نقـاش حول الـتراث البجـاوي وسبـــل الحفاظ عليه

مختصـون يطالبـون بحمايــة المبــاني القديمــة مـــن الاندثـــار

بجاية: بن النوي توهامي

 

اختتمت، أمس الأول، فعاليات المؤتمر الذي نظمته مديرية الثقافة لولاية بجاية، على مستوى المكتبة الرئيسية للمطالعة العمومية، تحت عنوان «التراث والسياحة البيئية والثقافية»، وقد أشرف على تنشيطه المهندسان المعماريان، «فرج» مسؤول مكتب الدراسات المكلف بترميم قلعة أيث عباس و «علي باشا» مدير المشروع.
في البداية أشار فرج إلى أهمية السياحة الثقافية وآثارها الإقتصادية، حيث تساءل كيف يمكن للجماعات الإقليمية المساهمة في المحافظة على التراث و تطويره؟، وواصل حديثه قائلا: « يتعلق الأمر باستجماع وحصر مجمل المزايا التي يوفرها الموقع المعني».
حيث يرى أن المستثمرين والجماعات والمواطنين هم أطراف فاعلة ينبغي أخذها بعين الإعتبار، و لدعم تصريحاته، أعطى بعض الأمثلة عن بعض التجارب الناجحة على المستوى الدولي، قبل أن يضيف في الجزائر يمكن القول إنه لم تكن هناك أية تجارب، إذا ما استثنينا منطقة ميزاب التي نجحت سابقا في جذب الناس إليها عن طريق استغلال مواردها الثقافية بأوسع ما للكلمة من معنى، أما فيما يخص نطاق المشروع الذي يتكفل به مكتب الدراسات الخاص به، فقد أشار إلى أن القلعة تندرج ضمن القطاع السياحي المحمي منذ أمد طويل، والذي يحظى بإمكانيات طبيعية وحضارية هامة.
وأضاف أن تاريخ القلعة ترويه النصوص القديمة، حيث كان للقرية سحر لا يضاهى بالمنطقة، فهي تتوفر على إمكانيات طبيعية وبشرية هائلة، كما أن لها فتحات على وادي الصومام بحكم موقعها الجغرافي زادتها ميزة وبروزا، من جهة أخرى، نجد هندستها المعمارية ومبانيها التي ينبغي حفظها وترميمها، وفنّها التقليدي الذي يمكن إنماؤه بفضل المأوى وديار الضيافة.
هذا فضلا عن كون صناعة المجوهرات والأواني النحاسية وقماش النجود، وكذا المنتجات الفلاحية الخاصة بالمنطقة تستهوي السياح، في حين يعتبر مسجد إبن سحنون الذي يعود إلى سنة 1510 كنزا أثريا، دون أن ننسى دار المقراني المدعو «المدرسة».
كل هذه المقومات متواجدة في حالة تستدعي تدخلا سريعا لضمان عدم ضياعها، ولجمع الأموال الضرورية ينبغي العثور على مستثمرين مستعدين للاستثمار في إطار شراكة عمومية خاصة، كما ينبغي تسخير مختلف قطاعات النشاطات الأخرى، على سبيل قطاع الشباب والثقافة، التربية، السياحة والصناعة التقليدية، والعمران وغيرها من القطاعات.
وقد بلغنا أن المهندسين العاملين على هذا المشروع، يبحثون حاليا عن كل من يكون بحوزته محفوظات خاصة بالموقع، وذلك قصد إعطاء هذا الأخير هيئة مطابقة لهيئته السابقة، مع الإشارة إلى أن عدد السكان الذين كانوا يعيشون بالقلعة قد بلغوا 3 آلاف شخص سنة 1865، في حين قدر عددهم بـ 80 ألف شخص، علما أن بجاية لم تكن تعد سوى 2000 مواطن سنة 1830، كما أن التنظيم الإجتماعي آنذاك كان مختلفا كل الإختلاف عن الوقت الراهن.
في نفس السياق، دعا المحاضرون إلى تسجيل المشروع في إطار مشروع أكثر شمولية، ألا وهو مشروع التنمية الريفية، وذلك من أجل ضمان نجاحه، ولبلوغ هذه الغاية، ينبغي إشراك السكان المحليين، والتصرف بالتعاون مع الجمعيات العديدة بالمنطقة، إذ أن مخطط الصيانة الحالي ليس سوى مجرد إجراءات احتياطية من شأنها أن تحول دون تدهور الموقع.
إلى جانب هذا، قام معظم المتدخلين أثناء النقاشات التي تخللت المؤتمر، من مهندسين ومسؤولي جمعيات وعشاق التراث، بالإشارة إلى الخسائر التي يتسبب فيها تطبيق بعض أحكام الصندوق الوطني لدعم السكن، إذ تأسفوا لكون منح المساعدات الخاصة بالبناء في الوسط الريفي غير مرفقة بتوصيات محددة.
ولعل هذا ما دفع بعض المواطنين المشرفين على أشغال البناء الخاصة بهم بأنفسهم، إلى البناء من دون أخذ طبيعة الموقع بعين الإعتبار، غير عارفين أنهم بتدمير المباني القديمة يدمرون التراث، حيث لا يشترط الحصول على رخصة للهدم، بالرغم من أن ذلك كان سيسمح بالتحقق من القيمة التراثية للمباني قبل الشروع في هدمها، ولعل كل ما سبقت الإشارة إليه دليل على وجود ثغرة قانونية معتبرة ينبغي العمل على سدها في أقرب الآجال.
وفي نهاية المؤتمر، أوصى المهندسون المعماريون بالتفكير في مرحلة ما بعد الترميم، من أجل تحديد ما ستؤول إليه المواقع التي تم ترميمها، حيث أن هناك سؤال يطرح نفسه، فيما ستستعمل المواقع المرمّمة وفي أي إطار؟ .
ومن الضروري التخطيط  مقدما وتحديد الوسائل والأدوات التي تسمح باستغلالها بشكل مربح، مع ضمان حفظها وصيانتها، إذ يجدر بطريقة استغلالها أن تكون مربحة كفاية لخلق مناصب شغل، وسدّ حاجيات عائلات وتوليد أموال تكفي لصيانتها وحمايتها من الإنهيار.
وإلى جانب هذا، اقترح الحضور دمج مجمل هذه المشاريع في إطار سياسة ثقافية شاملة، تتجاوز الإطار المحلي دون إقصائه، و الواقع أن الموضوع أوسع من أن تنفرد هيئة واحدة بدارسته ومناقشته، وعليه ينبغي تنظيم نقاشات تتناول هذه القضية مع إشراك مجمل الفاعلين فيها، ذلك قصد التمكن من تحديد المبادئ التوجيهية الرئيسية لمشروع شامل، يهدف إلى المحافظة على التراث الوطني ويبيّن ظروف استغلاله.


 

 

 

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19816

العدد 19816

الإثنين 07 جويلية 2025
العدد 19815

العدد 19815

الأحد 06 جويلية 2025
العدد 19814

العدد 19814

السبت 05 جويلية 2025
العدد 19813

العدد 19813

الخميس 03 جويلية 2025