إنشاء مرصد لمتابعة تطبيق التوصيات
يحمل إعلان الجزائر المتعلق بالحوار جنوب ـ شمال في ذكراه ١١ ذات أبعاد سياسية واقتصادية لترقية المسائل لطالما كانت دائما محل تجاذبات وحتى خلافات، نظرا لحساسيتها وهذا عندما تصدر عن فضاءات المجتمع المدني باتجاه الحكومات قصد تفعيلها وإدراجها في نشاط السياسات العمومية.
تدعيما لهذا العمل، فقد تم إثراء محاور أساسية خاصة بالإعلام، التربية، الشغل، الإستثمارات، الهجرة، المشاركة والحوار. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل أن الحضور اهتدى إلى مخطط تطبيقي مشترك، يهدف إلى تحويل هذه الأفكار المطروحة إلى آليات تسمح بتنفيذها في الواقع.
ويتضح من خلال كل هذا الزخم من الاقتراحات، أن كل نقطة من ضمن النقاط ٩ الواردة في إعلان الجزائر، أضفي عليها الطابع العملي حتى يمكن ملامستها للميدان... تدشن بمسعى فعال ألا وهو تحسين صورة الجنوب لدى الشمال، والعكس الصحيح.
يعزز ذلك بإنشاء قناة إذاعية وتلفزيونية. هذه الوسائل للسمعي ـ البصري يجب أن تكون حاملة لرسالة حضارية وليست سياسية وذلك من خلال نقل صورة مطابقة عن يوميات هذا الإنسان في الجنوب إلى ذلك في الشمال وهذا كله من أجل التخلص من تلك الصورة النمطية والأحكام المسبقة والخلفيات المضرة وهذا بالتذكير بالقيم والأواصر والروابط بين كل هذه الشعوب في الإتجاه الذي يخدم كل طرف.
ليس ما يبث أو يذاع أو ينشر قدرا محتوما على الجنوب وإنما الاختلال هو أن ما يعرض في الشمال مخالف للحقيقة يحتوي الكثير من المبالغات غير المقبولة. وعليه، فإن التفكير في مقاربات جديدة كفيلة بأن تمحوَ تلك الصور - الكليشيهات غير الموضوعية التي - للأسف - ما تزال عالقة في أذهان الكثير من هؤلاء.
وإن تم التحكم في هذا الجانب، فبالتأكيد أن الحوار سيزداد عمقا بإثارة القضايا التي تنحو هذا المنحى؛ بمعنى السعي من أجل القضاء على كل أشكال التقزز من الآخر.
وهذا الإعلان لا يخلو من ملفات شائكة، بالرغم من كل السنوات التي مر بها.. في عنوان الهجرة، فإن السياق تغير تغيرا جذريا بحكم الموجات الهائلة التي تتجه إلى أوروبا.. وقد دعا الإعلان إلى التكفل بالعمال وعائلاتهم، وتعديل الإتفاقيات الدولية وبخاصة الأممية المتعلقة بحقوق المهاجرين، واحترام تنقل الأشخاص وبالأخص الطلبة، الفنانين، المقاولين وحاملي الحوار وتزويد المعنيين بالهجرة بكل المعلومات الضرورية، بإنشاء مركز أورو ـ متوسطي للدراسات حول الهجرة ورفض ما يعرف بالهجرة الإنتقائية وتوسيع آليات لتبادل وإدماج المهاجرين.
وعليه، فإن إعلان الجزائر قرر إنشاء مرصد دائم لمتابعة ما مدى تطبيق التوصيات المتوجة لهذا اللقاء، وتأسيس منتدى للمجتمع المدني بالمتوسط.. هذه الأدوات ذكرت بقوة في هذا الإعلان وهذا حرصا على إعطاء المضمون الحقيقي لما تم الإتفاق عليه وحتى لا تبقى الأمور حبرا على ورق.
وهناك تسعة محاور بأكملها تم الإشارة إليها في إعلان الجزائر، تتعلق كلها بالإنشغالات اليومية للمواطن، سواء في الجنوب أو في الشمال، وتطبيقها في الميدان هو حقا مساهمة فعالة للمجتمع المدني، في دق ناقوس الخطر وإخطار كذلك الحكومات بتغيير سياستها تجاه الجنوب، عدم اللجوء إلى الحلول البوليسية والطرق الأمنية في التعامل مع الآخر.
إنها مسائل شائكة تتطلب الكثير من التعقل، خاصة في محور الهجرة الذي يعد أمرا واقعا، بدليل أن تلك البلدان بصدد البحث عن كل الأساليب الزجرية كإقامة الأسلاك المكهربة وغلق الحدود بالجدران العازلة، التشديد على المهاجرين من الدخول... هذا هو النقاش اليوم، لأن الدول الغربية لم تعد تعتبر أراضيها فضاء لاستقبال المهاجرين، بل أن هناك شروطا قاسية للإقامة عندها، في مقابل ذلك ترفض البلدان في الجنوب تأدية دور الدركي لمنع هذه السيول من المهاجرين... هذا هو النقاش اليوم.