تولى تسيير جريدة “الشعب” فأعطاها نفسا جديدا
صوته اجتاز الحدود وحشد الجماهير، لاسيما الشباب الجزائري على الإلتفاف حول الثورة والإيمان بقدرة جيش وجبهة التحرير الوطني، فكانت نبرات صوته الجياشة والمدوية بمثابة الأمل الذي يبث الروح في النفوس اليائسة، إنه المجاهد الفقيد عيسى مسعودي؛ الكل كان ينتظر بشغف صوته القوي عبر إذاعة الجزائر الحرة، بمن في ذلك المجاهدون، مما ساهم في رفع معنوياتهم في القتال، ورغم ارتباط صوته بالإذاعة، لكن الكثير يجهل أنه تولى تسيير عميدة الصحافة الجزائرية جريدة “الشعب” في فترة السبعينيات، فأعطاها نفسا جديدا.
أجمع بعض المجاهدين في تصريح لـ “الشعب”، على أن صوت الفقيد عيسى مسعودي كان معجزة وأقوى من رشاشات المدافع. وقال المؤرخ والمجاهد عمار بوحوش، إن الفقيد لعب دورا أساسيا إبان الثورة التحريرية في شحذ الهمم، فالبندقية في الميدان وصوته عبر الإذاعة. وبحسبه، فإن ميزة هذا المجاهد والإعلامي هو تواجده بالقرب من الحدود، ما سمح للجماهير بسماعه وشحذ مشاعرهم وتحفيز الشباب للمشاركة في الثورة، مشيرا إلى أنه لم يكن له احتكاك بالفقيد، إلتقى به بتونس كونه كان مناضلا في جبهة التحرير الوطني، ثم انتقل إلى المغرب، بحيث لعب دورا كبيرا هناك في الرد على دعاية المستعمر وتحفيز جنود جيش التحرير الوطني.
نفس الأمر أكده المجاهد والوزير الأسبق المكلف بالعلاقات مع البرلمان محمد كشود، بالقول إن الفقيد غني عن التعريف وكان بطل إذاعة الجزائر الحرة له صوت جذاب، يشجع ويدغدغ عواطف الشباب ويحرك مشاعرهم، مضيفا أن هناك شيئين حفزا الشباب الجزائري على الإلتحاق بالثورة، هما هجومات 20 أوت 1955 بالشمال القسنطيني، وثانيا تدخلات عيسى مسعودي عبر إذاعة الجزائر الحرة المكافحة، هذا الصوت الشجي المدوي الذي كانت الجماهير الجزائرية بالمدن والأرياف تنتظره بشغف، والذي وصل صداه إلى خارج الوطن وإلى الدول العربية.
من جهته وصف أستاذ قسم التاريخ بشير سعدوني، عيسى مسعودي بالمعجزة، لأن صوته كان جهوريا وعظيما قائلا، إن 50٪ من نجاح الثورة يعود لعيسى مسعودي و50٪ للثوار. مضيفا، أن الفقيد كان له صوت فريد ومعجز ومؤثر في النفوس، بحيث أن المجاهدين يتوقفون حين يسمعون كلمته التي يلقيها عبر إذاعة تونس، مشيرا إلى أن مسعودي كان طالبا في جامع الزيتونة وتولى عدة مناصب بعد الاستقلال منها تسيير جريدة “الشعب”، كما سميت الشوارع باسمه والمركز الثقافي للإذاعة الوطنية تخليدا لذكراه ودوره الفعال الذي لعبه إبان حرب التحرير الوطني في الرد على الأكاذيب الاستعمارية وبث الأمل في نفوس الجزائريين بروح نضالية تترجم وطنيته وحبه الشديد للجزائر.
بعد بوعبد الله غلام الله، عين عيسى مسعودي، رحمه الله، مديرا لجريدة “الشعب” قادما من وزارة الإعلام والثقافة، وفي فترة التحاقه بالجريدة لم تكن الإمكانات المادية متوفرة، فالعدد الواحد كان يباع بـ50 سنيتما، ومدخول المبيعات لا يغطي التكاليف، الإشهار قليل، ودعم الوزارة لا يكفي، “كنا نعيش يومنا فقط”؛ وضعية جعلت مسعودي، رحمه الله، يفكر مليا في كيفية الخروج منها، فعمل أولا على تحسين محتوى الجريدة، حيث اعتمد على نفس العناصر وأعطى نوعا من الجرأة في معالجة القضايا، بحسب شهادة الصحفي السابق بجريدة الشعب عيسى عجينة.
أبرز عجينة في هذا الصدد، أن الفقيد سعى إلى خلق فضاء ثقافي فكري في الجريدة، وهو ملحق أسبوعي، كلف به الروائي الطاهر وطار. كان فضاء يجمع الروائيين وكتاب القصة والشعر والنقاد، يعالج قضايا ثقافية وينشر الإنتاجات الثقافية للشباب، من قصة، شعر ورواية، فكثير من الشعراء والكتاب المعروفين مروا من الشعب الثقافي، أمثال الشاعر أزراج عمر، مصطفى غماري، وكتاب المسرح بالإضافة إلى نقاد وكتاب مثل الروائي محمد مفلاح، عبد العالي رزاقي، أحلام مستغانمي، والناقد مخلوف عامر.
لم تتوقف مساعي عيسى مسعود “المعروف بوطنيته” عند هذا الحد، بل امتدت لتشمل قطاع الإشهار، حيث أجرى اتصالات كثيفة مع المسؤولين آنذاك بالوزارة الوصية، لتعريب الإشهار وكان له ما أراد، فتنفست “الشعب” من الناحية المادية، وارتفع المستوى المادي للصحافيين، ليبقى مشكل المقر مطروحا، إذ فشل في الحصول على مقر بشارع عميروش - حاليا، مقر القرض الشعبي الجزائري، رغم أنه وُعد به، لكن العملية لم تتم لأسباب نجهلها، قال عجينة، مشيرا إلى أن ذلك الظرف لم يمنعه من شراء مطبعة سحب بالألوان، لكن في غياب المقر، لم تستعمل وحولت إلى أحد المستودعات بباب الزوار، وبقيت هناك لمدة 7 سنوات، أي إلى غاية الثمانينيات، حين تحول مقر “الشعب” إلى حسين داي، لتستعمل فيما بعد في طبع صفحات الجريدة.
غادر عيسى مسعودي “الشعب” بعد 3 سنوات، لتدخل مرحلة انتقالية أخرى.