دعا المجاهد ووزير الاقتصاد الأسبق مراد بن أشنهو، النخبة الجزائرية من إطارات ومثقفين، إلى لعب الأدوار المنوطة بهم، كل في مكانه ومجاله وعدم الاستسلام للظروف والعوائق المثبطة لعزيمتهم والمساهمة في صنع جزائر اليوم والتحرر من روح الإتكالية على الدولة، بل على العكس التحلي بالمبادرة والمثابرة والسعي لترك بصمتهم في الحياة.
قال بن أشنهو خلال ندوة نقاش بمنتدى “الشعب”، حول “دور النخبة المثقفة في الثورة التحريرية”، نظمت بالتنسيق مع جامعة الجزائر-3 بكلية الإعلام والاتصال، إن لكل جيل مشاكله باختلاف حالاتها ومجالاتها، لكن تبقى الحلول ممكنة، رغم تعقيدها وتركيبها، خاصة وأن النقطة الإيجابية التي يمكن الانطلاق منها هي من المستوى الثقافي المحصّل، مشيرا إلى أن الأجيال الصاعدة محظوظة، مقارنة بنظيرتها إبان الثورة، فهي اليوم متعلمة ومثقفة وحاصلة على أعلى الشهادات، عكس ما كان في السابق، ومن ثم لابد من التحلي بالإرادة والتصميم والمبادرة، مهما كانت العراقيل.
في هذا الإطار، قال الوزير الأسبق إن النخبة المثقفة إبان الثورة التحريرية هي مثال آخر للتحدي والتي وجدت نفسها في مواجهة السلطة الاستعمارية وسياستها التجهيلية التي اتبعتها ضد الجزائريين ككل وضد مثقفيها أو أعلامها، من خلال ممارسة أقصى العقوبات عليهم، بداية بالتضييق على نشاطاتهم وتهجيرهم ونفيهم وفرض الإقامة الجبرية والسجن وحتى القتل واستحداث آليات للتهميش والتقليل من دورها بكل الوسائل المتاحة لطمس الهوية والثقافة الوطنية، ورغم ذلك لم تستسلم.
وأشار إلى أن النخبة المثقفة إبان الثورة، كانت تعترضها عدة عراقيل، أهمها قلة عددهم، فهم لم يتجاوزون 2000 طالب في الثانويات وكانوا أقل بكثير في الجامعات، ومن ثم كان من السهل استهدافهم وتحديدهم من طرف فرنسا، بل محاولة تقويض جهودهم ودورهم في دعم الثورة، إلا أن كل تلك الممارسات الاستعمارية لم تمنعهم من الانخراط في الثورة والتنظير لها، فكانوا إضافة حقيقية لها وساهموا في وضعها على السكة الصحيحة إلى غاية تحقيق الاستقلال.
على ضوء ذلك، قال بن أشنهو إن النخبة المثقفة هي الفئة الأقدر على إدراك حاجات المجتمع وطموحاته وتحويلها إلى إرادة، والعمل على وصل هذه الإرادة بالفعل لبلوغ الأهداف من خلال رؤية متكاملة تأخذ بعين الاعتبار الحاجات الراهنة وتعبر عن طموحات وآمال الناس وتطلعاتهم نحو الأفضل، والبداية تكون بإدراك مستلزمات كل مرحلة من مراحل التحول الاجتماعي، في أبعادها السياسية والاقتصادية والثقافية، قصد بلورة رؤية واضحة للمستقبل، لأن كل جيل له مستلزماته ليس فقط برؤية الماضي، بل بفهم الدروس وتكوين فكر استشرافي قادر على مواكبة التطورات المجتمعية، لا التخندق في صراع الأجيال الذي لن يأتي بفائدة ترتجى، تحول دون توظيف الذكاء في استنباط المضامين الجديدة وتنمية الثروة الوطنية.
وأشار بن أشنهو، أن النخبة اليوم تتحكم فيها عدة عوامل وتؤثر في توجهاتها في عالم اليوم أكثر تعقيداً من أي وقت مضى، فهي متنوعة وتقترن مع عدة مجالات، كالعسكرية والسياسية والمالية والنقابية والثقافية والاجتماعية والأكاديمية، ومن ثم فهي تشكل زخما ثقافيا وفكريا لابد من الاستفادة منه، كل في مكانه، والنظر إليها على أنها قوة بناء يستفاد منها في كل مرحلة حسب الحاجة المطلوبة وعلى أسس صحيحة ومتينة.