توقف الأستاذ محمد فادن الخبير في القانون الدستوري مطولا عند المراجعة الدستورية 2016 التي مرت سنة على المصادقة عليها، بعد أن نالت حقها من النقاش والجدل، مؤكدا على جدوى ما تضمنته من أحكام ونصوص تخدم جزائر المؤسسات الباحثة بشق الأنفس عن الاستقرار السياسي المؤمن للممارسة الديمقراطية والحكامة.
ذكر فادن في قراءته للمراجعة الدستورية أنها تعزز منظومة الحقوق والحريات وتدعم دولة المؤسسات وتمنح صلاحيات موسعة لمعارضة تنتظرها مهمات أكبر في العهدة التشريعية الثامنة. وهي ممارسة تعطي للحياة السياسية تناغما وتألقا وتبعدها عن الجدل العقيم في محيط دولي سريع الحركة تتجاذبه التجارب وتفرض الناجحة فيه نفسها.كما ذكر فادن بدسترة “ حق الصحافة” لأول مرة وحق الوصول إلى مصدر المعلومة التي تمنح للخبر مصداقية وتزود المواطن بأشياء موثقة بعيدا عن الافتراء والمضاربة الكلامية.
قال فادن من منبر” ضيف الشعب”، أمس، مقيّما سنة من المراجعة الدستورية مجيبا على التساؤل إلى أي مدى تحمل وثيقة أسمى القوانين الإجابة الكافية الشافية عن تعقيدات الظرف وانشغالات القاعدة المتراكمة المولدة لليأس والإحباط ، إن دستور 2016 جاء بإضافات كثيرة يعول عليها في إعطاء حركية للمشهد السياسي ودور المؤسسات هو الرهان الكبير ويكفي فقط التمعن في مضمون ما قرره المشرع وما وضع تحته خطا أحمر للاقتناع بجدوى التغيير الهادئ بعيدا عن أي إكراه وضغط يفرض تداعيات وانعكاسات غير مجدية.
وحول خصوصية دساتير الجزائر وتمايزها واشتراكها في الطارئ ومراجعتها دوما في ظل الأزمة، قال أستاذ القانون الدستوري إن هذه المسالة لها علاقة بتطورات المجتمع ومطالب الطبقة السياسية والمجتمع المدني .على هذا الأساس جاء كل دستور حاملا لخصوصية ظرف ومتطلبات مرحلة مشبعا ببذرة تعطيه الأمل في التجدد وتعرض حلولا لتعقيدات ومشاكل مركبة متراكمة.
على هذا الدرب صيغت الدساتير الجزائرية بدءا من دساتير 1963 و1976 إلى 2016 مرورا بوثيقتي 1989 و1996.على هذا المنوال جاءت التعديلات والمراجعة، والتباين المسجل في كل وثيقة أفرزتها ميزة المرحلة ، تناقضاتها واختلافات الأهداف والتوجه السياسي لبلد يشق طريقه إلى تشييد دولة المؤسسات، حيث الفصل بين السلطات والتنافس على ترقية الممارسة الديمقراطية الآمنة لحقوق الإنسان والحريات.
إنه مسار يفرض على الطبقة السياسية إعلاء شأن الخطاب السياسي والخروج بالنقاش من قاعدة “أنا الكل في الكل وبعدي الطوفان” و« خالف تعرف” إلى التنافس على تقديم الأفيد والأنجع للمشاكل والقضايا دون البقاء أسر المرثيات والبكائيات والترويج السلبي لكل “ليس على ما يرام”.
وضعت المراجعة الدستورية 2016 المتوّجة للإصلاحات السياسية أسس مرحلة جديدة تحمل خصوصيات ظرف، تسد اختلالات الممارسة السليمة وتداخل الوظائف وتصادمها. وأهم ما ورد في المراجعة تشديد أحكامها على المؤسسات التي تعطي انطلاقة قوية للبناء الوطني منها المجلس الأعلى للشباب، مجلس التعليم العالي والبحث العلمي، المجلس الأعلى للغة الأمازيغية، المجلس الأعلى للغة العربية، المجلس الوطني الاقتصادي الاجتماعي . ورغم ما قيل عن هذه المؤسسات والمجالس الاستشارية التي أسالت لعاب من يبحث عن التموقع فيها والوصول إليها وشغلت بال السياسيين، فإنها تلعب دورا مهما مستقبلا في المرافقة للحياة السياسية والعامة باعتبارها ثمرة مسار نضالي ومطالب قاعدة تبحث من زمان عن تمثيل لها تراه منبرا يعبر عن انشغالها وفضاء تتولد فيه اقترحات حلول للمشاكل دون البقاء على الهامش.
أعطت المراجعة الدستورية 2016 ضمانات أكبر للممارسة السياسية وعززتها بمنظومة قوانين لا تسمح بالاختراق والتطاول في المشهد السياسي التعددي المفتوح. وقوة الوثيقة التي اجتهد المشرع في إعطائها صلابة أنها حافظت على مكاسب دستور 1996 الذي اعتبره أهل الاختصاص أثرى الدساتير الجزائرية وأكثرها قيمة واعتبارا لأنه أسس لازدواجية على مستوى القضاء ممثلا في المحكمة العليا ومجلس الدولة وازدواجية الهيئة التشريعية ممثلة في المجلس الشعبي الوطني والأمة دون نسيان الصلاحيات الموسعة الممنوحة للحريات الأساسية وحقوق الانسان. وهي حريات أعطت للمعارضة مكانة تستحقها في العهدة التشريعية الثامنة التي هي على الأبواب.
وقد صرحت بهذا جهرا المادة 144 التي تمنح ضمانات غير مسبوقة للمعارضة التي كثيرا ما اشتكت من تقليص الصلاحيات وتضييقها. وجاء فيها بالحرف الواحد:« تتمتع المعارضة البرلمانية بحقوق تمكنها من المشاركة الفعلية في الأشغال البرلمانية وفي الحياة السياسية، لا سيما منها :
حرية الرأي والتعبير والاجتماع، الاستفادة من الإعانات المالية الممنوحة للمنتخبين في البرلمان، المشاركة الفعلية في الأشغال التشريعية؛المشاركة الفعلية في مراقبة عمل الحكومة، تمثيل مناسب في أجهزة غرفتي البرلمان”.
كما ورد في المادة المذكورة:«تتمتع المعارضة بحقوق تمكنها من إخطار المجلس الدستوري، بخصوص القوانين التي صوت عليها البرلمان؛ المشاركة في الدبلوماسية البرلمانية. تخصص كل غرفة من غرفتي البرلمان، جلسة شهرية لمناقشة جدول أعمال تقدمه مجموعة أو مجموعات برلمانية من المعارضة”. هذه الجلسة هي سمة الديمقراطية التشاركية التي تجعل من المعارضة مراقبا قوية لعمل الهيئة التنفيذية في العهدة التشريعية الثامنة، تناقشها في الشأن العام وتسألها عن قضايا مصيرية تفرض الرؤية الاستشرافية والاحترازية لتعقيدات الظرف لا تسمح بالارتجالية أو المرور مرور الكرام.