خط إفتتاحي ثابت منذ التأسيس

العمل باحترافية في ترقية الخدمة العمومية

جمال أوكيلي

مرافقة العناوين الكبرى للدولة الجزائرية

ما تزال جريدة «الشعب» وفية لخطها السياسي الإفتتاحي المبني على قناعة الدفاع عن المصالح العليا للدولة الجزائرية، ونقل انشغالات الرأي العام إلى السلطات العمومية، في شتى المجالات اليومية، وبهذا تكون الوسيط بين موقعين، بعيدا عن أي إيثارة أو الجري وراء السبق تفاديا الوقوع في ما يعرف بالإشاعة أو نشر أخبار مغلوطة.
هذا التوجه المهني الثابت لم يأت من العدم بقدر ما هو نابع من الامتدادات الحاملة للمبادئ النابعة من الأدبيات الثورية الراسخة في ذهنيات الجزائيريين الذين وقفوا آنذاك على مدى أهمية الإعلام في خدمة القضية الوطنية وسارعوا إلى إصدار نشريات منها «المقاومة» التي تحوّلت فيما بعد إلى «المجاهد».

وضمنيا فإن الإطار العام لأداء هذه الرسالة ما بعد الإستقلال كان واضحا وليس هناك ما يشوش عليه قصد الشروع في العمل وفق هذا المنطق السائد.
وعليه فإن حتمية الظرف تطلبت أن تكون هناك أداة إعلامية مكتوبة حاضرة لمرافقة السياسات الوطنية ما بعد الإستقلال إستنادا إلى المواثيق الأساسية للثورة والتي لا يمكن الخروج عنها لأن السباق استدعى ذلك .
وهذا خيار سياسي للقيادات الثورية آنذاك التي كان شغلها الشاغل هو إعادة إعمار البلد، وتشييده وكذلك التكفل بالآثار المترتبة عن حرب ضروس دامت ٧ سنوات كاملة، توجت بانتصار الشعب الجزائري، وخلفت الآلاف من الضحايا والجرحى، والمعطوبين والأيتام، والأرامل، ناهيك عن إلحاق الضرر البالغ بالبنية التحتية للجزائريين، كإحراق المحاصيل الفلاحية وتدمير المداشر ونشر الجهل والفقر.
كل هذا أصبح من أولويات القيادات الثورية بعد الإستقلال في اعتماد سياسات إقتصادية واجتماعية وحتى ثقافية لمحو آثار ما خلفه الإستعمار في الجزائر.
هذا المسار الوطني الجديد المختار هدفه استحداث الوثبة الشاملة من قبل كل الجزائريين الأحرار الذين ذاقوا مرارة الإستعمار وهبّوا جميعا كرجل واحد من أجل تضميد الجراح الناجمة عن الهمجية الكولونيالية، من خلال توفير آليات اتصال ذات المفعول اللائق في نقل رسالة السلطات آنذاك علما أن الجزائر كانت بحوزتها كفاءات عالية في الإعلام اكتسبوها جرّاء ممارستهم خلال الثورة.

بداية المشوار
وبعد حوالي ٨ أشهر من إعلان وقف إطلاق النار، ١٩ مارس ١٩٦٢، أعلن ميلاد جريدة «الشعب» في ١١ ديسمبر ١٩٦٢، من طرف مسؤولين جزائريين لتدخل المشهد الإعلامي إلى جانب الركائز الأخرى التي ولدت من رحم الثورة ك»المجاهد» الناطق باسم لسان المقاومين الجزائريين لكن هذه المرة تصدر علنية في عاصمة البلاد وفي مقر دائم.
مباشرة عقب الاستقلال  صدرت جريدة « الشعب» والبلد مازال يجتر آلام ما اقترفه الاستعمار، وهنا كان الخيار الأقوى هو الاسراع في تجسيد هذا العنوان على الواقع بدون العودة الى تلك المثبطات الإدارية التي قد تعطل الشروع في هذا المسعي المنتظر بشغف.
وهكذا وفي خضم هذا الزخم الوطني المتوج بذلك الحماس الفياض، انطلقت الجريدة في عملها بالإدارة والتحرير والقسم التقني، هذا الثلاثي الذي سهر على أن يكون المولود الجديد موجودا في الأكشاك، وهكذا حذت حذو التسمية التي كانت فارضة نفسها آنذاك ألا وهي صفة «المؤسسة» وانطلاقا من الحركية الاقتصادية آنذاك حملت الجريدة شكلها القانوني «مؤسسة الشعب» تضاف إلى باقي المؤسسات العمومية التي شرع في إنشائها بعد الاستقلال.
تأثيرات الأحداث
ولا يمكننا تقسيم أداء الجريدة إلى سنوات منفصلة عن بعضها البعض، لمعرفة التغير الذي طرأ على صفتها القانونية وهذا إلى غاية بداية التسعينات الفترة التي كانت لها الأثر القوي على استقرار العنوان.
خلال الستينات والسبعينات والثمانينات واكبت الجريدة السياسات الإقتصادية والإجتماعية للجزائر، وهذا من خلال منحها مايعرف بالخدمة العمومية.
ونعني بذلك أنها مخولة بنقل الأحداث الكبرى التاريخية  خاصة التي أرادت إخراج البلد من التبعية للأطراف الأجنبية وفي نفس الوقت إبراز القرارات الوطنية الرامية الى إحداث ذلك التغيير الجذري في نمط التسيير لشؤون البلد.. وقد بدأ ذلك مع « التسيير الذاتي» خلال بداية الستينات ليتعزز ذلك بتأميم المناجم ووضع  اللبنات الأولى للانطلاق في المجالس الشعبية المحلية. وبمجرد بدايات السبعينات تقرر تأميم المحروقات والشروع في الثورات الـ٣  (الزراعية، الصناعية والثقافية).
ثم تلى ذلك الميثاق الوطني، دستور ٧٦ حملات التطوع، السد الأخضر ، طريق الوحدة الإفريقية ، هذه العناوين الوطنية جرت كلها في السبعينات وكانت « الشعب» حاضرة خلال هذه المواعيد كتابة وصورة، والأرشيف يشهد على ذلك.. تؤدي مهمتها الإعلامية وفق السياق النوعي الذي تشهده البلاد عل كافة الأصعدة.. وواصلت هذا العمل خلال الثمانينات على أساس المهنية المعروفة بها.
غير أن التحوّل  الجذري كان عندما أعلنت السلطات العمومية فتح القطاع الإعلامي في بداية التسعينات والتأسيس لعناوين جديدة، وهكذا ذهب العنوان إلى حزب جبهة  التحرير الوطني، لفترة معيّنة على أساس أنها صنّفت في خانة « صحافة الرأي» لكن الجهات المسؤولة لم تكن راضية عن هذا العمل أي اختفاء « الشعب» و»المجاهد» وسيرهما في ركب حزبي ونضالي .
وفي الوقت الذي كانت فيها قيادة الحزب آنذاك  تسعى لتغيير الوثائق، تقرر استرجاع العنوان إلى طبيعته الأولى ونزع عنه ذلك الطابع الحزبي المعارض للجهاز التنفيذي آنذاك، وهكذا عادت الجريدة لتأدية الدور المنوط بها في الحقل الإعلامي كخدمة عمومية بعيدة كل البعد عن النظرة الضيقة للأحداث والقضايا الوطنية وسار الحال على هذا المنوال إلى غاية نزع مصطلح «مؤسسة» عن العنوان لتصبح جريدة وفقط، لتحرم من المطبعة التي كانت مصدر عيش وديمومة الصحيفة.
وعقب هذا القرار أعطي للجريدة فيما بعد مايعرف بالمؤسسة ذات الشخصية الوحيدة»EURL»  قرابة ١٨ سنة كاملة وبالرغم من  ذلك، فقد واصلت تأدية مهامها بحيوية أخرى، عندما طرحت العناوين السياسية الكبرى خلال سنوات الألفين كالمصالحة الوطنية إصلاح العدالة تقويم قطاع التربية، ترقية الإقتصاد الوطني وإعادة هبة الجزائر الى المحافل الدولية.
وأعيد تغيير الصفة القانونية وهذا بتحويلها إلى مؤسسة عمومية إقتصادية شركة ذات أسهم، هذا لم يؤثر أبدا على الخط الافتتاحي للجريدة من ناحية التحرير بل واصلت عملها في إطلاع المواطن على كل المستجدات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والتطورات على الصعيد الدولي كذلك (النقلة المهنية) والنقلة التي حدثت هي أن الجريدة عززت « الفوروم أو المنتدى» بضيف التحرير يضاف إلي ذلك « الملفات الأسبوعية» و»الصفحات الخاصة».
 تدعيمها بالجريدة الالكترونية التي تتفاعل مع تطورات الأحداث، هذا كله يعتبر قيمة إعلامية مضافة في تنويع مصادر الصحيفة، بما تحتويه من معطيات جديرة بالقراءة اقتصادية محليا دوليا، ثقافيا ورياضيا.
والمحطات المذكورة إنما تعني الجانب المهني فقط وليس التسيير بمفهومه الإداري أي أن الجريدة كانت مواكبة لكل الأحداث التي عاشتها الجزائر منذ الإستقلال إلى يومنا هذا وكل مرحلة لها خصوصياتها.
لذلك ، فإنه لا يكفي تناول الجزء من الكل بمعنى الحديث عن عينة محددة بدلا من الصحافة العمومية، التي هي الآن بصدد البحث عن تنظيم لائق بها، فيما يتعلق بالصحافة المكتوبة، ووضعها في شكل مجمع إلى جانب المطابع والإشهار لتكون هناك نظرة واضحة حول آفاق  الإحاطة بهذه القطاعات الحيوية في الاتصال.
وكنا دائما نأمل في أن تكون الصحافة العمومية في مقدمة المشهد الإعلامي، انطلاقا من الرسالة التي تؤديها دفاعا عن المصالح العليا للوطن، هذا ليس خطابا إنما قناعة عميقة لدى كل من يشتغل في هذا  القطاع من أجل الدفاع عن المواقف الجزائرية ونظرتها السديدة تجاه مايجري حولنا من تطورات، بالإضافة إلى الحرص على الإنجازات المحققة في مجال السلم الاجتماعي بفضل الوئام المدني والمصالحة الوطنية والمشاريع الكبرى في الميادين الاستراتيجية كالمياه والسدود، الطرقات، الكهرباء، والغاز، التعليم، الفلاحة، الاستثمار،  السكن والتكوين .
الجزائر اليوم ورشة مفتوحة على التنمية ، ولا بد أن يترجم ذلك من خلال عمل إعلامي يحمل الطابع الإبداعي والذكي في آن واحد..لذلك فالتحدي كل التحدي الذي يتطلب رفعه، والرهان الذي يستدعي  كسبه هو الإرتقاء بكل هذه الوقائع إلى الفعل الإعلامي المأمول والذي ينبني على رسالة الوطن والمواطن.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19822

العدد 19822

الإثنين 14 جويلية 2025
العدد 19821

العدد 19821

الأحد 13 جويلية 2025
العدد 19820

العدد 19820

السبت 12 جويلية 2025
العدد 19819

العدد 19819

الخميس 10 جويلية 2025