواة
وبشأن التعديل الدستوري الذي جرى في فبراير الماضي، أكد سلال أن الدستور “عزز الدستور الحريات الفردية والجماعية ومنع توقيع عقوبات سالبة للحرية في قضايا النشر، كما أكد على مبدأ المساواة أمام القانون ووجوب احترام الحياة الخاصة والشرف والأعراض”.
وبخصوص اللجنة الوطنية المستقلة لمراقبة الانتخابات التي استحدثها الدستور، أوضح سلال أنها “كانت مطلب كل الطبقة السياسية الوطنية دون استثناء”.
وفي رده على سؤال بشأن “ما يشكله التشيع من خطر على المرجعية الدينية للجزائر”، قال الوزير الأول: “نحترم كل المذاهب الإسلامية المعتبرة ولا نصدر أحكاما على فهوم الغير لبعض النصوص الشرعية أو قراءاتهم لفترات معينة من التاريخ الإسلامي، ونقدر أن هذا مجال المختصين والراسخين في العلم”.
وأوضح في هذا الإطار أنه “لا فائدة من إقحام عامة الناس في سجالات لا يملكون الأدوات المعرفية لتناولها وقد تؤدي، إذا ما استعمل خطاب تحريضي فيها، إلى تهديد حقيقي للسلم الأهلي ولرصانة الفعل الديني الذي يفترض فيه الورع والخشوع”.
«وعليه — يضيف سلال— “نحن لا نود الخوض في صراعات لا تحمد عقباها أو تشجيعها، بل نسهر في الجزائر جاهدين على الحفاظ على صورة الإسلام المشرقة وإرساء تعاليمه السمحاء دون تحريف أو تزييف”.
.. يقوم بزيارة إلى السعودية يومي 15 و16 نوفمبر
يقوم الوزير الأول عبد المالك سلال، بزيارة رسمية إلى المملكة العربية السعودية يومي 15 و16 نوفمبر الجاري.
تندرج هذه الزيارة في إطار تعزيز العلاقات الثنائية والتشاور حول مختلف القضايا ذات الاهتمام المشترك، لاسيما العربية منها.
للتذكير، كان وزير الدولة المستشار الخاص لرئيس الجمهورية الطيب بلعيز، قد قام بزيارة إلى الرياض، في شهر أفريل الماضي، سلّم خلالها رسالة من رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة إلى خادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان بن عبد العزيز.