حلقـة قويـة في مسـيرة التحرر الوطني
النضال البطولي لطلائع الطلبة الجزائريين لم يكن سهلا أبدا بل تطلب آنذاك صفة لا بديل عنها ألا وهي نكران الذات، والإستعداد للتضحية في كل لحظة هذا ما نستشفه من الحماس الوطني الفياض لدى كل من المجاهد صالح بن القبي، والمجاهدة زوليخة بقدور خلال استضافتهما في فوروم «الشعب» أمس.
النقاش كان ثريا ومفيدا في جوانبه التاريخية خاصة في مقاومته الإحتلال ومطاردة فلوله وأذنابه الذين حاولوا التأثير في هذه النخب إعتمادا على الممارسات النفسية التي أراد صانعوها ومحترفوها إسقاطها أو بالأحرى فرضها على الجزائريين، لكن عزيمة وإرادة هذا الشعب الثوري والأبي أحبطت كل تلك الأعمال الإجرامية، المنافية لحد أدنى من السلوكات السوية للإنسان.
وبالرغم من كل هذا الحصار المضروب على تحركات الطلبة الجزائريين، وإستدعائهم من طرف الضباط الفرنسيين لمنعهم من تأسيس الإتحاد، إلا أن المضي قدما في هذا الإتجاه الوطني الرامي إلى لم شمل هذه الفئة، والسير على خطى الثورة، كان أقوى وبدأت البوادر في السنة الأولى من الثورة، بوضع اللبنات القاعدية لبناء تنظيم سليم ودائم يكون في مستوى هذه الثورة العظيمة وهذا من خلال تقديم ذلك الدعم المعنوي، للقيادة في إنطلاقتها.
وإستنادا إلى المجاهد بن القبي فإن ما قدمه للثورة لا يقاس بأي شيء آخر وهذا في إتصالهم الدائم بمسؤولي الثورة وتكليفهم بمهام نضالية خدمة للثورة، وأهدافها السامية والنبيلة ونعني بذلك تحقيق الإقتصاد الوطني.. وهذا ما حدث في يوم من أيام ١٩ مارس ١٩٦٢.
إلتحاق الطلبة الجزائريين بالثورة، حلقة قوية في مسيرة تحرير الوطن أسقط كل تلك الأطروحات الإستعمارية، التي كانت تحاول تصنيف هؤلاء في خانة معينة، والتأثير في معنوياتهم والضغط عليهم إثر إعتقال زملاء لهم، وتعذيبهم حتى الموت من هنا إنكشف الوجه الحقيقي لأعمال هؤلاء ضد النخب الوطنية.
وهكذا تقرر والثورة في أوجها، ترك مقاعد الجامعة، لأن الوضع أصبح لا يحتمل نظرا لتحول الشباب المتعلم إلى أشخاص مبحوث عنهم ومطلوبين لدى الشرطة ولم يكن أمامهم سوى خيار الصعود إلى الجبال إلى جانب إخوانهم الأطهار من المجاهدين.
وكان لابد من التخلص وتجاوز مرحلة التردد وكذلك الخروج من النمط، الإنتماء السياسي لتيار معين على حساب آخر، الذي أضر كثيرا بالتحرك في إتجاه الموقف الوطني الجارف الذي فرضته الثورة.
ورحب قادة الثورة من أعلى مسؤول رتبة إلى أبسط مجاهد بأبناء شعبهم، وإحتضنوهم بكل حفاوة بعد أن وجهوا ضربة موجعة إلى الدوائر الإستعمارية المتربصة بهم والتي كانت تراهن على بقائهم في مدرجات الجامعة في حين أن الجزائريين يسقطون يوميا في ساحة الشرف لتحرير الوطن، وطرد المحتل، بإيمان وتفان لا يقدر بثمن لم يذهب سدا.
تفاعل الطلبة مع الثورة إتضح من خلال تلك الوثيقة التاريخية الصادرة عن الإتحاد العام للطلبة المسلمين الجزائيين، الذين إعتبروا بأن الثورة أكبر من الشهادة وهذه رسالة واضحة المعالم، لا غبار عليها، وأن الوطن المحتل يسترد بفضل التضحيات الجسام وحان الوقت ودقت ساعة الحسم على كل واحد أن يتحمل مسؤوليته التاريخية بتفادي البقاء على الهامش أو التفرج على ما يجري هي القطيعة النهائية مع سياسة المهادنة تجاه إستعمار غاشم، وحشي وهمجي.. هو بصدد إبادة شعب بأكمله.
وبإنضمام الطلبة إلى الثورة إزدادت هذه الأخيرة، عنفوانا بإلحاق خسائر فادحة بالإستعمار وتكليفهم بمهام في مستواهم لتقديم تلك الإضافة القيمة والمعترف بها فمنهم من ما زال على قيد الحياة أطال الله في عمره ومنهم من استشهد رحمه الله.
وهؤلاء الذين ثاروا ضد الإستعمار إنما لبوا نداء الوطن وهو يئن مما يرتكب من جرائم ضد الإنسانية من تدمير وسحق كامل للقرى والمداشر، وإقامة المحتشدات ووضع الخطوط الكهربائية موريس وشال، التعذيب الممنهج، الإعدامات، الإغتيالات، القصف، هذه الصور كانت راسخة في أذهان الجميع لا يمكن نسيانها أو التخلي عنها.
حركت ضمير كل الغيورين الأحرار الذين أقسموا وتعاهدوا على مقارعة ومواجهة هذا الإحتلال بكل ما يملكون من إرادة وثبات.
والتاريخ يعيد نفسه اليوم، باستحضار كفاح هذه الفئة النيرة، على أكثر من صعيد، في الوحدات والكتائب القتالية، أو في مناصب أخرى كالإتصالات والصحافة التسليح والدبلوماسية، كل هذه القطاعات الهامة كانت القلب النابض، والضربة القاتلة للثورة.